المثقف الحقيقي يجب عليه أن يظهر ثقة كافية بما يؤمن به وأن يتسق في سلوكه وآرائه مع المبادئ التي يؤمن بها والقضايا التي يتبناها .. تستدعي نيابة الصحافة رئيس تحرير لأخذ أقواله بشأن شكوى تقدم بها مسؤول حكومي يقول فيها إن رئيس التحرير نشر في صحيفته خبراً مسيئاً لسمعة ذلك المسؤول، فيحتج رئيس التحرير قائلاً : لماذا أنا ولماذا صحيفتي فقط بينما الخبر نشره من قبلي آخرون ولم يتم استدعاؤهم من قبل النيابة .. فهذا - كما أظن أنكم قد لاحظتم - يرفض إجراءً وفي الوقت نفسه يحرض الآخرين على القيام بالإجراء نفسه ضد زملاء له والأمثلة على ذلك كثيرة، فقائد حزبي كبير ظل معارضاً قوياً للحرب في صعدة، وعندما نظم حزبه مظاهرة غير مرخص بها ففرقها جنود الشرطة، قام يخطب في الناس قائلاً : إن هؤلاء الجنود لو كانوا “رجالاً” عليهم أن يذهبوا إلى صعدة للحرب هناك. وتقرأ في صحيفة الكترونية : “إن الجنود منعوا مصور الموقع من التصوير واحتجزوا كاميرته في حين لم يفعلوا ذلك مع المصورين الآخرين”!. إذا كنت تؤمن أن ما يتخذ بحقك هو انتهاك لحريتك وحقوقك المكفولة في القانون فلماذا تعبر عن رفضك لهذا الانتهاك بتحريض السلطات على أن تقوم بالانتهاك نفسه لحقوق الآخرين؟ كيف يسمح مثقف لنفسه أن يصف شعبه بأنه “شعب عرطة” و”شعب أحمد” و”.....” وغيرها من الأوصاف المهينة في الوقت الذي يدعي أنه مهموم بالكرامة الوطنية وقضايا الشعب؟بالنسبة لهذا المثال الأخير الأمر أفدح من ذلك .. فأمين عام حزب سياسي معارض كان يتحدث في مجمع حزبي عقب انتخابات تشريعية لم يصوت فيها الناخبون سوى لعدد قليل من مرشحي الحزب، وقال : إن هذا الشعب الذي صوت لصالح المؤتمر مجدداً هو مثل تلك التي تتوجع أثناء الولادة لكنها بعد أسابيع تنسى الألم وتستعيد “شبقها الجنسي” .. فهو يتخذ من أمر طبيعي جداً بالنسبة للمرأة شاهداً على دناءة المرأة بنظره ثم مدخلاً للازدراء بالشعب كله!. إن هذا البلد يحتاج إلى مثقفين حقيقيين ملتزمين .. غير متناقضين .. لديهم ثقة بالمبادئ والقضايا التي يؤمنون بها .. إذا كانوا يؤمنون أن الحكومة فاسدة فعليهم أن لا يقارعوها في العلن ويذهبوا بعد ذلك لاستلام “مظروف مالي أو سياسي” سراً .. والسياسي ينبغي عليه أن يقول هذا أنا كما أنا في كل الأحوال .. فلا يجوز أن يقول شيئاً في منبر علني وينقض ذلك في منبر خفي.يتعين على المثقفين والسياسيين أن لا يستخفوا بقدرة الناس العاديين على فهم وتحليل الظواهر مهما بلغ غموضها .. فهم يعرفون عن ذلك الذي يعارض الرئيس في الصباح ويذهب إلى مقيله قبل الأصيل .. يعرفون عن الحزب المعارض الذي يصطف رجاله في طابور أمام أمين صندوق الحزب الحاكم.
أخبار متعلقة