نبض القلم
لقد جعل الله تعالى سعادة الإنسان معقودة على سلامة عقله، لذا حرم الله كل ما من شأنه أن يهلك العقل أو يفسده، أو يعطل وظيفته، لأنه بالعقل يعرف الإنسان الخير من الشر، والنافع والضار، والهدى والضلال، وبه يرفع الله شأن الإنسان، وبه فضله وكرمه على كثير ممن خلق، وخاطبه وكلفه، واستخلفه في الأرض، وجعله مسؤولاً أمامه عما يفعل في هذه الحياة الدنيا، فقد خصه بنعمة العقل.ومن هنا اهتم الإسلام بالحفاظ على هذه النعمة، فحرم الله عليه تناول ما يفسد هذه النعمة أو يضعفها، باعتبارها إحدى الضرورات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية كلها على وجوب الحفاظ عليها، وهذه الضرورات الخمس هي: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال. من أجل ذلك حرم الإسلام الخمر لإنقاذ العقل من شر تلك المادة الخبيثة، قال تعالى:” يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون* إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون” (المائدة، 90 ـ 91).فالله سبحانه وتعالى في هذه الآية حرم الخمر باعتبارها تخمر العقل وتفسده، والخمر وسائر المخدرات المسكرة والمفسدة للعقل حرام في ديننا الإسلامي. وفي الحديث: «كل ما اسكر فهو حرام» وفي حديث آخر:« ما أسكر كثيره فقليله حرام».وإنما حرمها الإسلام لما فيها من أخطار وأضرار، فقد أراد الله من وراء تحريمها حفظ الضرورات الخمس.ففي تحريمها حفظ العقل ، لأن الخمر وسائر المسكرات والمخدرات لايشربها العقلاء ولايتعاطاها الحكماء، وكان العرب يسمونها (أم الخبائث) وهي (أم الفواحش) و( السفيهة) و(الموذية) و(القبيحة) و(المكروهة) وغيرها من التسميات الدالة على قبحها. ومن غير شك فإن المخدرات بأشكالها وألوانها أكثر من الخمر ضرراً على العقل بصرف النظر عن تسميتها ، فإذا كان الخمر محرماً بنص الكتاب والسنة فإن المخدرات محرمة شرعاً وقانوناً وعرفاً، وفي الحديث أن رجلاً من أهل اليمن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال المزر، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «أو مسكر هو» قال : نعم ، فقال رسول الله «صلى الله عليه وسلم): كل مسكر حرام، إن على الله عز وجل عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال» قالوا يارسول الله: ما طينة الخبال؟ قال: «عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار» أخرجه مسلم. والمخدرات باعتبارها مفسدة للعقل ومدمرة للوعي ، فقد حرمها الدين، ولو لم يكن حرمها الدين ، فإن العقل حرمها، وإنما حرمها الإسلام لما فيها من أخطار وأضرار. فقد أراد الإسلام من وراء تحريمها حفظ المال لأنها تبدده وإدمانها يؤدي إلى خراب الأمة وضعفها، ففي انتشارها في المجتمع أضرار بالاقتصاد الوطني ، وضربة للقوة العسكرية والصناعية والتجارية، وقد ذكرت كتب التاريخ أنه في القرن السادس عشر الميلادي انهزم الصينيون أمام اليابانيين، ولما بحثوا في أسباب الهزيمة وجدوا أن من أعظم الأسباب انتشار تعاطي الافيون في صفوف الجيش الصيني ما أضطره إلى أن ينسحب من المعركة. كما أراد الإسلام من وراء تحريم المخدرات وسائر المسكرات حفظ الأجسام لأن المخدرات تهدمها وتقوضها وتصيبها بوابل من الأمراض والعلل، وقد شهد بذلك الأطباء ، فعن طريق المخدرات انتشرت في المجتمعات أمراض الإيدز، والالتهاب الرئوي والتشنج والصرع والقلق والسهاد والأمراض النفسية والعصبية .. ونحوها .كما أراد الإسلام من وراء تحريمها حفظ العقول ، لأنها تذهب بها وتسبب لمدمنها الضلال والخبال، فقد ذكر صاحب كتاب (دع القلق وابدأ الحياة): أن الأويكان حفروا لأنفسهم قبوراً يردونها، لأنهم يتعاطون المخدرات التي أذهبت عقولهم.كما أراد الإسلام من وراء تحريم المخدرات حفظ الأعراض، لأن من يتعاطى المخدرات ينفلت عن القيادة ولايستطيع السيطرة على شهواته ، ولقد رووا أن عجوزاً من الأعراب جلست إلى فتيان يشربون نبيذاً، فسقوها قدحاً فطابت نفسها وتبسمت ، ثم سقوها قدحاً آخر فاحمر وجهها فضحكت، فسقوها قدحاً ثالثاً فقالت: خبروني عن نسائكم أيشربن من هذا الشراب؟ قالوا: نعم ، فقالت : زنين ورب الكعبة). من أجل ذلك حرم الإسلام سائر المسكرات والمخدرات ، وحرم التجارة بها والتعاطي معها، والترويج لها، ومجالسة أهلها، لأن الإسلام يسعى لإيجاد المجتمع الصالح المتحاب المتكافل، لا المجتمع المفكك والمريض.[c1]* خطيب جامع الهاشمي / الشيخ عثمان[/c]