قراءة في صفحة من صفحات تاريخ اليمن
محمد زكرياكتاب ( القبائل اليَمَنيّة في مصر ) للدكتور السيد طه أبو سديرة يستحضر في أذهاننا عصر الفتوحات العربية الإسلامية الكبرى التي انطلقت من المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية الفتية الناشئة في عهد الفاروق الخليفة عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ـــ وانساحت في العراق ، والشام ، والديار المصرية ، و تونس ، وبلاد المغرب. والكتاب مليء بالمعلومات القيمة والجديدة عن دور القبائل اليمنية في فتح الديار المصرية في عام 20هـ / 641 م وفي رواية أخرى تقول إنّ فتحها كان في 21 هـ / 642 م , بقيادة القائد الفذ عمرو بن العاص الذي كانت تحت إمرته قرابة أربعة آلاف من القبائل اليمنية ــــ كما تذكر الروايات الإسلامية ـــ وكان القائد عمرو بن العاص صاحب دراية وخبرة واسعتين في فنون القتال , ويصفه الكندي قائلاً: وكان عمراً ذا رأي ، وشجاعة نادرة “ ، فقد دوخ جحافل الجيوش الرومانية في مصر ونشر في قلوبهم الرعب . وبفضل قيادته الرائعة , وجنده الأشداء سقطت المدن المصرية الواحدة تلو الأخرى ، ولم يمض وقت قصير حتى أنشأ ابن العاص الفسطاط في الديار المصرية عاصمة للدولة الإسلاميــة .[c1]القبائل اليمنية في الفسطاط[/c]وكيفما كان الأمر ، فقد كانت للقبائل اليمنية المختلفة اليد الطولى في فتح الديار المصرية . وقد ذكرت المراجع التاريخية أنّ القبائل اليمنية ، كانت تمثل القوة الضاربة في جيش عمرو بن العاص الذي كان مؤلفاً من أربعة آلاف ـــ كما قلنا سابقا ً ـــ . وتذكر المراجع أسماء القبائل اليمنية التي شاركت في الفتح على سبيل المثال: الأزدية ـــ أكبر القبائل اليمنية على الإطلاق ــــ خولان ، همدان ، الصدف ، تجيب ، حضرموت ، كندة ، المهرة ، مراد ، غافق ، جذام ، لخم ، البلي . وتقول الروايات التاريخية إنّ عمرو بن العاص عندما شرع في بناء أول حاضرة إسلامية في مصر هي الفسطاط ، كان للقبائل اليمنية السهم الوافر في بنائها، حيث كانوا أكثر القبائل العربية التي استوطنت خططها ( أي حاراتها ). ونورد ما ذكرته المراجع عن بنائها ، وكيف كان للقبائل اليمنية المختلفة الحظ الأوفر في خططها عن باقي قبائل الجزيرة العربية الأخرى . [c1]صنعاء و الفسطاط[/c]من المعروف أنّ التخطيط الإسلامي سواء في بناء العواصم أو المدن ، أول شيء يبنى فيه هو المسجد الجامع . وهذا ما حدث عند الشروع في بناء مدينة الفسطاط حيث “ بدأ عمرو بن العاص أولى خطواته لتخطيط المدينة ، بتشييد مسجده الجامع ، الذي سمي بالجامع العتيق ، وبجامع عمرو بن العاص . . . إلاّ أنه ( أي الجامع ) كان أساس التنظيم العمراني للمدينة . . ففي شرق الجامع شيد عمرو دار الإمارة ، التي عُرفت بدار عمرو الكبرى ، وإلى جوارها بنى عبد الله بن عمرو دارًا له عُرفت بدار عمرو الصغرى ، وترك عمرو أمام داره فضاء أي ميداناً واسعًا لموقف دواب الجُند ، من خيل وجمال ، وحمير ، وأحاطت الأسواق بالمسجد “ . وتذكر المراجع أنّ طراز بناء الفسطاط كان على شكل مدينة صنعاء ، ومن المحتمل أنّ اليمنيين ، كان لهم دور في ذلك نظرًا لكونهم ، كانوا لهم خبرة ودراسة واسعتين في العمارة والبناء ، فبنوا الفسطاط على تخطيط مدينتهم صنعاء نفسه . “ فلا غرو أنّ بنيت حاضرة مصر في ذلك العهد المبكر على شاكلة صنعاء حاضرة اليمن ، وتقول المراجع أن عمرو بن العاص أختار أربعة من رؤساء ، وشيوخ القبائل العربية الكبرى عندما رأى تزاحم القبائل على الأماكن القريبة والمحيطة بالمسجد لفض النزاعات والمشاكل التي من المحتمل وقوعها بين القبائل وهم : “ معاوية بن صريح النجيبي ــــ وهو من حضرموت ـــ ، وعمرو بن قحزم الخولاني ــــ من اليمن ـــ ، وشريك بن سمي القطيفي ،وحويل بن ناشر السنافري ، وباشر هؤلاء الأربعة توزيع القبائل على الخطط ، فأنزلوا الناس، وفصلوا بين القبائل “ . قلنا سابقاً : إنّ القبائل اليمنية استحوذت على أكثر الخطط أو الأحياء في الفسطاط بسبب عددها الكبير في الجيش الإسلامي ـــ كما ذكرنا في السابق. فقد: “ بلغ عدد القبائل بالفسطاط نحو مائة وست عشرة خطة ( حي ) ، مابين قبائل وبطون ، ما يلي : · ثماني عشرة قبيلة وبطن من عدنان ( عرب الشمال ) .