عندما يفجع المسلمون بين الفينة والأخرى بعمل فاجع من أعمال الإرهاب الملعون على كل لسان على اختلاف الجنس واللون والدين واللغة تكون المرارة اشد، والحزن ابلغ، عندما يبرر المجرمون أعمالهم تلك بأنها انتصار للإسلام وانتقام من أعدائه ، وعندما يتمادى بهم السيل ويبلغ بهم معه الزبى ، فإن هذا النصر المزعوم يمتد ليضع على مقاصل إعدامه رقاباً من المؤمنين والمسلمين الموحدين عصمتها ذمة الدين وحاقنة الإسلام قبل ذمة الأعراف والمواثيق المشتركة بين بني الإنسان .وأرى الناس اليوم قد صالوا وجالوا، وذهبوا مذاهب شتى في البحث عن أسباب الإرهاب وتفسير بواعثه، منهم من دنى من الحقيقة، ومنهم من نأى به التطرف عن بلوغ الهدف ومنهم من وضع على عينيه عصابة، وفي أذنيه المغاليق، وضرب الحجاب مع الحق .. وقال: (قولوا ما شئتم، إننا فاعلون)!!ان المتأمل بإنصاف في تفسير منابع الإرهاب وأسبابه مهما شرق به التفكير أو غرب، فلن يستقر إلا في ثقافة التربية والتوجيه الذي تتبناه مدارس كرست نهجها في ظلال كئيبة، ولعبت دوراً لايستهان به في إفراز العداوة بين الأديان والأجناس والثقافات حتى ان المذاهب الذاتية المختلفة في الأمة المسلمة الواحدة لم تسلم من هذه العداءات بعضها على بعض وامسوا كما قال الله: (أخذوا وقتلوا تقتيلا) وكل القتلة في تلك الجرائم، في اليمن والسعودية والعراق ومصر والجزائر وغيرها من بلاد الأرض، هم من نفس طابور القوم الذين انتظموا في مدارس سلفية استندت إلى مناهج تؤسس للتعبئة الخاطئة ضد المجتمع ببناه الفوقية والتحتية ! واصفة إياه بالجاهلية الحديثة ، الأمر الذي يسحب عليه جدلاً أحكام وأوضاع الجاهلية الأولى !! بما في ذلك سحب الملاحقة بالسيف !!ويتضح ذلك جلياً في كتبهم، و(مسوغاتهم)، وهي تصف ـ كما في بداية أمرهم ـ المستأمنين الأجانب بالمنصرين حتى ولو كانوا ممن يعنون بخدمة الإنسان ولا علاقة لهم بالتنصير، كما حدث في اليمن في السنوات الماضية مع أطباء وافدين بإذن السلطان ولي الأمر، فلم يشفع ذلك في حقن دمائهم، وتأمين حياتهم وأموالهم، وأضحت ثقافة العنف موجودة بقوة وتنتج كل يوم طوابير جديدة تؤمن بإهدار دماء المستأمنين بدافع هذه التربية المغلوطة!!واليوم تطور الأمر ليصل حد إجازة دماء أبناء الدين الواحد، بحجة موالاة السلطان والانخراط في أمنه وجيشه مع ان وجود السلطان وأمنه وجيشه ضروري عقلاً وشرعاً وتاريخاً وضرورة وما ذلك إلا ليدل أكثر من مرة على فساد هذه الدعوة المنتنة، وتصاعد رائحتها الخبيثة لتكدر صفو عيش الحياة السعيدة في معمورة الإسلام ومعمورة الإنسان!!