نبض القلم
الوطن الذي نعيش فيه، وننتسب إليه ونستغل مرافقه، ونأكل من خيراته، ومدون في شهادات ميلادنا، ومثبت في جوازات سفرنا، هو اليمن، أو بالأصح هو الجمهورية اليمنية، ولقد تشرفنا بالانتماء إلى هذا الوطن، ولايشك أحد في مدى حبنا للوطن، غير أن المشكوك فيه هو مدى إخلاصنا لهذا الوطن، ذلك أن حب الوطن يستوجب الإخلاص له، والتفاني في خدمته، ودوام التعلق به، وهو ما عبرت عنه السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عندما تركت مكة مضطرة وهاجرت إلى المدينة، فقالت: (مارأيت القمر أجمل ما يكون إلا في مكة، ولا هديل الحمام أشجى منه فيها) قالت ذلك لأنها كانت تحب وطنها، ومن يحب وطنه لا يرى شيئاً أجمل منه، فيظل متعلقاً به، وهو ما عبر عنه الشاعر أحمد شوقي في قوله: وطني لو شغلت في الخلد عنه [c1] *** [/c] نازعتني إليه في الخلد نفسي وكما هو معروف فإن الشخص الذي يحب وطنه يتفاني في خدمته ويبذل أقصى ما يملك من مال وصحة وقوة للدفاع عنه، والعمل من أجل بنائه والحفاظ عليه من عبث العابثين، وفساد المفسدين، وتآمر المتآمرين، وإذا أحب الناس في اليمن وطنهم، فإنهم سيجسدون هذا الحب في العمل الصالح لخير الوطن، ولخير المواطنين فيه، ويظهرون حبهم لوطنهم بتضامنهم مع بعضهم، وتعاونهم فيما بينهم، خدمة للوطن. ولو أحب الناس وطنهم لأخلصوا في خدمته، ولما سمحوا لمظاهر السلبية بالتفشي في مجتمعهم ، ولوقفوا بجدية ضد كل مظاهر السلبية المتفشية في مجتمعهم، غير أن واقع الحال في بلادنا يشير إلى أن السلبية أصبحت سمة بارزة لدى بعض الناس الذين لايعنيهم من أمر الوطن إلا ما يتعلق بمصالحهم الخاصة، وما يلبي حاجاتهم الذاتية، فهؤلاء لا يفكرون إلا بذواتهم ، ولا يعملون شيئاً إلا إذا كان ما سيعملونه سيعود عليهم وحدهم بالنفع، لأن الواحد من هؤلاء لا يحب إلا نفسه، ولا يبحث إلا عن مصالحه فقط، فهم بذلك يتجاهلون مسؤولياتهم الاجتماعية، لأنهم يسلكون سلوكاً يتسم باللامبالاة إزاء الكثير من القضايا الوطنية. ومما يؤسف له أننا نشاهد كل يوم نماذج متعددة من هؤلاء السلبيين يعيشون بيننا، ويمكن للمرء الاهتداء إليهم بسهولة من خلال مراقبته لتصرفاتهم ، فسيرى أشخاصاً لا يكترثون بمسؤولياتهم الاجتماعية، ولا يعبؤون بما يتعرض له الوطن من مخاطر، ومن هؤلاء السلبيين على سبيل المثال لا الحصر، مايلي: - ذلك الموظف الذي يرى العابثين يعبثون بالملكية العامة ولا يستنكر فعلهم، وكأن الأمر لا يعنيه. - ذلك الشرطي الذي تأتيه البلاغات بوجود لص يسرق أموال الناس أو ممتلكاتهم، فلا يحرك ساكناً، وكأن الأمر لا يعنيه. - ذلك الوزير الذي تأتيه الشكاوى من المواطنين أو بعض موظفي وزارته تشير إلى وجود فساد في وزارته يمارسه بعض كبار موظفيه ، فلا يكترث بذلك، وكأن الأمر لا يعنيه. ذلك الضابط المكلف بحماية النظام والقانون والحفاظ على الأمن فيتقاعس عن واجبه، ولا يعمل على الإمساك بالمجرمين، بل يتغاضى عنهم، وكأن الأمر لا يعنيه. - ذلك القاضي الذي يماطل في قضايا الناس المعروضة عليه للبت فيها، فيؤجلها من شهر إلى آخر، فيجعل المتخاصمين يتشارعون إلى ما لا نهاية. وهناك نماذج كثيرة في حياتنا تدل على تفشي ظاهرة السلبية، التي بسببها انتشر البناء العشوائي في المدن، وتسبب في تشويهها، وإعاقة التخطيط الحضري، وتعطيل خدمات المياه والكهرباء والهاتف، وسد مجاري السيول ومصارف مياه الأمطار، وعدم مراعاة النظم والقوانين المتبعة في عمليات البناء وما ينجم عن ذلك كله من أضرار بالبيئة والمجتمع والوطن. وليس بخاف أن المواطن الصالح يقاس بمدى تحمله مسؤوليته الاجتماعية، وبمدى مراعاته للمصالح العامة، وبما يقدم لمجتمعه وأمنه ووطنه من خدمات ومنافع. أما المواطن السلبي فإنه لايضر نفسه فحسب، بل يضر أيضاً بمجتمعه ووطنه، ولهذا السبب تعتبر السلبية من الأفعال المنكرة التي ينبغي محاربتها، والقضاء عليها لأنها خلق ذميم. [c1]*خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان[/c]