· ست وثمانون قبيلة وبطن من قحطان ( عرب الجنوب ) . · سبع قبائل من غير العرب . · خمس قبائل خاصة “ . والجدير بالذكر : “ أنّ القبائل العدنانية اختطت جميعها إلى شمال الفسطاط ، ومعظم القبائل القحطانية اختطت إلى جنوب الفسطاط ،ما يرجح أن هذه القبائل راعت في اختيار مواقعها بالفسطاط أنّ تكون متفقة مع مواقع إقامتهم في بلادهم الأصلية بالجزيرة العربية “ . وذلك الإحصاء لعدد القبائل اليمنية يدل دلالة واضحة وقاطعة على أن العرب اليمنيين ، كانوا أكثر القبائل التي استأثرت بحارات الفسطاط عن غيرها من القبائل العربية الأخرى بسبب عددهم الكبير الذي يفوق القبائل الأخرى .[c1]القبائل اليمنية في الجيزة [/c]والحقيقة أنّ القبائل اليمنية لم تستقر فحسب في الفسطاط ، بل استقرت في أماكن أخرى من الديار المصرية كالجيزة ، وهي التي تقع على الضفة الغربية من وادي النيل حيث “ اختطت بها بطون من حمير سنة 21 هـ / 642م ، في أعقاب الفتح مباشرة ، وذلك بعد أنّ جعل عمرو فريقاً من جيشه بهذا الموضع غرب النيل ، وقد كتب إلى عمر بن الخطاب يخبره بأنّ همدان التي شاركت في أعمال الفتح ، وغيرها من آل ذي أصبح ، ونافع ومن كان منهم أحبوا المقام بالجيزة ، وتضيف بعض الروايات أن عمرو” بنى لهم ـــ (أي القبائل اليمنية ) ـــ حصناً في الجيزة يعتصمون به عند الخطر ، وشرع في بناء الحصن سنة 21 هـ / 642 م وأتمه سنة 22 هـ / 643 م ، ومن المحتمل أنّ عمرًا كان يهدف من وراء ذلك إلى زيادة تأمين الجانب الغربي من مدينة الفسطاط “ . وتذكر الروايات أن غالبية القبائل اليمنية التي استقرت في الفيوم كانت من حضرموت وعلى وجه التحديد من قبيلة الصّدف وهي بطن من حضرموت اليمنية . [c1]اليمنيون أمراء البحر[/c]ومثلما كانت القبائل اليمنية القوة البرية الرئيسة في جيش عمرو بن العاص ، كانت أيضاً القوة الضاربة في البحر, فقد ساهمت في حماية الثغور في مصر من الأسطول البيزنطي الذي ، كان يعمل جاهدًا على الاستيلاء على الإسكندرية والتي كانت القاعدة البحرية الأساسية له في البحر الأبيض المتوسط قبل دخول المسلمين إلى مصر وطردهم منها . ويبدو أن القائد عمرو بن العاص ، ومن تولى ولاية مصر من بعده وتحديدًا في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان المتوفى ( 86 هـ / 705 م ) ، والوليد بن عبد الملك المتوفى ( 99 هـ / 718 م ) ، إن اليمنيين مثلما كانوا فرساناً لا يشق لهم غبار في البر ، كانوا أيضاً بحارة لهم دراية وخبرة في فنون القتال في البحر بسبب شهرتهم التاريخية الطويلة مع البحر حيث كانوا همزة الوصل في الأزمنة البعيدة بين تجارة الشرق والغرب ما دفع بالإمبراطورية الرومانية سنة 24 ق.م إلى القضاء على الدولة الحميرية بسبب نشاطها التجاري الضخم في البحر الأحمر الذي كان يؤثر على نشاط موانيها التجاري المطلة على البحر الأحمر. وهذا ما أكده الدكتور سيد مصطفى سالم ، بقوله : “ وقد رسم الرومان خطتهم الإستراتيجية في البحر الأحمر لاحتكار تجارته على تحطيم القوتين السياسية الاقتصاديتين الموجودتين على الشاطئ الشرقي لهذا البحر ، وهما مملكة الأنباط في شماله ، ومملكة حمير في جنوبه “. وكيفما كان الأمر ، فقد تولى العديد من القادة اليمنيين مسئولية الدفاع عن الثغور كدمياط و ثغر الإسكندرية اللذين كانا دائما يتعرضان لغارات الأسطول البيزنطي . ومن بين من تولى إمارة البحر من القادة اليمنيين أبي بكر بن محمد بن بحر الرعيني “ فقد ولى أمر دمياط ، وسفنها في خلافة عمر بن عبد العزيز ( 99 ـــ 101هـ / 719 ـــ 720 م ) . وكانت دمياط . . . إحدى الثغور المصرية الهامة التي تتعرض لهجمت الأسطول البيزنطي “ بصورة شبه دائمة . ولقد استشهد عدد من أمراء البحر اليمنيين في صد الأسطول البيزنطي عن عدد من ثغور مصر . فقد ذكرت المراجع أنّ الأسطول البيزنطي أغار على مدينة تنيس وهي إحدى السواحل المصرية في ولاية بشر ابن صفوان الكلبي على الديار المصرية من قبل الأمويين، “ وكان أمير هذه المدينة حينذاك مزاحم بن مسلمة المرادي“. ولكن في تلك المواجهة مع البيزنطيين استشهد “ وهكذا كان هؤلاء القادة وولاة البحر يبذلون الروح والاستشهاد في