شوارع المدينة مقفرة إلا من بعض المقاومين
صور/ وكالات: شهد الجنوب اللبناني بعيد ظهر أمس الاثنين نزوح عشرات الاف الجنوبيين كانوا على الطرقات بعد ان تركوا قراهم واتجهوا شمالا مستفيدين من وقف مؤقت للقصف الجوي منذ نحو عشرين يوما. وافاد مراسلون صحفيون في منطقة صور ان النازحين كانوا ينقلون ما يتيسر لهم من الاغراض المنزلية على متن سيارات مدنية او شاحنات صغيرة ويتوجهون باتجاه الساحل ومنه شمالا.وشوهدت زحمة سيارات خانقة عند جسر القاسمية شمال صور بعد ان قامت البحرية الاسرائيلية بقصف موقع للجيش اللبناني على هذا الجسر ما ادى الى مقتل جندي واصابة ثلاثة اخرين بجروح. وكانت اسرائيل قد طالبت المدنيين اللبنانيين في الجنوب بمغادرة قراهم والتوجه شمالا. وخيم الصمت من جديد على انقاض قانا غداة القصف الاسرائيلي الذي اسفر عن مقتل اكثر من ستين مدنيا لبنانيا بينهم 37 طفلا, لتبدو هذه البلدة التي نكبت بالمأساة نفسها مرتين خلال عشر سنوات, خاوية وساكنة. فقد غادر رجال الانقاذ محيط الملجأ الذي كان عدد كبير من الذين قتلوا فيه يعتقدون انهم يستطيعون النوم فيه آمنين تماما مثل اولئك الذين وضعوا انفسهم عام 1996 تحت حماية الامم المتحدة معتقدين ان وجودهم في ثكنة لجنود حفظ السلام يجعلهم خارج دائرة الخطر.. ذهب الرجال الذين كانوا يحملون الرفوش وسيارات الاسعاف ومتطوعو الصليب الاحمر والدفاع المدني الذين انتشلوا جثث النساء والاطفال واحدة تلو الاخرى, ليزيلوا الدماء والغبار عن ملابسهم. ولم يتبق صباح أمس الاثنين سوى بعض الاغراض الشخصية والحقائب والملابس التي تكدست امام الفجوات الهائلة التي احدثها القصف في المبنى الذي انهار ودفن تحت انقاضه 63 مدنيا كانوا يتصورون انهم بمناى عن الضربات الاسرائيلية وقد تم انتشال نحو 30 جثة هامدة وما زال عدد آخر من الجثث تحت الانقاض. ويفترض ان تستأنف عمليات ازالة الانقاض من اجل انتشال هذه الجثث المتبقية. ومن مدخل القرية التي كان يبلغ عدد سكانها 15 الف نسمة قبل الهجوم الاسرائيلي، يشهد الدمار على عنف عمليات القصف التي ضربت القرية 19 يوما واجبرت السكان على الفرار او الاختباء. فقد سويت منازل بالارض وبعضها احترق بالكامل, ودمرت واجهات المحلات التجارية وتمزقت ستائرها. اما الطرق فتغطيها الانقاض والابنية التي ما زالت واقفة خالية والمحلات التجارية التي تحطمت واجهاتها مقفرة. شوارع المدينة مقفرة لا يمر بها سوى بعض المقاومين ببزاتهم الصفراء والخضراء على دراجات نارية صغيرة. وتدخل شاحنة صغيرة احد الشوارع لتنقل عائلة جاءت اصلا من قرية الرمادية تتألف من اب وام وابنهما. ويقول الاب من نافذة السيارة "نحن راحلون". ويكرر الثلاثة "نحن راحلون الى بيروت حتى اذا اضطررنا الى النوم في الشارع". البقال الوحيد الذي ما زال محله مفتوحا, ليس لديه كهرباء وبراده فارغا. اما على الرفوف فلا يوجد سوى عدد قليل من المعلبات وعلى الارض قوارير مياه. امام هذا المحل توقف ضرير يدعى خضر نصر الله مع ابنه. ويقول "اريد ان اموت هنا. انها ارضنا. اريد ان اموت مع زوجتي وابنائي الثلاثة. نحن مع حزب الله وطالما ان اسرائيل تطلق النار سيطلق حزب الله النار واذا ما مات المقاتلون سنموت معهم". وفي صيدلية توقفت حنيفة لشراء ادوية. وقالت "اين تريدوننا ان نذهب؟ الى بيروت لنقيم في المدارس والحدائق العامة او الشوارع؟ هل تفعلون ذلك باولادكم؟ لا نريد الموت في الشارع. لا نخاف الموت. الله معنا".واذا ما كرر التاريخ نفسه وحصلت الهدنة فقد تعطي مأساة قانا الثانية فرصة جديدة للعيش لحنيفة وخضر وغيرهم من آخر سكان هذه البلدة المنكوبة.