حين كنا نتابع الاستعدادات لاستقبال بطولة كأس الخليج العربي في نسختها العشرين التي نظمت في م/عدن.. رأينا ما شاب تلك الأيام من لغط استهدف التشكيك في قدرة اليمن على تنظيم هذه البطولة.تلك الشائعات التي ملأت الكثير من وسائل الإعلام.. كانت قد نالت من إرادة القيادات المعنية بموضوع التنظيم من القائمين على لجان التنظيم.. الذين يفترض أن يكونوا آخر من يتسلل إليهم اليأس والشعور بالفشل.. حالة اليأس وصلت ببعضهم إلى تبني مقترح بالتأجيل أو نقل البطولة إلى دولة خليجية أخرى! تلك كانت واحدة من خفايا كواليس التحضير لهذه البطولة.وحين تحقق لنا على هذه الأرض الطيبة النجاح وتمكنا من قهر كل تلك الصعاب التي وضعها البعض في طريق نجاحنا.. وأصبح النجاح يقيناً وواقعاً ملموساً.. رأينا كيف كان البعض يتزاحمون أمام عدسات الكاميرات ويتسابقون بهلع على المقاعد الأمامية في كل فعالية من فعاليات البطولة، لأن نجاحاً كهذا يعد موسماً للظهور واقتناص الفرص لدى أولئك الذين لا يمتلكون سوى موهبة اقتناص فرص الظهور على صفحات الجرائد وعلى شاشات التلفاز في نشرات الأخبار.حتى أن البعض منهم بدت واضحة على وجوههم آثار كبقايا حروق لكثرة تعرضهم للأشعة المنبعثة من كاميرات التصوير.وكما كان هناك من يزاحم على الظهور رغم أنه لم يكن له أي دور أو صلة بالنجاح الأكثر من متميز.. كان هناك أيضاً من آثر الصمت رغم أنه كان الأب الفعلي لقيام البطولة وتحمل أعباء كل تلك الإخفاقات التي تسبب بها من أوكلت إليهم مهمة التحضير منذ الأيام الأولى للاستعداد لتنظيم البطولة.ابتعد عن الظهور وهو متاح أمامه وعنده ما يمنحه كل الحق في الاستحواذ على الظهور.. حق يمتلكه من الجهود الفذة التي قام بها وكانت حداً فاصلاً بين مرحلة الاستسلام أمام العقبات التي كانت تعترض نجاح البطولة ومرحلة شحذ الهمم وإحياء العزائم نحو السير في الطريق الذي قادنا إلى النجاح. كان ذلك هو العميد أحمد علي عبدالله صالح الذي لولا جهوده ومثابرته وقوة الإرادة التي تسكنه ما كانت اليمن قد كسبت الرهان وتمكنت من عقد وتنظيم البطولة في موعدها وبالنجاح الأكثر من رائع الذي جاءت به على كافة الأصعدة.. وانتزاعها اعتراف الجميع في الداخل والخارج بتفرد اليمن في التنظيم في تاريخ هذه البطولة.من بين أبرز المعضلات التي كانت تواجه بلادنا حتى اللحظات الأخيرة هي مشكلتا: الإيواء والتحديات الأمنية.وكان الذين يراهنون على فشل اليمن في التنظيم يعتمدون في رهانهم على هاتين المشكلتين.. وكنا فعلاً نعاني من قصور وتعثر في هذين الاتجاهين حتى وقت قريب من موعد البطولة.العميد أحمد علي عبدالله صالح كان المنقذ الذي تمكن من التغلب عليهما وبجهود استثنائية.لم يدخر جهداً.. مسخراً كل قدراته وإمكانياته وحتى علاقاته الشخصية في تجاوز هاتين المعضلتين.يقيناً أن العميد أحمد علي عبدالله صالح ليس بحاجة أن نثني على جهوده في إنجاح هذا الحدث.. ولم يكن ينتظر من أحد أن يبرز دوره إعلامياً.. فحين كان يقوم بكل تلك الأعمال الجبارة ليل نهار كان نصب عينيه بلوغ النجاح ورفع سمعة الوطن عالياً والانتصار لإرادة الوطن والشعب.. فكان له ما أراد.. وبذلك رأى أنه بلغ غايته فلم يعر مسألة الظهور الإعلامي أي اهتمام.نحن لسنا بصدد سرد ما قام به أثناء التحضير للبطولة.. ولكننا رأينا الالتفات إلى مسألة غاية في الأهمية.. وهي خلاصة تلك الجهود التي تبين امتلاك العميد أحمد علي عبدالله صالح مقومات القائد الناجح.. فالقيادي الناجح هو الذي لا تعرف مشاعر اليأس والاستسلام الطريق إلى عزيمته حينما تشتد عليه رحى التحديات الكبيرة والمصيرية.. ويكون دائماً مصدراً لشحذ الطاقات والهمم لمن حوله.إن القيادة هي التي تلعب الدور الأول والأكبر في النجاح والفشل مهما كانت إمكانيات الأفراد الذين يعملون تحت هذه القيادة.. فلا يكفي أن تكون لدى الإنسان الموهبة والإمكانية والقدرة والفعالية إنما الأهم من ذلك هو الانتماء.. إن الإنسان الذي يفتقد الانتماء يصبح بلا قيمة ولا فعالية مهما كانت مواهبه وإمكانياته.. بل إنه يصبح عبئاً لأنه إمكانية بلا هوية.ولذلك فقد كانت إمكانيات وهمم العميد أحمد علي عبدالله صالح وهويته اليمنية يزاحم بعضها بعضاً طوال فترة التحضير والاستعداد لتنظيم بطولة كأس الخليج التي تحولت إلى تحد أمام وطن وشعب بأكمله.قديماً قالوا: المتشائم يرى فقط السحب السوداء ويظل شقياً.. والفيلسوف لا يرى تلك السحب لأنه لا يبحث عنها أصلاً.. أما المتفائل فهو يطير فوقها!.وبفضل رؤيته المتفائلة بقدرة اليمن على تنظيم البطولة.. كلنا في محافظات: عدن، لحج، أبين عشنا أجواء احتفالية رائعة.. كنا نطير من الفرحة ليل نهار خلال البطولة.. الفرحة بكل شيء جميل صاحبها.. وفعلاً فقد كان كل ما فيها رائعاً.. رائعاً.. رائعاً.لحظة:في إحدى المباريات.. وعلى أحد المدرجات في استاد 22 مايو كانت هناك امرأة عجوز اسمها علياء حضرت من يافع.. كانت أمنيتها أن تشهد مباراة لمنتخبنا الوطني.. فلم يتمكن حفيدها الشاب من إحضارها إلا في المباراة ما قبل الأخيرة.قلت لها: كيف وقد خرجت اليمن من التصفيات.. من ستشجعين؟! قالت: سأشجع كلا الفريقين!! وظلت تشجع بفرح قائلة: تصوري يا ابنتي أنهم كانوا سيحرموننا من هذه الفرحة الرياضية.. الله يحرمهم فرحتهم وعافيتهم..ورفعت كفيها إلى السماء داعية لمن يقف وراء هذا النجاح بسيل من الدعاء الذي أضافت إليه لهجتها اليافعية وعفوية ملامحها الكثير من الروعة.. فكم من الأكف التي ارتفعت إلى السماء تحمل مثل هذا الدعاء لصاحب الفضل بعد الله عز وجل في إقامة هذه البطولة.
أخبار متعلقة