سبيل رفع راية الله والإسلام والدفاع عن المدن المصرية ضد غارات الروم “ . [c1]اليمنيون وجزيرة صقلية[/c] وتقول الروايات التاريخية إن أمراء البحر اليمنيين ، كان لهم دور بارز ومهم في فتح عدد من الجزر الواقعة في البحر الأبيض المتوسط ، وكان من أسباب فتحها هو أن الأسطول البيزنطي ، كان ينطلق منها فيهدد الثغور المصرية ولذلك سارع معاوية بن أبي سفيان المتوفى ( 60 هـ / 680 م ) في إرسال الأسطول الإسلامي إلى جزيرة كريت ، رودس ، وصقلية . “ وفي هذا السياق تقول الروايات : “ إن معاوية كان يغزو برًا وبحرًا ، فبعث جنادة بن أبي الأزدي إلى رودس جزر البحر المتوسط ، فغزاها ، وأنزل طائفة من الجند المسلمين. ونقل السيوطي عن ابن يونس المؤرخ المصري أنّ جناده شهد فتح مصر ، وولى البحر لمعاوية “ . ونجد القائد جنادة الذي فتح جزيرة رودس ، يغزو في السنة نفسها جزيرة كريت “ كذلك يذكر البلاذري أنه في أيام معاوية غزيت جزيرة صقلية التي كانت تعد من أخصب الجزر “ . حقيقة لم يذكر البلاذري القائد الذي فتحها ، ولكن ومن المحتمل أن يكون من قادة القبائل اليمنية ، فقد ، كانت القبائل اليمنية تتمتع بنفوذ كبير في خلافة معاوية أبن أبي سفيان ، وابنه يزيد ، وعبد الملك بن مروان ، والوليد ابن عبد الملك حيث قامت الدولة الأموية على سواعد اليمنيين أو بعبارة أخرى ، كان لهم الدور الكبير في بزوغ نجمها في سماء السياسة , وإزاء هذا كان الخليفة معاوية بن أبي سفيان يثق برؤساء وقادة القبائل اليمنية ثقة كبيرة ، وكان لهم حظوة كبيرة عنده . “ وتشير المصادر إلى أنّ معاوية كان يفضل هؤلاء الحضرميين والأزديين في أعماله ، فقد كتب إلى واليه على مصر مسلمة بن مخلد : (( لا تولي عملك إلاّ أزدي أو حضرمي فإنهم أهل الأمانة )) “ . وتذكر أيضا ً الروايات أنّ أخواله كانوا من اليمنيين ما قربهم إليه ، وتولى الكثير منهم المناصب الخطيرة في عهده . [c1]فتح الإسكندرية[/c]وتشير الروايات التاريخية أنّ عمرو بن العاص سار إلى الإسكندرية في سنة ( 20 هـ / 641 م ) لتخليصها من قبضة الرومان ، وكانت في المدينة حامية رومانية قوية ، وأدرك البيزنطيون أن سقوطها بيد المسلمين يعني الضربة الأخيرة والقاصمة لبقائها في الديار المصرية ، ولقد أجمعت كتب التاريخ أنّ الميزان العسكري كان لصالح البيزنطيين في الإسكندرية الذين كانوا يتفوقون على المسلمين في العدد . وكان من أبرز القادة اليمنيين في الجيش الإسلامي المتجه لمحاربة البيزنطيين هو عوف بن مالك الأزدي الذي أبلى بلاءً حسناً أمام أسوار الإسكندرية والقى في قلوب الرومان الرعب . و حاصر اليمنيون المدينة حصارًا شديــــدًا. وضربت قبيلة المهرة مثالاً رائعًا في الشجاعة ، ورباطة الجأش في فتح الإسكندرية الأول . وهذا ما دفع بعمرو ابن العاص إلى أن يمدحهم ، قائلاً : “ أمّا مهرة فقوم يقتلون ولا يُقتلون . . . “ وهذا دليل واضح على مدى بسالة القبائل اليمنية التي تجلت في حصار الإسكندرية . وتختلف الروايات التاريخية حول مدة حصار الإسكندرية ، رواية تقول إن الحصار استمر ثلاثة أشهر ، ورواية أخرى تذكر أن الحصار ضرب المدينة مدة أربعة عشرة شهرًا ، وأنه تم فتحها في أول محرم ( 21 هـ / 642 م ) . ونميل إلى الرواية ثانية بسبب أنّ البيزنطيين استبسلوا في الدفاع عن الإسكندرية بكل ما أوتوا من قوة لكونها كانت تمثل لهم القاعدة البحرية القوية والصلبة في السواحل المصرية ، وأنّ خروجها منها يعني أفول نجمها في الديار المصرية من ناحية والبحر الأبيض المتوسط من ناحية ثانية. [c1]الأسطول البيزنطي[/c]تعد الإسكندرية من أهم وأخطر المدن المصرية على الإطلاق لكونها ، كانت القاعدة القوية والرئيسة للأسطول البيزنطي ـــ كما سبق إن أشرنا ـــ ، وكان سقوطها بيد المسلمين وخروج البيزنطيين منها يعني الهزيمة العسكرية الساحقة للإمبراطورية البيزنطية في مصر و خروجها من حوض والبحر الأبيض المتوسط والذي ، كان يعد بحيرة رومانية لذلك عمد البيزنطيون إلى التشبث بها ــ كما قلنا سابقاً ــ ، وعندما طردهم المسلمون من الإسكندرية ، فأنّ القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية حينئذ لم تستسلم وظلت تراودها العودة مرة أخرى