مدارات
يحكى أن ثعباناً هجم ذات مرة على عصفور وهو في عشه لغرض افتراسه ، فحاول العصفور على ضعفه أن ينقر عين الثعبان دفاعاً عن نفسه فما كان من الثعبان إلا أن يفكر بحيلة تساعده على استمالة رضا العصفور كي يقع سهلاً في قبضته قائلاً له : "ألا يسرك يا عزيزي العصفور أن تكون مطيتي وتحل في لحمي وفي أحشائي".هذه الحكاية تذكرني بأبعادها الخبيثة بتلك التضليلات الباطلة التي ذهبت إليها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها تمهيداً لشن الحرب الظالمة على العراق واحتلاله تحت مبررات واهية تارة بحجة نزع سلاح الدمار الشامل وتارة أخرى لنشر الديمقراطية والحرية والمساواة إلا أنه ومنذ احتلال العراق وحتى الآن لم يجن العراقيون من هذه الوعود وحصاد الحرب سوى المزيد من تكريس الاحتلال والدمار والتكتل العرقي والطائفي وزرع بذور الفتنة والشقاق بين أبناء الوطن الواحد كي يقاتلوا أنفسهم بأنفسهم ولأن الشيء بالشيء يذكر يقول "بسمارك" السياسي الألماني الكبير : "المقاتلون وحدهم هم الذين يحسون بويلات الحرب وهم أول الذين ينادون بالسلام", ولعلنا فيما قاله الآخر وهو الجنرال "عمر براولي" الذي تولى رئاسة هيئة أركان حرب القوات الأمريكية بعد الجنرال "إيزنهاور" المعني نفسه الذي ذهب إليه "بسمارك" حينما قال : "إن عالمنا اليوم هو عالم عمالقة الذرة وأقزام الأخلاق فنحن نعرف عن القتال والحروب أكثر مما نعرف عن السلام والحياة ولذلك فإني أبتهل إلى الله أن يأتي اليوم الذي يتحول فيه الأقزام إلى عمالقة ويخرج كل ورجل وامرأة وطفل ليشاركوا في حفر أكبر مقبرة في التاريخ لكل أسلحة الموت والدمار إن شجرة الزيتون لن تموت طالما بقيت الحياة تروي جذورها".ترى هل سيأتي يومٌ نسمع فيه رؤساء الولايات المتحدة وحلفاءها الجدد الذين ما زالت قواتهم تحتل العراق وأراضٍ أخرى من العالم وهم يرددون نفس ما قاله كل من " بسمارك" و "عمر براولي" عن الدمار الذي تخلفه الحروب الظالمة على الحياة البشرية؟ أم أن "الفوضى الخلاقة" حينما تكون مصدراً للسياسة يصبح من الصعب على أصحابها التصرف بحكمة وعقل تماماً كما هو الحال السائد في هذا العصر؟!