القاهرة: أسامة عبدالغني/ وكالة الصحافة العربية: تعاني الثقافة العربية من خلل كبير يتجلى في عدم قدرتها على المنافسة أو معايشة الثقافات الأخرى ، فلا توجد مناهج نقدية عربية أو فلسفية ، وإن وجدت فإنها تتصادم مع بعضها البعض ولا تعرف لغة للحوار أو التآلف وهذا المشهد الثقافي العربي أفرز عدة ثقافات يمكن إجمالها في ثقافة شعبية تميل إلى الخرافة، وثقافة متجمدة لا تتغير أبداً ولا تواكب العصر، وثقافة ثالثة منعزلة ، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن.. كيف تخرج الثقافة العربية من شرنقتها وتتعايش مع الآخر ، هذا ما سوف نتعرف عليه في هذه السطور: تري الكاتبة فريدة النقاش أن أزمة الثقافة هي تعبير مكثف عن الأزمة العامة التي يعيشها المجتمع العربي والمصري خاصة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتلك الأزمة ناتجة عن مجموعة من السياسات التي تهمل المصالح الشعبية والحريات العامة، فكان ثمرة ذلك إتساع قاعدة الفقر في المجتمع وزيادة البطالة ، وأخذت الدولة تفكك في أوصالها مستدعية الصراعات الطائفية بسبب غياب الحريات العامة وغلق منافذ التحول السلمي الديمقراطي والتعبير الحر للقوي الإجتماعية عن نفسها ، وتماشياً مع هذا المناخ المأزوم أصبحت الثقافة العربية ثقافة تميل إلي الإستهلاكية التجارية السطحية التي سيطرت على الساحة العامة ودفعت بالثقافة النقدية إلي الهامش ، وأيضاً دفعت بالمثقفين النقديين إلي الانعزال وأصبح الخروج من هذا المناخ المظلم على صعيد الثقافة مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالحركة الإجتماعية الديمقراطية النامية ببطء والتي تتطلع إلي إخراج المجتمع المصري وإنعاش اقتصاده وتطوير القطاع العام والقضاء على البطالة وفتح الأبواب أمام الثقافة الوطنية النقدية، وبالتإلى نحتاج إلي حشد الجهود الوطنية تحت راية استراتيجية التطور الديمقراطي السلمي.[c1]تطوير الرؤية النقدية[/c]وأوضح د. شفيق أبوسعدة أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر: إننا لم نعمل تجديداً ثقافياً اجتماعياً حقيقياً ولم نقم بتطوير معرفتنا النقدية والموضوعية وأصبحنا نردد ما كتبه القدماء دون محاولة الخروج بمنظور نقدي وموضوعي لثقافتنا ، فلو رجعنا بالذاكرة إلي الوراء قليلاً عندما كتب طه حسين كتاب “الشعر الجاهلي” فقد بدأه وكيل النيابة قائلاً ليست هناك نية للعدوان على الدين ، وهنا اضطر طه حسين إلي أن يقوم بسحب الكتاب ويقول كلاماً آخر ، وهذا توالى في أحداث أخري كبيرة ، وكان ذلك في العصر الليبرإلى على المستوي السياسي حيث كان هناك الوفد والأحرار إلا أنه لم يعادله إنجاز في تكويننا الاجتماعي الثقافي بجانب أن هناك أسباباً أخرى وهي الضغوط الخارجية من خلال اللجنة التي قامت بوضع دستور 23 التي اضطرت إلى التراجع وأعطت سلطات جبارة للملك فؤاد على الرغم من أنهم كانوا جميعهم ليبرإلىين وهذا له جذوره. أما بالنسبة للعراك مع السلطات الحإلىة فقد أتي من خلال عمل اقتصادي واجتماعي لثورة 32 يوليو، وأوضح أن الخروج من تلك الأزمة الثقافية لابد أن يجتهد المثقفون المصريون من جميع الفصائل والأجيال من أجل تطوير هذا المنظور النقدي لتراثنا ، إذن فالطريق الصحيح هو تطوير العلوم الثقافية المعاصرة بجانب وجود جبهة ثقافية ، وهذا بالإمكان أن يتم عمله في مناهج ومؤتمرات والعمل على تطويرهذا العلم لأهميته وعلى أن يكون موجوداً بالمناهج بالإضافة إلي أنه على رجال الدين المشاركة في هذا العمل لتجديد الخطاب الديني.