إلى الإسكندرية بصورة خاصة ، والثغور المصرية الأخرى بصفة عامــــــة. وظلت تجرد أساطيلها الواحدة تلو الأخرى بصورة شبه مستمرة . وكان ذلك يكلف المسلمين الكثير من الخسائر في الأرواح والممتلكات ، وكان يحيق بمدينة الكثير الخراب والدمار . ويفهم من هذا أنّ الفتح الأول للإسكندرية لم يكن حاسمًا ضد البيزنطيين ، فإنّ الأخيرين كانوا لايزالون يغيرون على المدينة ويكثرون فيها الفساد ، والخراب ، والدمار ، والقتل ــ كما قلنا سابقا . وكان أهلها دائمًا يعيشون في حالة من قلق والخوف من غارات الأسطول البيزنطي. [c1]فتح الإسكندرية الثاني[/c] وإزاء غارات أساطيل البيزنطيين على الإسكندرية وثغور مصر الأخرى . قرر الخليفة عثمان بن عفان تثبيت أقدام المسلمين في الإسكندرية وإزالة تهديد الأسطول البيزنطي نهائيًا عن المدينة ، وقطع دابرهم عنها . وعلى أية حال ، فقد أبحر أسطول بيزنطي إلى الإسكندرية بقيادة أحد قادة الأسطول البيزنطي المشهور بجرأته وشجاعته ، وحنكته القتالية في البحر وهو مانويل. ما دفع الخليفة عثمان إلى تكليف عمرو بن العاص بالتصدي والدفاع عن ثغر الإسكندرية “ وذلك لخبرته بالحرب وهيبته في أنفس العدو “ . والحقيقة أنّ البيزنطيين تمكنوا من اختراق العديد من نواحي مصر السفلى . “ وعلى كل حال ، فإنّ عمرو لم يلبث أنّ قام بواجبه ولاقى العدو عند نقيوس على رأس جيش بلغ خمسة عشر ألفاً ــ واستطاع أنّ ينتصر عليه بعد قتال شديد ، وفر الروم إلى الإسكندرية وتحصنوا فيها “ . ويفهم من ذلك أنّ الإسكندرية سقطت مرة أخرى في يد البيزنطيين ، بعد أن فتحها المسلمون في سنة ( 20 هـ / 641 م ) بدليل أنهم انسحبوا إلى المدينة وتحصنوا بها بعد هزيمتهم على يد القائد عمرو . وتذكر الروايات التاريخية أنّ القبائل اليمنية أبلت بلاءً حسناً في القتال ضد البيزنطيين في الفتح الثاني للإسكندرية ، وتشير المصادر إلى أسماء القبائل اليمنية التي شاركت مع عمرو في الفتح وهي الأزدية ، غسان ، دوس ، شجاعة ، جذام ، ولخم ، وتضيف بعض المراجع أن قبيلة المهرة اليمنية كان لها دور مهم في الفتح الثاني للإسكندرية . وبعد ذلك الفتح شهدت المدينة الاستقرار والأمن والطمأنينة وعادت مرة أخرى إلى نشاطها التجاري العريض وصارت الإسكندرية منذ ذلك الفتح الإسلامي الثاني تحت ظلال المسلمين إلى الأبد ، وطرد منها البيزنطيين إلى الأبد ، وبالرغم من ذلك فإنهم حاولوا عدة مرات اقتحام الإسكندرية وعدد من الثغور المصرية ولكن محاولاتهم تحطمت فوق صلابة و قوة وعزيمة جيش عمرو بن العاص الذي كان عماده من العرب اليمنيين . [c1]معركة بلبيس[/c]من أهم وأخطر المعارك الفاصلة التي وقعت على أرض الديار المصرية وإن تكن أخطرها على الإطلاق معركة بلبيس والتي كانت لها نتائج عسكرية خطيرة على صعيد فتح مصر للمسلمين بسبب أنها كانت أولى المعارك التي خاضها الجيش الإسلامي تحت قيادة القائد العسكري المحنك عمرو بن العاص الذي كان جيشه، من القبائل اليمنية والتي بلغ تعدادها أربعة آلاف من المقاتلين الأشداء أو بعبارة أخرى من القبائل اليمنية ـــ كما قلنا سابقا ً ـــ ضد الروم الذين كانوا يملكون العدد والعُدة . وكان انتصار المسلمين في تلك المعركة الشرسة مع الروم وهزيمتهم هزيمة منكرة أنّ مهدت لهم الطريق إلى سقوط المدن المصرية الواحدة تلو الأخرى على سبيل المثال ، حصن بابليون ، عين شمس ، الدلتا ، الصعيد الأوسط والأقصى ، الفيوم ، النوبة ، ويذكر أحد المؤرخين الرومان المعاصرين أنّ معركة بلبيس ، كانت بداية النهاية لوجود الدولة البيزنطية في مصر . وأشارت الروايات إلى أنّ جيش ( عمرو) مكث في بلبيس مدة شهر ، ومن المحتمل أنّ المسلمين رأوا أنّ الضرورة العسكرية تحتم عليهم أنّ يثبتوا أقدامهم في بلبيس قبل الزحف إلى داخل الديار المصرية من جهة ويحصنوا المدينة من غارات الروم من جهة ثانية ويضعفوا , ويستنزفوا قوتهم العسكرية من ناحية ثالثة. [c1]جامع السادات[/c]وعلى أية حال ، تذكر المراجع التاريخية أنه دارت معركة ضارية بين المسلمين والروم في بلبيس ، أسفر عن استشهاد عدد غير قليل من رؤساء وشيوخ القبائل العربية والغالبية منهم كانوا من شيوخ اليمنيين في المعركة،كما قتل الكثير