ولاشك في أن بطلان منهج هؤلاء الغلمان واضح بجلاء، فحجتهم في بغي الحكام أوهى من خيط العنكبوت، فلن يكون حكام اليمن ومصر والسعودية وغيرها من بلاد المسلمين أسوأ من بغاة بني أمية أو جلاوزة المسودة من بني العباس، حينما كانت كرامة الإنسان في حدودها الدنيا، وازهاق الارواح بعد تأمينها بعهد الله وميثاقه !! على قدم وساق .. فكيف بحكام اليوم الذين تقيدهم الدساتير والمواثيق عن أكثر من تسعة اعشار ماكان يتمتع به حكام السلف من حق إزهاق الروح واتلاف المال والولد!!بل ويقوم حكام اليوم بصرف رواتب لقطاع واسع من رعاياهم، وتبني اصلاحات صحية واجتماعية وتعليمية وغيرها بشكل غير مألوف عند السلف!! ومن هذا تنكشف سوءات دعوة الإرهاب الممقوتة، وتتبدى خفاياها المظلمة تحت بوارق حجج العصر ومنطق التاريخ!!ولا يشك عاقل منصف في براءة الإسلام عقيدة وثقافة وملة من هذه النزعات الخاطئة وافرازاتها المدمرة وهي تتكالب عليه كتكالب الأكلة على قصعتها!ولقد سبب الإرهاب احراجاً للدول التي ينتمي إليها منفذوه .. بل وعرض ابناء وطنهم للملاحقات في منافي الغربة ومواطن رصد المعيشة، وأدى إلى وضع الاغلال على الدعوة إلى الله وملاحقة الأندية الثقافية والاكاديميات الدعوية في أوروبا وأمريكا والعالم وكوفحت الجمعيات الخيرية بشراسة بحجة تمويل الإرهاب!!وفي عمق الخاطر، شرود واسع يغوص في قاع الخلاصات التي تقرأها الافكار، لقد حقق الإرهاب اهدافاً مرسومة، ودمر برجين عظيمين لمركز التجارة العالمي بنيويورك، وقتلوا من قتلوا من ضحاياهم فماذا استفاد المسلمون من هذا النصر الموهوم؟!لقد دفع المنفذون ارضهم ودينهم ورجالهم ودولتهم ثمناً لهذا التصرف الأرعن، واجتاحتهم جيوش عدوهم حتى اصبحوا اثراً بعد عين في افغانستان!!وتأخرت الدعوة إلى الله في العالم، وتريثت الخطى وتراجع النور القهقرى امام زحف قوى الظلام والكراهية!وتجلى الحق في بروق الافكار، وقد تمثل في حكمة قرأتها يوماً وهي تقول: الانتصار بالوهم هو أسوأ أنواع الهزيمة!!وفي النفس يقين، عززته البراهين، ان دعاة الإرهاب لا مستقبل لهم!! وسوف يتراجع بهم الزمان القهقرى حتى تهوي بهم الأيام في مهاوي الهزيمة ومزبلة التاريخ ولن تبقى إلا القيم الخالدة في الإسلام والناسخة لكل رذائل الفكر والأخلاق والاعتقاد!وسوف يلحق البوار كل مدارس السيف وإفرازاتها التالفة والمتلفة، لان منعطفات الزمان سوف تتعداهم بقوة وهم لايفقهون! وقد يكون ما نجنيه من أشواك هؤلاء الخوارج هو بعض ما زرعته الأيادي بحسن نية أو سوء تدبير من فكر ومنهج واعتقاد قاد إلى النهاية الفاجعة والمحزنة، فإن فينا نحن المسلمين للاسف قوماً لايعترف اكثرهم بالحقيقة ولايعبأ بها، ويجيد بامتياز اساليب الهروب منها، ويجيد نصب الشماعات الزائفة وتعليق ما يسقط من الأمور عليها، وما ذلك إلا بفعل تأثير ثقافات تصادم الحياة وقوانين الزمان واتجاه التاريخ، تراكمت على امتداد الاجيال حتى استدار بها الزمان في كل دروب المهالك!وصدق الله القائل: (قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين).
الإرهاب .. والمنبع المسكوت عنه!!
أخبار متعلقة