غضون
- حاجة الإنسان إلى الأمن هي أول احتياجاته الأساسية، ومن المفارقات العجيبة أن الإنسان نفسه هو أكثر الكائنات قدرة على ضرب هذه الحاجة الأساسية ونشر الخوف وأذية أخيه الإنسان، وربما ارتبطت هذه القدرة بسهولة ارتكاب الجريمة باعتبارها سلوكاً يركز على مواطن الضعف، مثل عدم توافر عدد كاف من حماة الأمن وعدم أخذ الحيطة والحذر، أو لامبالاة الناس، بما في ذلك حراس الأمن أنفسهم الذين صاروا عرضة للهجوم.ولأن الأمن يحتل هذه الأهمية بالنسبة للفرد والمجتمع صارت كلمة أمن تقرن مع أسماء ومكونات كثيرة.. أمن غذائي.. أمن عام.. أمن مائي.. أمن شخصي.. أمن اجتماعي.. أمن وطني.. أمن قومي.. وكذلك أيضاً أكثر المجتمع البشري من المؤسسات المعنية بحماية الأمن.. ابتداء بقسم الأمن أو الشرطة وانتهاء بمجلس الأمن الدولي مروراً بوزارة الأمن وإدارة الأمن والأمن المركزي وغيرها وغيرها كثير.. وتتضمن أديان وثقافات الشعوب المختلفة ذخيرة كبيرة من التعاليم والمواعظ والأدعية للأمن والأمان وتجريم السلوك المؤدي إلى إثارة القلق والخوف والاعتداء على الإنسان، بل والاعتداء على ما دون الإنسان من حيوان وبيئة طبيعية في البر والبحر والسماء.- مع كل ذلك فإن المجتمع البشري لم يتمكن من تحرير نفسه من الخوف والجريمة وضمان أمنه بصورة مطلقة، وهذا المطلق يبدو أنه مستحيل بدليل أنه لم تتوافر نماذج له ابتداء من أول وجود الخليقة وحتى سويسرا أو دبي، لكن لا يستطيع أحد نكران حدوث تقدم كبير في معظم المجتمعات الراقية والقوية، فالأمن فيها هو القاعدة التي ترسيها أنظمة محكمة ومؤسسات قوية وقوات مدربة ومواطنون يقظون يحترمون واجباتهم ويقومون بمسؤولياتهم كما في اليابان وأوروبا وبعض دول آسيا، فلماذا نحن هنا في اليمن لا نرغب في الاقتداء بالراشدين من حولنا؟ ففي معظم مناطقنا هناك ما يشبه الحروب الأهلية طويلة الأمد.. كالحروب القبلية، والتمرد المسلح، وظواهر إقلاق السكينة العامة ونشر الخوف، ووصل الحال إلى درجة استهداف الجنود المعنيين بحفظ الأمن وقمع الجريمة.. ولا يمر يوم إلا ويسقط قتلى هنا وهناك بدون دواعٍ تستدعي الموت أو القتل.. لقد اختلت الموازين وتم تجاوز الدين والشريعة التي يكثر الجميع الحديث عنها والادعاء بالتزام أحكامها.. كيف لمسلم أن يبرر قتل أخيه على خلاف بسيط أو فعل لا يستدعي لا قتلاً ولا عقاباً أكبر من التوبة أو الاعتذار؟.- مواطنات ومواطنون قلقون تجاه القضية الأمنية يقولون نحن نصبر على أي مشقة إلا الأمن.. نحتمل تقصير الدولة في تلبية كل احتياجاتنا إلا الحاجة إلى الأمن.. لا اعتراض على النفقات الكبيرة التي تخصصها الحكومة لمؤسستي الأمن والدفاع فذلك استثمار من أجل حصول المجتمع على (أب وأم) مقومات استقراره.. لكن لماذا لا تظهر ثمرة ذلك الاستثمار؟ لماذا صار حراس أمننا أنفسهم فاقدين للأمن؟.