من الروم . وهذا ما أكدته الروايات التي أطلقت على تلك الموقعة بموقعة السادات ، قائلة : “ غير أنّ العرب لبثوا مدة شهر عند بلبيس حدث في أثنائه قتل كثير، وقتل من سادات قريش والعرب عدد ليس بالقليل ، ويقال إنّ الروم خسروا ألف قتيل وثلاثة آلاف أسير... وإنّ جزءاً من القبائل العربية استقرت في بلبيس ، ولم تتابع سير الجيش الإسلامي إلى حصن بابليون ( (بالقرب من مدينة الفسطاط التي بناها عمرو بن العاص ) ( بمصر القديمة). وكيفما كان الأمر ، فقد أقامت القبائل العربية في المكان الذي استشهد فيه سادات قريش والعرب مسجدا أسمته جامع السادات “ . وتشير المراجع التاريخية إلى أنه أثناء المعارك الضارية في بلبيس بين المسلمين والروم ، كانت ابنة المقوقس عظيم القبط هناك “ فأرسلها عمرو إلى أبيها معززة مكرمة ، فكسب بذلك محبة المصريين ، وبعد أنّ أمضى العرب اليمنيون في بلبيس قرابة شهر هبطوا إلى أم أدنين ـــ وهى من قرى بلبيس ــــ لاستكمال الفتح حتى تم لهم ما أرادوا ، وأصبحت مصر قطرًا إسلاميًا ، كان ولا يزال درة في تاج الدول الإسلامية “ .[c1]ضريح أمير الجيوش[/c]وترجح بعض الروايات أن الضريح المشهور في بلبيس والذي يسمى بأمير الجيش ، يعود إلى القائد اليمني شريك المرادي “ وأنه كان في مقدمة عمرو بن العاص وأنه استشهد في بلبيس ، ومن المرجح أنّ يكون الضريح المعروف في بلبيس باسم ( أمير الجيش ) هو ضريح ( شريك ) لكونه كان أمير الجيش وقائده في تلك المنطقة “ ـــ ولايزال هذا الضريح موجودا بجانب مسجد السادات إلى يوم الناس هذا ــــ وتذكر الروايات التاريخية أنّ شهود القبور لرؤساء وشيوخ القبائل اليمنية ، كانت تطفو على السطح ، وماثلة للعيان في القرنين الثاني والثالث الهجريين ( القرن الثامن الميلادي / القرن التاسع الميلادي ) بالقرب من جامع السادات في المكان الذي استشهد فيه هؤلاء القادة اليمنيون , ويقال إن عدد من استشهد في معركة بلبيس أو معركة السادات كانوا أكثر من مائة من رؤساء وقادة مختلف القبائل العربية والأجناس . وتورد الدكتور سعاد محمد اسماء سادة قريش ومن بينهم شيوخ القبائل اليمنية الذين استشهدوا في تلك المعركة العنيفة مع الروم ، فتقول : “ أما عن سادة قريش الذين استشهدوا في بلبيس أثناء فتح عمرو بن العاص لمصر ، فقد حصرت أسماء الصحابة من المهاجرين والأنصار الذي وفدوا مع عمرو بن العاص لفتح مصر ، وقاتلوا في جيشه فوجدتهم يقربون من مائة وعشرين صحابيًا من مختلف القبائل والأجناس . . . نذكر منهم الصحابي ( برتاد بن الأسود بن عبد شمس القضاعي)، وجعثم الخير بن خليبة بن ساجي ابن موهب الصدفــــي . [c1]اليمنيون في الدلتا [/c]وعندما كان المسلمون يحاصرون الإسكندرية ، وصلت معلومات عسكرية خطيرة إلى القائد عمرو بن العاص من عيونه الذي كان يبثها في الدلتا والصعيد ، مفادها أن الروم يعدون العدة لإرسال قوات من الدلتا متجه صوب المدينة المحاصرة ، والحقيقة أنّ عمراً ، كان قد خطط بأنّ يسحب من قواته المحاصرة للإسكندرية بجزء من قواته ويزحف بها صوت الدلتا بغرض أنّ يشعر الروم بقواته بأنها متواجدة في عدد من مناطق مصر وأنها قادرة على الحركة من ناحية وأنّ يقوم بهجوم استباقي ضد الروم في الدلتا من ناحية ثانية فيفقدهم توازنهم العسكري ويبعثر قوتهم من ناحية ثالثة . وبالفعل أخترق الجيش الإسلامي العديد من القرى ، والمدن المصرية الذي كانت بيد الروم منها البحيرة، الكريون ، دمنهور ، وقرية سخا شمال طنطا ، وطوخ مزيد ، وفي الشرقية دمسيس الواقعة على شاطئ فرع دمياط الشرقي . وتذكر المراجع أنّ خطة عمرو العسكرية حققت أهدافها بالكامل حيث لم تستطيع القوات البيزنطية التوجه إلى ثغر الإسكندرية المحاصر من قبل المسلمين حيث أجبرت أنّ تخوض معارك مع باقي الجيش الإسلامي في مناطق الدلتا المختلفة .