عبد الحافظ فضل منيعم:صدرت قصيدة “عبد العليم إذا مات” للشاعر محمد حسين هيثم في ديوانه المعنون بـ“رجل ذو قبعةٍ ووحيد”.بداية ندرس الرابط المعنوي بين العنوانين وتطابق الجزء (موضوع القصيدة) على الكل (عنوان الديوان).هناك رابط واضح بين العنوانين حيث إن عبد العليم إذا مات من المؤكد أنه سيصبح في حال موته بقبعةِ واحدة هي الكفن.ومن المؤكد أيضاً أن هذا الميت الذي اسمه (عبد العليم) ما أماته كمداً إلا علمهِ وما أبقاه خالداً إلا القبعة الوحيدة التي على رأسه؛لأن العلماء منفردون ومتميزون.فالقبعة هي العلم ولا يشترط العلم بمفهومه وإنما الفهم للوضع،فهو داخل في مفهوم العلم ولكن موت هذا العالم يقترن بما سيحدث عند موتهِ وهذا ما تركه لنا الشاعر للنص.فهنا تبين أن العنوانين منطبقان أحدهما على الآخر انطباقاً فلسفياً محكماً لا لبس فيه ولا ريب.إن النص وحدة واحدة تناقش فلسفة (الموت الاجتماعي) على غرار (جدارية) محمود درويش الذي ناقش فلسفة قهر الموت والموت الذي مات في صدر الوطن،عبد العليم هذا قد عرف وطنه وعاش عارفاً إنه حين يموت سيتكالب كل من قد أقرضوه مالاً لاستعادة أموالهم ولكنه يجعل في مقابل من أقرضوه مالاً حلماً موضوعياً وهو أنه يوزع تركته لأولاد لم ينجبهم بعد،عبد العليم إذاً رمز لكل من عرف الحياة حين قال: “فعبد العليم عليم بأصول الضيافة” فهذا الإنسان العارف للحياة ماذا سيحدث لأحلامه حينما يموت وماذا سيحدث لأحلام الآخرين حينما يموت.. “يشغل الآخرين بأوهامه،ويسبب للناس هذا التعب”،بينما يختار الوقت الذي يشاء أن يموت فيه.. (عبد العليم إذا مات،في أي وقت يموت بحرفنةٍ...).وبرغم أنه يسبب للناس التعب والانشغال بأوهامه إلا إنه يحصد بعد كل ذلك،(عبد العليم إذا مات يرتد منصعقاً غراءاته). فما نوع الانشغال والتعب الذي يصيب به الناس؟،ولماذا ينعتهم الشاعر بأنهم أعداؤه؟..(كان يحصي المذلات.أعداؤه ثلةً:رجل غامض في الجريدة،والعسكري،وهذا الغرابُ الذي فوق ناحية البيت،بقال حارته،بائع اللحم...إلى آخر سلسلة الذين يطاردونه وينشدون ديونهم عنده).كان يحلم أنه سوف يحلم:أن نساء...، وأن نهوداً...،وإن مناطق معشبة بالتوقد،يحلم أنه سوف يحلم:أن...،وأن...،وتخرج أحلامه في الصباح).فلماذا ينسل في أفق ممعناً في الهرب؟؟!.الجواب هو أنه إنما ينسل ممعناً في الهروب من هؤلاء كما أنه ينسل في الهرب من أحلامه،فهنا تكون المعادلة منضبطة.فالوهم لا يطرده إلا الوهم الأعنف،وهو لا يستطيع أن يحقق أحلامه في هذا المنفى المدعو “وطناً” فينفي أحلامه برؤيا مطالبية بالديون ويطرد هذا الوهم الأول بوهم ثالث أقسى وهو الموت الذي يتفنن في اختياره وتقديم القهوة لمن جاؤوا لعزائه في موته.فهنا تكمن براعة الشاعر بالتنقل في أوساط يحياها وإسقاطها بشكلٍ درامي فلسفي بعيد المدى.فلهذا عبد العليم إذا مات..(سيصبحُ..رجلاً ذا قبعةٍ ووحيداً).مات عبد العليموعبد العليم إذا ماتفي أي وقتيموت بحرفنةٍويموت كما يحلم الموت أو يشتهي الميتونيموت كثيراًكثيراًيفيض من الموتيمتد موتاًمن المهد شرقاًإلى الغرب من يومه المرتقبعبد العليم إذا ماتيرتد منصعقاًلا يصدق حشد عزاءاتهكان عبد العليميصدق ريبته وحدهاكان يتبع خط توجسهويذوب أيامه في الظلالويمشي وحيداًوإن صادفته المدينة في قلبهاذات وهجرؤى وجههوانزوىواحتجبعبد العليم إذا ماتينهض أعداؤه في المكائن،يأتون من غيبهِكان يحصي المذلاتأعداؤه ثلة:رجل غامض في الجريدةوالعسكريوهذا الغراب الذي فوق ناصية البيتبقال حارتهبائع اللحموالعابر المتلفتوابن المؤجر في أول الشهرثم المؤجر في كل رشفة ماءوذو الراحة المستطيلة والجاروالمخبر العسليوهذا المدير الخشبعبد العليم الذي ماتمنفرداًومديداً