وأضاف د. عاطف العراقي رئيس قسم الفلسفة بجامعة القاهرة :أننا لا نجد مذهباً واحداً لثقافتنا العربية بل هي مجموعة من الأقوال غير مترابطة : فمنذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين كان هناك بعض المشروعات التنويرية الثقافية التي نستطيع القول أنها تتميز عن الإتجاهات الأمريكية العقلانية أو الواقعية والثقافات الأوروبية ، أما الآن فقد أصبحت ثقافتنا تمارس الصعود إلى الهاوية ودليل ذلك أننا لا نجد ما يميز الثقافة العربية حتى نتفاخر بها بين الأمم ، فهل من المنطق ألا نجد إلي الآن مذهباً نقدياً عربياً ، وهل من المعقول أننا لا نجد شاعراً عربياً يرتقي إلي مرتبة أحدالشعراء الكبار أمثال البحتري والنابغة الذبياني ، وبجانب ذلك فإن الثقافة تتراجع إلي الوراء وعلىنا أن ندرك ونفكر في الحلول وإزالة العقبات التي تواجهها حتى لا يكون تاريخنا مجرد ذكرى وحتى لا يقدم طوفان العولمة فيمحوها تماماً ، وذلك لأنه ليس هناك بديل أو علاج لمعالجة هذه المشكلات التي تقف وتعترض الثقافة العربية التي كانت تعيش قديماً مزدهرة قرناً من الزمان، وأشار أنه لابد من حسم القضايا المصيرية وأولها قضية التنوير لمواجهة الخرافات واللا معقول ، وعلى المثقفين أن يقفوا وقفة جادة وواحدة دفاعاً عن الفكر العربي المشترك.[c1]الفساد والشللية[/c]ويضيف د. حامد أبوأحمد عميد كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر : أن الثقافة العربية تعيش الآن في أزمة حيث إنها جزء لا يتجزأ من أزمة هذا المجتمع بشكل عام حيث عم الفساد والتسيب والشللية ولا شيء يتغير تقريباً وكل شيء يحتاج إلي إصلاح ، فالهيئة العامة للكتاب ودور النشر وجوائز الدولة التقديرية في حاجة ماسة إلي إصلاح بجانب الصحافة التي تحتاج إلي إعادة نظر في رؤية تجديد عامة للمجتمع تتماشي مع ما يحدث في كل أقطار العالم المتقدم.وأضاف أن صحف المعارضة مطلوب منها أن تعطي مساحة كبيرة للثقافة ، والحقيقة أننا نجد تحليلاً طيباً للسياسة لكن لابد من اتساع المجال للثقافة ، وهذا راجع لأن التحليلات السياسية لن تؤدي دورها إلي إصلاح المجتمع وتغييره ، ومن المحال أن تظل القنوات التليفزيونية والصحف بعيدة إلي حد كبير عن الثقافة فكان في أواخر الستينيات وأوائل السبيعينات الوضع مختلفاً ، وكانت الثقافة موجودة بكثرة في الصحف أما الآن فقد أصبحت هامشية وهذا راجع إلي صحف المعارضة لأنها المسئولة ومطلوب منها إعادة النظر في ذلك.[c1]الإعلام والتعليم[/c]وتقول د. هيام أبوالحسن أستاذ اللغة الفرنسية بجامعة عين شمس: ترجع أزمة الثقافة إلي عاملين أساسيين هما الإعلام والتعلىم ، فقد أصبح التعلىم سواء في المدارس الخاصة أم الحكومية يقوم على التلقين الذي ينتج عنه ذاكرة قوية وتفكير معطل وقد يكون هذا وراء بحث بعض الأسر عن تعلىم بديل باهظ الثمن من كل النواحي المادية والمستقبلية كالمدارس الأمريكية والإنجليزية والفرنسية ، والتي يتعلم الطلاب طبقاً للمناهج الأمريكية والأوروبية البحتة والتي تذكرنا بعهد الاحتلال وهذا ينتج عنه أنها تجعل منهم غرباء في بيئتهم وأيضاً ينتج عنه جيل بهذه الطريقة لن يأبه بالثقافة القومية بل ستجذبه حتماً ثقافة الأقوى.