قال تعالى:”يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” فرض الله سبحانه وتعالى الصيام على الذين آمنوا تطهيراً وتهذيباً وتزكية لنفوسهم وتقويماً لشهواتهم وتربية لعزائمهم ورفعا لروح التقوى والإيمان فيهم وتقوية الوجدان والإرادة ومراقبة الله في السر والعلن..والصيام كما هو معروف عند أغلب المسلمين- هو الإمساك والكف والمنع عن الشيء هذا في اللغة،وفي الشرع:الإمساك عن الأكل والشرب وغشيان النساء والكف عن جميع المفطرات من الفجر الصادق إلى غروب الشمس إيماناً واحتساباً.والصيام رياضة روحية وتدريب على الصبر وتحمل المشاق لدرجة أن خاض المسلمون في فجر الإسلام أكثر من غزوة ومعركة في رمضان وهم صائمون، والحكمة من فريضة الصيام - كما جاء في الآية الكريمة التي ابتدأنا بها مقالتنا هذه ـ الوصول إلى مقام التقوى والتعرض لنفحات الله واجتناب المناهي والمحارم.وعلى المؤمن الصادق مع نفسه ومع ربه ألا يضيع أو يفوت شيئاً من بركات هذا الشهر الفضيل بالانشغال بجمع أصناف المأكولات والملذات والمشروبات -يأكل ويشرب دون إسراف ـ والمؤمن نهاه الله عز وجل عن الإسراف ، فقال: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لايحب المسرفين)، (31) الأعراف، وعلى المؤمن الصادق ألايضيع وقته في مشاهدة المسلسلات والأفلام والبرامج غير المجدية والتي لاترضي الله ولا رسوله فيصبح في اليوم التالي في نوم وسبات عميق ويضيع عليه أجر الصلاة في جماعة وفي أوقاتها وأحياناً لايذهب إلى العمل.وأن يستغل أوقات الليل في التقرب إلى الله بالإكثار من الدعاء وقراءة القرآن الذي انزل في رمضان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، والتقرب إلى الله والفرار إليه بكثرة النوافل والإحسان والتصدق على الفقراء والمساكين وقيام الليل حتى تحصل له الهداية والرشد .. لأن هذا الشهر شهر مبارك ميمون أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.وعن سبب تسمية هذا الشهر بــ (رمضان) فقد ذكر قوم ان رمضان اشتقاقه من(الرمضاء) أي شدة الحر؟ ، لأنهم لما نقلوا اسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بحسب الأزمنة فوافق رمضان رمض الحر .. والذي يمتنع عن الاكل والشرب والجماع من أول نهار رمضان إلى آخره فإنه يمتلك شهوات تسيطر عليه كما تسيطر على ابن آدم الذي ترك شهواته وغرائزه إيماناً واحتساباً وتقوى لله سبحانه وتعالى، والغريب والعجيب أن هذا الشهر الكريم شهر الخير والبركات يعتبر عند اصحاب التدين المنقوص والمزيف عبئاً ثقيلاً عليهم من حيث متطلبات المعيشة خاصة تكاليف الإنفاق الاقتصادي على الأكل والشرب في ظل الارتفاع المهول للاسعار هذه الأيام من قبل الكثير من المحتكرين والتجار الذين لايتقون الله حتى في هذا الشهر الفضيل، ولا يقدرون ظروف الكثير من الناس الذين لايستطيعون توفير القوت الضروري لافراد أسرهم وعائلاتهم، مع أن هؤلاء الميسورين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ومع ذلك لايشعرون بمعنى التكافل الاجتماعي ولا بمعنى التقوى التي هي المقصد الأسمى للصيام في رمضان والتي تتجسد في مراقبة الله في السر والعلن وذلك هو الإحسان.والعجيب أيضاً أنك ترى في رمضان أناساً لايعبدون الله إلا في هذا الشهر المبارك وتمتلئ بهم المساجد والجوامع فإذا انقضى رمضان فإنك ترى صفوفهم داخل المساجد خالية وشاغرة إلا من رحم ربك مع علمهم بقول الله تعالى في محكم تنزيله: (فإذا فرغت فانصب، وإلى ربك فارغب)، أي إذا فرغت من عبادة فأدخل في عبادة جديدة بتواصل مستمر مع الله ولاتقطع معه لان القاطع مع الله هو الفاسق كما ورد في القرآن الكريم وتناسى هؤلاء القاطعون مع الله أنه تعالى قد قال لهم في آية أخرى: (وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين) أي الموت.قبل الختام نسـأل الله ان يعين حكومتنا الموقرة على الخير مادامت تعمل على التخفيف من معاناة الناس واعبائهم وإيجاد حلول لمشاكلهم وقضاياهم، ونسأل الله أن يبلغنا رمضان وأجر رمضان وان يعيننا على عبادته وطاعته إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
أهلاً بشهر الصبر والتقوى
أخبار متعلقة