في أحد أزقة حي الجمالية الواقع في القاهرة المعزية تطفو عدد من القبور بجانب أحد البيوت العتيقة الذي يعود بناء تاريخها إلى عصر الدولة الفاطمية . وقد ذكرت الروايات الشفهية التي تناقلها الناس من جيل إلى جيل بأنّ الساحة الذي تظهر بها هذه القبور تعود أصحابها إلى شخصيات هامة كان لها دور خطير على مسرح الدولة الفاطمية السياسي حينئذ ومن بينهم شخصية غير مصرية وهو عمارة اليمني الشاعر والذي اعدم شنقاً في سنة ( 569 هـ / 1174م ) بأمر من الناصر صلاح الدين الأيوبي المتوفى (589 هـ / 1193م ) بتهمة تأمره مع الموالين للفاطميين في القاهرة لقلب نظام الحكم على الأخير الذي قضى على نفوذ الدولة الفاطمية في مصر وتحديدًا بعد وفاة آخر الخلفاء الفاطميين وهو الخليفة العاضد المتوفى ( 567 هـ / 1170م ) . وتروي الروايات بأنه بعد أنّ شنق عمارة اليمني دفن في أحد القبور خارج القاهرة المعزية ولكن أصحابه من بقايا الفاطميين سرقوا جثمانة ودفنوه في الموضع الذي تذكره الروايات الشفهية التي ذكرناها قبل قليل .[c1]صفاته [/c] وتروي المصادر التاريخية أنّ عمارة اليمني ، كان فقهيًا ، شاعراً سياسيًا . ومن سماته الوفاء . فعندما جنحت شمس الدولة الفاطمية إلى المغيب عن سماء الوطن العربي والعالم الإسلامي وصارت أثرًا بعد عين وتمكن صلاح الدين الأيوبي من أنّ يعيد مصر إلى أحضان بغداد عاصمة الدولة العباسية السُنية بعد أنّ كانت في قبضة الفاطميين ردحًا من الزمن . و كان عمارة اليمني قلبه يتمزق وهو يرى بأم عينيه ، كيف كان البناء الفاطمي الضخم ينهار الواحد تلو الآخر بعد أنّ كان شامخًا أكثر من مائتي عام . وكيف كان الشعراء يتسابقون ويلهثون في مدح السلطان صلاح الدين الأيوبي بقصائدهم ، بعد أنّ كانوا في عصر الفاطميين يقفون على أعتاب أبوابهم في مذلة وخشوع من اجل حفنة من الدنانير ينتظرون السماح لهم بأنّ يلقوا قصائد المدح بين أيديهم . ولقد ظن الكثير من المؤرخين المتقدمين والمعاصرين له بأنّ عمارة اليمني كان فاطمي العقيدة ، والحقيقة أنه كان أنه كان يميل إلى سياسة الفاطميين بعد أنّ رأى بأم عينيه الأمن والأمان ، والازدهار الكبير اللذين شاهدته مصر في عصر حكمهم في الوقت التي كانت أجواء الاضطرابات ، والقلاقل والفتن تطل برأسها في كثير من البلدان العربية والإسلامية الأخرى . وعلى أية حال فقد أكدت الروايات بأنّ عمارة اليمني ، كان شافعيًا سُنيًا بل أنه كان شديد التعصب لمذهبه. وتذكر المصادر بأنه حاول أحد الوزراء الفاطميين أنّ يرغبه في اعتناق المذهب الإسماعيلي إلاّ انه أبى و رفض مطلبه بصورة قاطعة . [c1] وفاء نادر[/c] وظل عمارة اليمني الشاعر وفيًا للفاطميين حتى آخر رمق في حياته . وعلى الرغم من المحن والخطوب التي أحاطته من كل مكان بسبب مجالسة وزرائهم ، وخلفائهم . فقد كان وفيًا لهم دومًا . وقيل أنه قبيل أنّ يساق إلى ساحة الإعدام لشنقه لم يتخل عن القصائد التي ترثي مجد الفاطميين ، فينشد في أحد أبياتها : « رميت يا دهرَ كفَ المجد بالشلل. وجيده بعد حسن الحلي بالعطل « . وهذا ما دفع بمؤرخ كبير كالمقريزي يشيد ويتعجب بوفاء عمارة اليمني النادر والفريد ، فيقول ً : « فلله در عمارة لقد قام بواجب الوفاء ، ووفى بحسن الحفاظ ، كما هي عادته لا جرم أنه قتل في واجب من يهوى كما هي عادة المحبين رحمه الله وتجاوز عنه » .[c1] مقترح[/c] وكيفما كان الأمر ، فإنّ ما ذكرته الرواية أو الروايات الشفهية أنّ قبر عمارة اليمني الشاعر قابع في أحد أزقة حي الجمالية ، فإنه يتطلب منا ومن المسؤولين في الجهات المعنية بالثقافة والتراث والآثار في بلادنا التحرك والتنسيق مع الجهات المعنية بالآثار الإسلامية في مصر العربية التأكد من تلك الرواية أو الروايات الشفهية لعلنا نخرج بنتائج قيمة عن مكان قبر عمارة اليمني الشاعر في حي الجمالية بالقاهرة المعزية ، وإنّ كانت الأدلة والبراهين تدل على أن جثمانه مدفون في ذلك المكان الذي سبق وأنّ أشرنا إليه في السابق. فهل في الإمكان تحقيق ذلك ؟ . نرجو أنّ يجد اقتراحنا صدى لدى المسؤولين في الجهات المعنية بالتراث والتاريخ .
|
تاريخ
العثور على قبر عمارة اليمني
أخبار متعلقة