[c1]اليمنيون المصريون[/c]وتذكر الروايات التاريخية أنه من العوامل الحقيقة وراء انتصار المسلمين على البيزنطيين أكثر من موقع في مصر يعود إلى تعاون المصريين الأقباط . وفي هذا الصدد ، يقول أحد الكتاب المعاصرين البيزنطيين : “ استطاع الجيش الإسلامي والذي كان الكثير منهم القبائل اليمنية في وقت قصير أنّ يطرد الحاميات الرومانية البيزنطية من مناطق الدلتا وذلك بفضل مساعدة وتعاون الأقباط المصريين الذين ذاقوا ألواناً من العذاب على يد الروم البيزنطيين الذين جثموا على صدر مصر ردحًا من الزمن “ . وكيفما كان الأمر، فقد سقطت قرى ومدن الدلتا الواحدة تلو الأخرى . وهناك أسباب أخرى مهمة ، ذكرها المؤرخون القدامى في سقوط المدن المصرية بتلك السهولة بيد جيش المسلمين من البيزنطيين تعود إلى المعاملة الإنسانية التي شاهدها أهل تلك المدن المصرية منهم ، وصدقهم للوعود ، والمواثيق ، وأخلاقهم الجيدة و المبنية على مبادئ قيم الإسلام المثلى والسامية المضيئة التي تدعو إلى الحـــــــــق ، والعدل ، والحرية ، ونشر المحبة والتآلف بين الناس ، وأنّ الجميع مهما تباينت مشاربهم الاجتماعية والدينية متساويون في الحقوق والواجبات . واحترام المسلمين العميق والكبير لأهل الكتاب ومن بينهم الأقباط المصريين الذين تركوا لهم الحرية الكاملة في مزاولة طقوسهم ومعتقداتهم الدينية . [c1]القبائل الحضرمية والفيــــوم [/c]وأدرك القائد عمرو بن العاص أنّ بقاء جيشه أمام أسوار الإسكندرية لمدة شهور طويلة ، سيتمخض عنه نتائج عسكرية صعبة لكونه سيشل حركة جيشه من ناحية و سيساعد قوات الروم والبالغ عددها مائتي ألف مقاتل المنتشرة والمبعثرة في الكثير من القرى والمدن المصرية على أخذ المبادأة والهجوم وصوب الإسكندرية لهزيمة جيشه وبعبارة أخرى أنّ الجيش الإسلامي جمدت حركته المرابط أمام أسوار الإسكندرية المتحصنة في داخلها الحامية الرومانية البيزنطية الضخمة ــ كما قلنا سابقاً ـــ ، ولذلك وجد ( عمرو ) أنّ الضرورة العسكرية تحتم عليه أنّ يسحب جزءاً من قواته ويسير بها نحو عدد من قرى ومدن مصر بغرض مباغتة الروم في دلتا مصر في الوقت الذي ، كان الجزء الآخر فيه من الجيش الإسلامي يضيق الخناق على مدينة الإسكندرية ، وكانت المدينة قاب قوسين أو أدنى من السقوط في يد المسلمين بعد أنّ قدموا التضحيات الرائعة في سبيل نشر راية الإسلام خفاقة على ربوع ديار مصر . وعلى أية حال ، تمكن جزء من جيش المسلمين من هزيمة الروم و تثبيت أقدامهم في الدلتا ، وتوجه بعدها جزء صوب الفيوم وبلاد الصعيد , وكان على مقدمة الجيش القائد ربيعة ابن حبيش الصدفي ( والصدف بطن من حضرموت اليمنية ) . وتذكر الروايات التاريخية أنّ حامية المدينة استسلمت للقائد الحضرمي ربيعة الصدفي دون قتال . وتشير المصادرإلى أنّ القبائل الحضرمية كانت أكثر القبائل اليمنية التي استقرت في الفيوم منها الصّدفُ ، قبيلة حضرموت ، السّكون ، مهرة ، كِندة ، و تُجيب . ولقد انصهرت تلك القبائل مع مرور الأيام ، والشهور ، والسنين الطوال مع أهل الفيوم بالمصاهرة وصارت جزءاً لا يتجزأ من نسيج أهل بلاد الفيوم بصورة خاصة والديار المصرية بصورة عامة. وتطفو في عدد من مناطق الفيوم شواهد قبور لرؤساء وشيوخ القبائل الحضرمية اليمنية . ويقال إن عدداً من أسماء الأسر العريقة في الفيوم ترجع أسمائها إلى القبائل الحضرمية اليمنية التي استقرت في الفيوم.[c1]في بلاد الصعيد[/c] وتذكر الروايات التاريخية أنّ النصر سار في ركب الجيش الإسلامي من قرية إلى قرية ومن مدينة إلى مدينة ، ومن منطقة إلى أخرى وذلك بعد استسلام حامية الفيوم للقائد الحضرمي اليمني ربيع الصدفي دون قتال ، وبعدها اتجه فرسان من جيش عمرو إلى بلاد الصعيد لفتحها ، وكان قائد الفرسان قيس بن الحارث المرادي “ فتمكن من فتح مدينة القيس ، التي عُرفت باسمه فيما بعد ونسبت إليه “ . وتوجه شطر آخر من جيش عمرو بن العاص إلى بلاد الصعيد الأوسط والأقصى بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي سرح “ وكان عدد جيشه نحو عشرين ألفاً ، ويغلب على الظن أنّ غالبيته ، كان من أفراد القبائل اليمنية التي بدأت في النزوح تباعاً إلى مصر في أعقاب فتح الإسكندرية “. والحقيقة أنه بالرغم من نشوء الأجيال الناشئة والجديدة من عقب العرب اليمنيين الأوائل الذين على سواعدهم فتحوا مصر ، وباتوا جزءاً لا يتجزأ من نسيج المصريين ، فإنه يلفت نظرنا الكثير من العادات والتقاليد النابعة من اليمن الأم ، وخصوصاً في بعض العبارات والجمل التي لاتزال تستعمل حتى هذه اللحظة ، وكلما توغلت