أربعون شاعراً بوسنياً في مختارات شعرية بالعربية
أحمد فضل شبلول اختارت مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري قصائد لأكثر من أربعين شاعرا معاصرا من البوسنة والهرسك وترجمتها للعربية احتفاء منها بالشعر البوسني ضمن فعاليات دورتها الثانية عشرة التي تلتئم في العاصمة سراييفو خلال المدة 19 ـ 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري والتي تحمل اسم الشاعرين العربي خليل مطران، والبوسني محمد علي/ماك دزدار.يقول الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين رئيس مجلس أمناء المؤسسة عن هذه النماذج الشعرية إنها (انعكاس للأحداث وللتطورات التي عاشها شعب البوسنة في تاريخه المعاصر، تعبر بالآلام والآمال معا عن أحاسيس الناس كما هي عادة الشعر في كل زمان ومكان).ويضيف: (لما كان شعر البوسنة في عداد الأدب المجهول لدى القارئ العربي رأينا أن نقدم نخبة من أهم شعراء البوسنة والهرسك في العصر الحديث (...) وتأمل المؤسسة أن يجد القراء والباحثون في هذه المختارات مدخلاً للتعرف إلى نماذج من الشعر المعاصر في البوسنة والهرسك).ويلفت المترجم إسماعيل أبوالبندورة في مقدمته إلى أن آداب البوسنة والهرسك جزء لا يتجزأ من التراث البلقاني الثري الكبير الذي يتميز بالتنوع والعمق والفرادة. وأنتج في مسيرته الطويلة الغامرة المتلاطمة إبداعات ونتاجات وسياقات أدبية جعلت منه تراثا إبداعيا إنسانيا يرتبط بكل الحضارات والثقافات وبكل شعوب المعمورة، بكل ما هو إنساني مشترك وجميل.ويشير أبوالبندورة إلى الكاتب البوسني إيفو أندرتش الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1961 وغيره من كتاب البوسنة الذين احتلت إبداعاتهم المواقع الأولى البارزة نشرا وحضوراً وانتشاراً في جميع أرجاء المعمورة، حيث كانت البوسنة منذ القدم مهد التلاقي والاحتكاك والتلامس والتلاطم والتنوع والتسامح. إنه بلد الإبداع المستمر الذي لا تعكر صفوه الحروب والعذابات والجراحات والمرارات مهما تعاظمت واشتدت وتكثفت وحدثت أخبارها.وعن المختارات الشعرية التي انتقاها إسماعيل أبوالبندورة ـ وجاءت في 134 صفحة ـ يوضح أنها تحاول أن تقدم صورة معبرة وغنية عن الأدب والشعر في هذه المنطقة من العالم، وتتناول أبرز النماذج والرموز الشعرية التي ظهرت في البوسنة والهرسك وسادت وصبغت الشعر والشعرية بصبغتها، وهي تشير من ناحية أخرى إلى الموضوعات التي طرقها الشعراء وجماليات هذا الشعر وتكويناته والوجدان الثقافي الخلاق الذي تأسس عليها والقضايا المتنوعة التي ألهبت خيال الشعراء وجعلتهم يقفون أمام تجلياتهم ومؤثراتها على الروح والعقل معا.ويشير المترجم إلى أن هذه المختارات لأجيال شعرية مختلفة، وتوزعت اهتماماتها بين الشعر الإنساني والشعر الذي يتناول قضايا محددة وخاصة.يقول الشاعر أنطون برانكوشيمتش (من مواليد عام 1898) في قصيدة “أنا والموت”:[c1]الموت ليس خارجيإنه في منذ بدء البداياتينمو معي في كل لحظةسأتوقف في أحد الأياموالموت يتواصلوفي وإلى أن ينمو تماما ويصل إلى جذوريفإن نهايتي هي بدايته الحقةعندما يتآكل من بعد من تلقاء ذاته.[/c]لقد كان شعراء البوسنة الصوت والصدى للحروب والمآسي وتداعياتها التي تعكر صفو أحلام الإنسان وهو يأمل بحياة راغدة وادعة بلا زلازل أو عثرات.يقول الشاعر عزت سرايليتش (من أشهر شعراء البوسنة والهرسك بعد الحرب العالمية الثانية ولد عام 1930) في قصيدة بعنوان (نظرية الإبعاد):[c1]نظرية الإبعاد اختلقها اللاحقونأولئك الذين لا يريدون أن يخاطروا بشيءوأنا من بين من يعتقدونأنه لا بد من الحديث يوم الإثنين في يوم الإثنينربما لأن الحديث يوم الثلاثاء سيكون متأخراًمن الصعب طبعاً أن تكتب الشعر في القبوبينما تتطاير الحمم من فوقكوالأصعب الوحيد أن لا تكتب عنها![/c]لقد كان ماضي البوسنة المليء بالصراعات والتلاطمات والغني بالمعطيات، والتراث البوسني أثره البارز في صياغة الكلمة الشعرية في البوسنة.تقول الشاعرة وكاتبة الأطفال بيسيرا أليكاديتش في قصيدة بعنوان (ناطحة السحاب المشتعلة):[c1]أتريدون أن أجمل هذا الرعب؟وأن أغني بشكل ملتو أكثر تأثيرالا .. فأنا أصرخ وأصرخوكأن ناطحة السحاب تشتعلوسط المدينةويمتد اللهب في السماءوإذا رغبتموإذا احتجتم إلى رموز المجازناطحة السحاب كائن بمئات القلوبناطحة السحاب خلية نحليدوي فيها النحلوالعيون المذعورةوالتذكارات وضمير الضميرالسادة والقتلة في نهاية القرن العشرينفي قلب أوروبايقدمون جحيما مثل جحيم (دانتي)بعد النار ينعدم الخيالرماد بقايا الحريق والفراغ يئنإذا كنت شاعراً بعد كل تلك الشرورفإن الشعر هو نحيبي![/c]ويرى أبوالبندورة أن التمعن في هذه المختارات الشعرية يبين بجلاء حقيقة أن في البوسنة والهرسك روحا وثابة وعقلا مستنيرا يريد أن يخرج من العتمة إلى النور، وهو يرى الوطن البوسني ممتلئا بالممكنات والجماليات القادرة على أن تصنع منه وطنا للمستقبل لا وطنا مصنوعا من الكراهية والبغضاء.يقول الشاعر زلهاد كلوتشانين (مواليد 1960) في قصيدة بعنوان “شجرة الله”:[c1]هناك بعيدا حيث تخلط الريحالعظام والجيرالصرخات وخرير المطريقرض العفن أشياءكانت في زمن ماأمنية لصاحبهافي اليقظة .. في الحلم .. في الآخرةهناك بعيدا حين تصطدم أنفاس القاتلبأنفاس القتيل ويتفتت القرميدمثل السكر على حلوى الأطفالهناك بعيدا حيث لا فجرولا فضاء منير ولا وجهيمكنه التسابق مع نجمة الصباحقد نبتت شجرةلا تشبه أية شجرةأوراقها ساكنةفروعها مصوبة إلى الشرقوهي تبكي بدلاً منا جميعاً[/c]