من العجيب حقاً أن نرى بعض المؤسسات تشكو من ضعف العاملين بها وهم من خريجي الجامعات الجدد مما يجعلها توجه اصابع الاتهام الى الجامعة لأنها لم تحسن إعداد (الكوادر ) الفنية القادرة على الانتاج والخدمة فيبحث المختصون في الجامعة في الاسباب فإذا بهم - غالباً - يقذفون بالكرة الى ملعب المدرسة بإدعاء أن الجامعة تتلقى نوعيات من الطلاب الذين أسيئ توجيههم وإعدادهم في المدرسة ، بحيث يصبح متعذراً عليها أن تحسن تشكيلهم وإعادة تكوينهم فكأننا في داخل النظام التربوي نفسه يحاول كل قطاع أن ينفي عن نفسه التهمة لتستقر في شبكة المدرسة . وما تود قوله هنا أننا نظلم التربية كثيراً ، عندما نتصور أنها وحدها هي القادرة على مواجهة ما يعانيه المجتمع من مشكلات وآفات وما يمر به من أزمات بينما هناك أسباب أخرى مؤثرة قد لانعيرها أدنى إهتمام وهي كالتالي :1- التربية أولاً ليست مسئولية المؤسسات التعليمية المختلفة وحدها ، مثل المدارس والمعاهد والجامعات وما يتصل بها من مراكز وفروع مما يطلق عليه ( التربية المدرسية) ذلك أن سلوك المواطنين يخضع لمؤثرات عديدة وتأتي في مقدمتها أجهزة الإعلام الحديثة من تلفاز وإذاعة وصحف ومجلات وقنوات فضائية وانترنت وفيديو وسينما وهناك أيضاً الاندية ودور العبادة ولو قدرنا حياة الانسان بـ 60 عاماً فإنه يقضي منها في مؤسسات التعليم من الصف الأول لمرحلة التعليم الاساسي الى نهاية التعليم الجامعي ما يقرب من 16 عاماً ، ومعنى ذلك أنه يقضي خارجها 44 عاماً فكيف نحملها مع ذلك المسئولية الكبرى ؟ فإذا عرفنا أنه يقضي ربع الـ 16 سنة ومناسبات وطنية ودينية عادة يبقى 12 سنة.وبالطبع فهو لا يقضي اليوم كاملاً في المدرسة ، بل في أحسن الأحوال يقضي ما متوسطه 6 ساعات أي ربع اليوم ، وبالتالي فالمدة الحقيقية التي قضيها الانسان بالمدارس والجامعات لا تزيد عن 3 سنوات ميلادية .. فلنقارن أثر ثلاث سنوات بمؤثرات أخرى تمارس عملها طوال 57 سنة.ألسنا نظلم التعليم بذلك ظلماً فاحشاً؟2- فعل التربية يتناول جوانب ثلاثة في صياغة وتشكيل الانسان وهي جانب معرفي وجانب مهاري وجانب وجداني .فالأول يتمثل في جملة الحقائق والمعلومات التي تحويها قطاعات المعرفة المختلفة مثل التاريخ والجغرافيا والعلوم الطبيعية والكيميائية .. وهكذا .والثاني يتعلق بالاساليب والوسائل المتمثلة في مهارات القراءة والكتابة واللغة وعديد من المهارات العملية المختلفة.أما الثالث فإنه يتصل بالقيم والاتجاهات وهذا الجانب هو أخطر الجوانب الذي يشكل الدوافع والغايات وأساليب العمل واتجاهاته . وإذا كانت المؤسسات التعليمية تستطيع أن تفعل الكثير في الجانبين الأول والثاني ، فإن جهدها متواضع بالنسبة للجانب الثالث . صحيح أن الجمهرة الكبرى من المربين تعي تماماً ضرورة التكامل بين هذه الجوانب الثلاثة إلاّ أن المستوى التطبيقي ينبئ عن جهد متواضع في المجال الوجداني ، خاصة أن الجانبين المعرفي والمهاري يستهلكه معظم الجهد.3- التربية ما هي إلاّ نظام ضمن منظومة ضخمة هي المجتمع تضم عدداً .. النظم الأخرى مثل النظام السياسي والنظام الاجتماعي والنظام الثقافي والنظام الاقتصادي .. وهكذا يتأثر بها ويعمل من خلالها بل إنها هي التي تفرض- أحياناً - المعطيات التي يتعامل بها ومعها فالنظام السياسي عادة يضع الاهداف ويرسم الفلسفة التي تشكل المناهج والمعاهد لتحقيقها والنظام الاقتصادي يجدد مقدار الميزانيات وأوجه الانفاق مما يلعب دوراً أساسياً في حجم العمل التربوي والنظام الاسري هو الذي يفرز الاولاد والبنات وحجم المادة الرئيسية التي يعمل عليها النظام التربوي . ومن الخطأ الظن بأن التلاميذ يأتون الى المدرسة وهم (صفحة بيضاء) فهم عادة يجيئون بعد السنوات الست الاولى من العمر ، تلك التي يكتسب الانسان فيها عادة البذور الاساسية لكثير من جوانب شخصيته.وهكذا نجد أننا نظلم النظام التربوي كثيراً عندما نبالغ ونلقي على أكتافه العدد من المسئوليات التي تشترك معه نظم أخرى في تحملها حتى إذا فشل أنهلنا عليه بسياط النقد.نقول هذا ونحن بالطبع على وعي بأن النظام التربوي نفسه يعود فيؤثر على هذه النظم كأن يمد النظام الاقتصادي بالكوادر الفنية المختلفة .. وهكذا إلاّ أن هذا لا ينفي المقولة الاساسية التي نذهب إليها وهي أن هذه الوضعية تجعلنا ننظر الى النظام التربوي لمجموعة عازفين على نوع معين من الآلات في فريق موسيقي لا قيمة ولا فاعلية حقيقية له إذا لم يكن هناك تنسيق عام.[c1]سلال السيد محمدعضو المجلس المحليم - الشيخ عثمان [/c]
حتى لا نظلم التربية
أخبار متعلقة