داخل الصعيد أحسست شعورًا عجيبًا بأنّ ملامح القبائل اليمنية لاتزال راسخة في تلك المنطقة. [c1] من العريش إلى الفرما [/c]بعد أنّ سار جيش عمرو بن العاص من قيسارية في فلسطين الواقعة على شريط ساحل البحر الأبيض المتوسط وصل إلى العريش ، وبعدها إلى الفرما ، “ وكانت مدينة قديمة قوية الحصون ، وكان لها شأن كبير بالنسبة لفتح مصر ، فهي مفتاحها من جهة الشرق ، وتملك ناصية البحر، وقد باشر عمرو وحاصرها واستطاع أنّ يفتحها في مدى شهر ، بعد أنّ استمرت الحرب متقطعة مع الروم “ . وتذكر بعض الروايات أنّ حصارها استمر شهرين . “ وكان أول من اقتحم المدينة أحد اليمنيين ويدعى سميعع بن على السبئي “ . ولكن تشير المصادر التاريخية إلى أنّ الفرما انتفضت على المسلمين بعد رحيل عمرو عنها إلى داخل الديار المصرية ، ما دفع بالقائد عمرو إلى أنّ يجرد لها حملة بقيادة أبرهة بن الصباح الحميري ، واستطاع أنّ يعيدها مرة أخرى إلى المسلمين . ولقد دارت معارك أخرى قوية بين المسلمين والروم في كل من حصن بابليون ، وعين شمس ، كان لها الأثر الكبير على سير وقائع فتح مصر . [c1]حصن بابليون [/c] وبعد الانتصار الرائع الذي أحرزه جيش عمرو بن العاص في بلبيس على الروم , والتي عرفت بموقعة السادات نظرا لاستشهاد أكثر من مائة من رؤساء سادات قريش وشيوخ اليمنيون في تلك المعركة ـــ كما ذكرنا في السابق ـــ ، استقرت مجموعة من القبائل اليمنية في بلبيس ، وأما باقي الجيش والذي كان عماده اليمنيين توجه نحو حصن بابليون وهو من الحصون القوية التي كانت تعتمد عليها القيادة الرومانية في مصر بصد هجوم المسلمين وسيوقع بهم الهزيمة نظرا للعدد والعدة للروم في ذلك الحصن . وبالفعل واجه الجيش الإسلامي مقاومة عنيفة ووقف أمام أسوار الحصن غير قادر على اقتحامه. وتصف الروايات التاريخية بأنّ القتال بين جيش عمرو والروم كان شديدًا ، ولم يتوقف ، فقد كان القتال يدور في الصباح والليل ، وهذا دليل على ضراوة القتال بين الجيشين الإسلامي والروماني . ما دفع بالقائد عمرو إلى أنّ يطلب من الخليفة عمر بن الخطاب التعزيزات العسكرية . وبالفعل وصل المدد العسكري إلى مصر ، وكانوا غالبيتهم من القبائل اليمنية التي استقرت في التاريخ البعيد في بلاد الشام قبل الفتوحات الإسلامية . وتذكر المراجع أنّ حصن بابليون سقط على يد رجل من قبيلة لخم اليمنية ، عندما قاد مجموعة من الفرسان العرب اليمنيين عددهم حوالي خمسمائة فارس مقتحما الحصن وهناك دارت معركة دموية وشرسة حتى سقط الحصن , وقد تخظبت أرض الحصن بدماء الشهداء اليمنيين .[c1]موقعة عين شمس [/c]وبعد سقوط حصن بابليون الحصين بيد المسلمين ، توجه جيش عمرو بن العاص إلى مدينة عين شمس ، وتذكر المراجع التاريخية أنّ المدينة “ . كانت قديمة متصلة بمصر القديمة في موضع الفسطاط قبل زمن الفتح ، وتختلف الروايات عن موقعة عين شمس ، فيما يذهب فريق إلى أنّ معظم حاميتها ، كانوا من القبط ومن أهل النوبة ، وأنهم هم الذين قاتلوا العرب حتى أشرفوا على الهلكة ( التهلكة ) ، ولكنهم سلموا “ . ورواية أخرى ، تقول أنه وقع قتال شديد بين قائد المسلمين عمرو ، وتيودور قائد جيش الروم . وفي هذه الواقعة استطاع هزيمة تلك الجيوش البيزنطية التي بلغت عشرون ألفاً من الجند . والحقيقة نميل إلى الرواية الثانية بسبب أنّ موقعة عين شمس ، كانت من المواقع العسكرية الإستراتيجية البيزنطية المهمة والتي ، كان يعول عليها البيزنطيين بصورة كبيرة في هزيمة المسلمين ودحرهم ، فكان من الطبيعي أنّ تتواجد فيها القوات الرومانية البيزنطية المدربة تدريبًا عاليًا للحفاظ على هذا الموقع وليس على الأقباط أو من أهل النوبة الذين لا يثق الروم البيزنطيين بهم بسبب التمردات والعصيان التي كانت تحدث بين حين وآخر .