أما بالنسبة للإعلام فإن فكرة السماوات المفتوحة التي تأتي من خلال معظم ما يدور بالخارج فإن دور الإعلام الوطني يقتضي عملية موازنة بتقديم مادة إعلامية وطنية قوية من الناحية الفنية والتكنولوجية والعلمية تستطيع أن تصمد أمام القنوات الغربية ، وترتكز على ما هو ثقافي بالمعني الصحيح لتلك الكلمة بمعني كل ما من شأنه بناء الإنسان المصري روحاً وفكراً وجسداً ، إن لكل شعب ثقافته فجميع القنوات مفتوحة أمام جميع الأجيال باسم الحرية الخطأ فالتليفزيون الذي في بلاد الغرب مزود بجهاز يستطيع الأهإلى التحكم فيه من خلال القنوات التي يسمحون لأولادهم برؤيتها ويختارون لهم ما يتناسب مع عقولهم وعمرهم.ويؤكد د. سيد الوكيل :إن الإبداع أصبح آخر ما يفكر فيه العربي ، ولذلك تعيش الثقافة العربية أزمة حقيقية حيث لا مكان على الجانب الإعلامي ، فقد احتلت السياسة والرياضة كل صفحات الجرائد ، فنري معظم الصفحات تخصص للإعلانات والبعض للرياضة والسياسة والبعض الآخر للكوارث وأخبار الحروب، وبالتإلى الفضائيات أصبحت تتعامل مع الأمر بتلك الطريقة والثقافة بالتإلى لا تحظي بأي اهتمام من جانب العربي لأن المثقف هو أول من يراد تدميره في الحروب لأنه ضمير الأمة وصوتها أي المثقف الوطني المهموم بقضايا وطنه.وأوضح أن أزمة الإبداع العربي ليست بسبب فقر مادي.. كما يحاولون أحياناً إقناعناً قدر ما هي بسبب فقر في استشراق المستقبل فدولة قطر حإلىاً تقوم بوضع لمساتها الأخيرة على جائزتها السنوية الدولية المخصصة للرواية والبالغ قيمتها المادية ثلاثة ملايين دولار وأول ما سيفعله الفائز بهذه الجائزة هو تطليق الكتابة بلا رجعة ولو أن قيمة هذه الجائزة قسمت إلي جوائز أصغر لدعم الثقافة كدعم المبدعين الشباب والمسرح كان أفضل.وأشار الوكيل أن المحور الرئيسي في تراجع دور المؤسسات الثقافية العربية على اختلافها داخل المجتمع العربي أو خارجه يتمثل في غياب الجانب القادر على خلق تيار ثقافي تجتمع علىه النخب الثقافية ومتلقيها وذلك إنما في عمق الرؤية وشمول الفكر وقدرته على استيعاب مطالب المرحلة وقد أدي هذا الغياب إلي جعل المثقفين شيعاً وليس أحزاباً ، أما مرحلة زمن التشيع التي نعيشها فإنها تستثمر الثقافة ولا تعطيها كما تستثمر الحزب ، فالتسلط السياسي وغلبة الإنتهازية على أصحاب الصفوف الأولي جعل من المؤسسات الثقافية تابعين وهذا التبعية كان لها مردودها السلبي على جمهور المجتمع لأن الجمهور يثق في المثقفين من حيث إنهم أناس يشتغلون بنشاط جوهره الاتصال بالآخر. وحول إمكانية استرداد هذه المؤسسة لدورها يقول: لابد أن تملك رؤية الواقع الراهن بكل ملابساته وللمستقبل رؤية تتحرر من الضغوط والأزمات ، هذا بجانب امتلاكها للوعي بالماضي والقدرة على تحليل عناصره وذبذباته وأزماته ، ومزج نبض الجماهير وقدراتها بالنسبة للمستقبل .
أخبار متعلقة