يعتمد أهل الفكر الضال على كثير من الشبه التي يبررون بها أفعالهم الإجرامية في محاولة لإيهام الناس بأنهم ينطلقون من الشريعة الإسلامية، والشريعة الإسلامية أبعد ما تكون عن ذلك. ولعل العمليات الانتحارية التي يقومون بها خير دليل على ابتعادهم عن منهج الإسلام الصحيح الذي حرم قتل النفس إلاّ بالحق، واعتبره من أعظم الكبائر وأبشعها.واستكمالاً لما بدأته "الوطن" من كشف للشبه التي يعتمد عليها أهل الفكر الضال يقول مدير القسم العلمي بحملة السكينة الشيخ ماجد المرسال: إن الأصل في العمليات الانتحارية هو التحريم لأنها مباشرة في قتل النفس وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع. أما أدلة المجيزين لهذه العمليات من باب الاستثناء فمنها أدلة عامة ونصوص عامة تدل على فضل الجهاد والمجاهدين لكن هذا العموم لا يدل على صحة تصرفات وأعمال المجاهد إذا خالف الشرع، كمن يغل أو يقتل نفسه مثلاً. ومن هذه الأدلة العامة قوله تعالى (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن).وهذه الآية العامة في الجهاد وتفصيل أحكامه لا تخالف أحكام الشريعة الأخرى ومنها تحريم قتل النفس وقوله تعالى في الآية (فيقتلون) بفتح الياء أي يقتلون الكفار المحاربين لهم ولا يوجد قول واحد للمفسرين إنهم يقتلون أنفسهم، وقوله (ويقتلون) بضم الياء أي يقتلهم أعداؤهم وليس فيه ما يدل على أنهم يقتلون أنفسهم، أما الاستدلال بالآية على فضل الجهاد فهذا لا ينكره مسلم لكنه الجهاد الشرعي الذي فيه اتباع للشريعة.[c1]قتل النفس لا يعني بيعها لله[/c]ومن الأدلة العامة التي يستدلون بها (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) وهذه الآية لا تدل لا منطوقاً ولا مفهوماً على جواز مباشرة قتل النفس وإنما تدل على أن المسلم إذا باع ماله لله بمعنى أنه بذل ماله لوجه الله مقابل أن يرحمه الله ويرضى عنه وكذلك إذا باع نفسه الله بمعنى أنه بذل نفسه رخيصة لله فيقتله الكفار في سبيل الله مقابل أن يرحمه الله ويرضى عنه وهذا حق كما في الآية السابقة (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم). ولا يمكن أن يقال لقاتل نفسه إنه شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله يقول ابن جرير في تفسير الآية (فالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله عز ذكره وصف شاريا نفسه ابتغاء مرضاته فكل من باع نفسه في طاعته حتى قتل فيها أو استقتل وإن لم يقتل).الغلام لم يرم نفسه فلا يقاس عليه النوع الثاني من الأدلة التي يستدلون بها على جواز هذه العمليات حديث صهيب في صحيح مسلم وغيره في قصة الغلام الذي دل الملك على قتله وقال له (إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال وما هو؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني) وفعل ذلك فقتله وهذه القصة أبعد ما تكون عن العمليات الانتحارية أصلاً وكيفية ونتيجة، فأما الأصل فلأنها شريعة لمن قبلنا وهو محل خلاف في كونه شرعاً لنا ولذا عده علماء الأصول من الأدلة المختلف فيها، وأما الكيفية فمن الذي قام بالرمي وإطلاق السهم؟، لا أحد يقول إن الغلام هو الذي رمى نفسه، فكيف يقاس على من يباشر قتل نفسه ويتلفها بالمتفجرات مباشرة، وأما النتيجة فجاء في نص الحديث (فمات فقال الناس آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام) فنتج من هذه العملية دخول الناس في دين الله أفواجاً، وهل يدخل الناس في دين الله نتيجة العمليات الانتحارية التي يقوم بها بعض الناس الآن؟.[c1]التغرير بالنفس قياس مع الفارق[/c]النوع الثالث من الأدلة التي يستدل بها المجيزون آثار جاءت عن الصحابة والسلف الكرام وفي تأريخ الأمة بعدهم جميعها تدل على جواز تغرير المسلم بنفسه لمصلحة فيقتله الأعداء ولا يباشر هو قتل نفسه، والقياس عليها قياس مع الفارق، ووجود الفارق من قوادح القياس الصحيح كما مقرر عند علماء الأصول. ونعرض بعض هذه الآثار والسؤال الذي نستصحبه دائماً عند قراءة كل أثر منها: من الذي باشر القتل؟ هل هو المجاهد الذي قتل نفسه؟ أم إن الأعداء هم الذين قتلوه؟ فلا يقاس عليه.ومن هذه الآثار ما جاء عن عاصم بن محمد بن قتادة قال: قال معاذ بن عفراء: يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده؟ قال: غمسه يده في العدو حاسراً. قال: فألقى درعاً كانت عليه، فقاتل حتى قتل.ومنها قصة البراء بن مالك وإلقاؤه لنفسه بين المرتدين من بني حنيفة وفيها أنه أمر أصحابه أن يحملوه على ترسٍ على أسنة رماحهم، ويلقوه في الحديقة، فاقتحم إليهم، وشد عليهم، وقاتل حتى افتتح باب الحديقة.وليس في هذه الآثار ولا في غيرها مباشرة قتل الإنسان لنفسه وغاية ما فيها التغرير ولذا لم يستنبط الفقهاء منها جواز قتل الإنسان لنفسه وإنما استنبطوا منها مشروعية التقحم والتعرض للخطر وهذا الخطر يتركز في تمكن الأعداء من قتله إذا تعرض لهم، وفرق كبير بين التعريض وتقحم الأخطار وهذا هو وضع الجهاد وبين مباشرة قتل الإنسان لنفسه وهذا من المحرمات القطعية في الشريعة.[c1]لا يعبد الله تعالى بمعصيته[/c]النوع الرابع من أدلتهم التعليل وهو قولهم إن تحريم قتل النفس إنما حرم لأنه اعتراض وسخط من قضاء الله بعكس منفذ هذه العمليات فليس قانطاً ولا يائساً وإنما حملته عليه الرغبة في الشهادة والغيرة على دين الله وبينهما فرق كبير، والجواب أن هذا التعليل يصلح من جانب عاطفي حماسي سياسي لكن الأصول والنصوص الشرعية تبطله وتدل على فساده فلا يعبد الله تعالى بمعصيته ولا يتقرب إليه بمخالفة شرعه، وحسن النية والقصد من غير إتباع لا يصحح العمل كما قال صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). ومثله لو أن رجلاً ارتكب حداً يوجب قتله فتاب وندم على جرمه وأراد أن يكفر عن ذنبه فينفذ حكم الله في نفسه فيقتل نفسه ليس جزعاً ولا اعتراضاً وإنما محبة في تنفيذ أحكام الله تعالى وتكفيراً عن جرمه وذنبه الذي ارتكبه فلا يجوز له ذلك ولا يجوز للحاكم أن يمكنه من قتل نفسه بل يسند قتله لغيره من المسلمين.يقول ابن قدامة في المغني 9 /314 (وإن قال الجاني أنا أقتص لك من نفسي لم يلزم تمكينه ولم يجز ذلك له لأن الله تعالى قال: (ولا تقتلوا أنفسكم).[c1]نقلاً عن/ صحيفة (الوطن) السعودي[/c]
أدلة المجيزين للعمليات الانتحارية لا توافق الأصول الشرعية الصحيحة
أخبار متعلقة