[c1]فتح النوبة[/c]بعد فتح الإسكندرية الأول في ( 20 / 641 م ) ، وجه عمرو بن العاص حملة بقيادة عبد الله أبن أبي سرح إلى النوبة، وكان على قيادة كتائب الجيش عددٍ من القادة اليمنيين وهم معاوية ابن حديج النجيبي ، أبي شمر بن أبرهة ، وحيويل بني ناشرة ، وكان تحت إمرة كل واحد منهم عدد كبير من القبائل اليمنية . وتذكر المراجع التاريخية بأنه دارت معركة حامية الوطيس بين العرب اليمنيين والنوبيين ، وكان الأخيرون رماة ماهرة ، وقد أوقعوا الكثير من القتلى والجرحى في صفوف اليمنيين ، ولكن تمكن المسلمين آخر الأمر من هزيمة النوبيين “ ولم يجد عبد الله بن سعد بدا من توقيع الصلح والمهادنة مع أهل النوبة على شريطة ألاّ يغزوهم ، ولا يغزو النوبة المسلمين “ . والجدير بالذكر أنّ عبد الله بن سعد أبن أبي سرح قبل أنّ يغادر النوبة قام ببناء مسجداً ، وطلب من أهل النوبة أنّ يعتنوا ويهتموا به ، وأنّ يسرجوه بالقناديل ، وبفضل هذا المسجد ، دخل أهل النوبة أفواجا في دين الله . ويقال إن العرب اليمنيين بعد فترة من الزمن استقروا في النوبة ، وأكثروا فيها الزواج ، وانتقل الكثير منهم تحديدًا إلى منطقة دارفور في السودان ، كان ذلك في أعقاب الفتح الإسلامي لمصر ، وتذكر الروايات أنّ القبائل اليمنية انتشرت بصورة ملحوظة في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان . ولايزال الكثير والكثير جدا من أهل دارفور لها امتداد من حيث النسب وصلة الدم بالقبائل اليمنية . وتضيف بعض الروايات أنّ العرب اليمنيين نزلوا أيضاً في بعض المناطق السودانية على سبيل المثال دنقلة ، عطبرة ، والقضارف وغيرها . ونزل كذلك بعض العرب اليمنيين السواحل اليمنية مثل بورسودان ، سواكن و طوكر . [c1]اليمن الأم[/c] حقيقة أنّ القبائل اليمنية التي نزلت في مصر في عهد عمرو بن العاص والتي استقرت وعاشت في بلبيس ، الفسطاط ، الإسكندرية ، الدلتا ، الفيوم ، الصعيد ، النوبة وغيرها من مدن مصر المختلفة ، لا ينفي ولا يلغي مطلقاً الحقيقة الواضحة والساطعة والراسخة أنّ تلك الأجيال تعود أصولها إلى اليمن ( الأم ) بالرغم من انصهارها في بوتقة المجتمع المصري وباتت جزءاً من مكونات نسيج البيئة المصرية , و صارت جزءاً لا يتجزأ من تراب مصر بسبب المصاهرة والزواج بأهل البلاد من ناحية وتعاقب الليل ، والنهار ، ومرور والأيام ، والشهور ، والسنين ، والقرون الطويلة من ناحية ثانية. وهذا ما يؤكده الدكتور عبد الله خورشيد المصري في كتابه ( القبائل العربية في مصر في القرون الثلاثة الهجرية ) ، قائلاً : “ الحق أنّ الدهر لم يبد العرب ـــ اليمنيين ــ إلاّ ظاهرًا ، وفقاً لقانون الفناء أو التلاشي الظاهر . لقد التقى هؤلاء العرب كأفراد وقبائل ، ولكن بعد أنّ نقلوا دماءهم إلى عروق الشعوب التي نزلوا بها ، ونفخوا فيها روحهم وأكسبوهم لسانهم وأدخلوهم دينهم ، وتحولوا إلى خلايا حية في كيان الأمة الخالدة . لقد دفع العرب الفاتحون أجسامهم الفانية ثمناً لخلود روحهم في روح الشعوب العظيمة الذين ارتبطوا بهم طوال الزمن “ .[c1]الهوامش :[/c]( * ) الفسطاط : البيت من الشعر ، ج : فساطيط ، المرجع : معجم الرائد ، ص 601 ، الطبعة الثامنة أيار / مايو 1995م . ـــ بيروت ـــ لبنان ـــ .(*) الجيزة : الجيزة هي الناحية والجانب في اللغة وجمعها جيز ، والجيز جانب الوادي : الخطط ، جـ ، ص 385 .الدكتور السيد طه أبو سديرة ؛ القبائل اليمنية في مصر منذ الفتح العربي حتى نهاية العصر الأموي ، سنة الطباعة 1408هـ / 1988م ، كلية الآداب بقنا / جامعة أسيوط ، الناشر : مكتبة الشعب بالفجالة ـــ القاهرة ـــ .خالد محمد مصطفى عزب ؛ تخطيط وعمارة المدن الإسلامية ، كتاب الأمة ـــ قطر ـــ العدد 58/ ربيع الأول 1418هـ ، السنة السابعة عشرة . صالح الحامد ؛ تاريخ حضرموت ــ الجزء الأول ـــ الطبعة الثانية 1423هـ / 2003م ، مكتبة الإرشاد ـــ صنعاء ـــ توزيع مكتبة تريم الحديثة ـــ تريم ـــ حضرموت ـــ .الدكتور سيد مصطفى سالم ؛ البحر الأحمر والجزر اليمنية تاريخ وقضية ، الطبعة الأولى 2006م ، مؤسسة الميثاق للطباعة والنشر ـــ صنعاء ـــ .الدكتورة سعاد ماهر محمد ؛ مساجد مصر وأولياؤها الصالحون ـــ الجزء الثاني ـــ جمهورية مصر العربية المجلس الأعلى للشئون الإسلامية . دار الكتاب المصري ـــ القاهرة ـــ . محمد عبد القادر بامطرف ؛ الجامع ، الطبعة الأولى 1424هـ ــ 2003م ، الهيئة العامة للكتاب ـــ صنعاء ـــ الجمهورية اليمنية ـــ .الدكتور حسين مؤنس ؛ المساجد ، عالم المعرفة ، صفر / ربيع الأول 1401هـ ــ يناير ( كانون الثاني ) 1981م ـــ الكويت ـــ .