سطور
الصحافي البريطاني - روبرت فيسك،صاحب التقارير الميدانية والمؤلفات الصحافية- السياسية،هو أشهر مراسل صحافي غربي في منطقة الشرق الأوسط تعود صلته بهذه المنطقة إلى أكثر من 35 سنة،كتب عن حروبها وصراعاتها وأحداثها الميدانية،حتى قيل عنه أنه أعرف أهل المهنة بما يجري في العالم العربي.تكتسب تجربة روبرت فيسك في عالم الصحافة والكتابة أهمية واسعة لمن يريد أن يعرف المزيد عن الأزمات العربية وما تفرز من صدامات يكون فيها الإنسان العربي ضحية أطماع القيادات وهم من حملوا السلاح من أجل الحرب،لذلك تصبح الكتابة عنده محاولة وصول إلى حقيقة ما يحدث وما تصل إليه نفسية الفرد،وتعد تجربة وجوده ميدانياً طوال فترة الحرب الأهلية في لبنان،من عام 1975م إلى عام 1990م شهادة للتاريخ على أن الصحافة رسالة إنسانية قبل أن تكون نقلاً للحدث.لقد عاصر هذه الحرب يوماً بيوم وتعرض للقتل أكثر من مرة،ولكنه ظل يكتب ويرسل التقارير للصحف ويكشف كم هي مرعبة الحروب الأهلية وكيف تقسم وحدة الشعوب وتحول مذاهبها وعقائدها إلى أسلحة تنفجر في كل بيت وشارع وتجعل دم الإنسان أرخص من مياه المجاري،والمعرفة هنا لا تكون إلا من خلال نزول الصحفي إلى مكان الوجع حيث يقف أمام الفاجعة أمام جثث مزقتها القنابل والرصاص ومنازل حولتها القنابل إلى رماد ومات تحتها الأطفال والنساء ،في هذا الموقف من المواجهة مع الموت يصبح للعمل الصحفي قيمة صنع الحدث (التاريخ)،فهو لا يقف عند حدود الكتابة لتعريف الجمهور بما جرى.هنا تصبح الكلمات مسؤولية مهنية أمام الضمير،والصورة التي لا تقف عند حدود المشاهدة لما جرى،بل تتحول إلى إدانة لمن صنع هذه الجرائم،لذلك نجد العديد من الناس من يرى في كتابات روبرت فيسك وثائق تاريخية لصحافي من الغرب عما جرى في العالم العربي،فهو من طول ما عاش هنا وما شاهد أصبح لا يمكن تجاوز كتاباته لقراءة أحداث المنطقة.يرى روبرت فيسك أن ذهاب الصحافي إلى موقع الحدث هو بداية الاتصال مع قضية كبرى،فهي قبل أن تكون مجرد وسيلة للبحث عن سبق صحافي،هي حالة تعرف عن معاناة إنسان وكم ستمتد هذه المأساة،وكيف تسعى الصحافة إلى الأبعاد الإنسانية فيما يجري.لقد شغلت قضايا الشرق الأوسط هذا الصحافي لعقود من الزمن،وأتخذ من بيروت مقراً له وطاف معظم دول العالم وذلك ما أعطى كتاباته غزارة في المعلومات وهي عماد العمل الصحافي،لذلك نجد تحليلاته السياسية ومقالاته الصحافية وتقاريره وكتبه تلقى من الجمهور العربي والغربي قبولاً واسعاً،رغم بعض الآراء والملاحظات التي قد تطرح عليها بحكم تعامله مع الحدث من وجهة نظر الرجل الغربي الذي ما زال يجهل عدة نصائص وعوامل في عمق الحياة العربية.روبرت فيسك يرفض أن يظل الصحافي في غرفة مغلقة أمام “النت” ولا يسعى للبحث عن الحدث في الشارع عند الناس، لأن الاتصال بمواقع الأحداث هو من يخلق الصحفي القادر والمتمرس الذي تصبح له خبرة في أساليب الكتابة وإيصال أكبر قدر من المعارف للناس حتى يصبح مع مرور الزمن جزءاً من واقع أحداثهم، ويمتلك المقدرة على توضيح نوعية الآتي من حالة ما يدور، فالكلمة الصحافية ليست نقل خبر أو تقرير فقط، بل هي رؤية لما هو قادم، وبما يحمل من خراب للناس، لذلك نجده لا يركن للبلاغات الرسمية أو التقارير الحكومية، فالحدث الذي يجري في الواقع هو من يحدد أي مستوى من التطورات قد تصل إليه الأمور.إن قراءة تجربة روبرت تنطلق من صلة الكاتب والصحافي الغربي بحالة الشرق الأوسط وصراعات هذه المنطقة التي تتصاعد باستمرار ولا تعرف من السكون غير فقرات قليلة، فلا غرابة أن نجد من أهل الصحافة من الغرب قد جعلوا من هذا المكان ساحة عملهم ومحور تجاربهم والمدرسة التي تغلق أبوابها لمن يريد معرفة أحوال الشرق وأهله، وروبرت فيسك ليس الحالة الأولى ولن يكون الأخيرة طالما ظل العالم العربي ساحة صراع وحروب قائمة.