فجعت مصر خلال الأسبوع الماضي بحادث تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، الذي أودى بحياة أكثر من (24) مواطنا وجرح مايزيد على تسعين شخصا كانوا يؤدون قداسا في الكنيسة بمناسبة رأس السنة الميلادية الجديدة ، وقد لقي هذا العمل الإجرامي استنكارا عربيا وعالميا ، فيما وصفته الحكومة المصرية بأنه يحمل بصمات أصابع خارجية تستهدف ضرب الوحدة الوطنية للمجتمع المصري في إطار تنفيذ أجندات مشبوهة وتطبيق أفكار ضالة وافدة من خارج مصر .اللافت للانتباه أن هذه الجريمة الإرهابية البشعة فجرت مشاعر غضب واسعة النطاق داخل مصر من خلال مسيرات جماهيرية ضخمة توحد فيها المسلمون والمسيحيون المصريون الذين حملوا رايات الهلال والصليب كرد فعل واع لخطورة المناخ الطائفي الذي شاع مؤخرا في مصر بفعل انتشار ثقافة الكراهية التي تغذيها مدارس ومراكز دينية سلفية تحرض تلاميدها وأتباعها ضد كل من يخالف معتقدات الفكر الوهابي ، وتدعوا الله في المساجد الى أن ((يقتل اليهود والنصارى ويهلك حرثهم ونسلهم ، ويحصيهم عددا ، ويقتلهم بدذا ، ولايبقي منهم أحدا )) تطبيقاً لعقيدة الولاء والبراء الحنبلية الوهابية بما هي الايديولوجيا الجديدة للاسلام السياسي الصحوي !!صحيح ان وسائل الاعلام المصرية والعربية والعالمية أعطت اهتماما كبيرا لمتابعة أصداء وتداعيات جريمة تفجير كنيسة القديسين من خلال الحوارات والتحليلات المعمقة والمتنوعة ، بيد أن بعض هذه التحليلات والمقاربات أجمع على عدم فصل ماجرى في الاسكندرية عن مناخ التحريض الطائفي الذي تورطت فيه مؤخرا رموز بارزة من جماعة ( الاخوان المسلمين ) وفي مقدمتهم المحامي محمد سليم العوا الذي ظهر عبر قناة (الجزيرة) الفضائية قبل شهرين من الحادث محذرا مما أسماه تكديس أسلحة في كنيسة القديسين بالاسكندرية ، وقيام هذه الكنيسة بنشر التنصير بين مواطني الاسكندرية بواسطة مستشفى ماريا مرقص التابع لها ، وهي اشارة تحريضية واضحة ضد هذا المستشفى الذي يقدم خدمات نوعية مجانية بأجهزة طبية متطورة لعشرات الآلاف من المسلمين المصريين الذين يتدفقون على هذا المستشفى من الاسكندرية وكل أنحاء مصر للتداوي والعلاج مجانا على أيدي أطباء مصريين أقباط منذ افتتاحه في أواخر التسعينات من القرن العشرين المنصرم.ما من شك في أن موقف الحكومة المصرية من هذا العمل الاجرامي يختلف تماما عن موقفها من عمل مماثل وقع في الاسكندرية قبل حوالي خمس سنوات عندما هاجم أحد المتطرفين اربع كنائس في منطقة سيدي بشر بمدينة الاسكندرية ، واعتدى بالسلاح الابيض على بعض المدنيين المصريين من اتباع الديانة المسيحية كانوا يؤدون الصلاة في هذه الكنائس، ما أدى الى مقتل مواطن مسيحي واصابة آخرين بجراح بالغة ، كما يختلف أيضا عن موقفها من اعتداء قام به بعض المتطرفين قبل اربعة شهور ـــ في العام الماضي 2010م ـــ على إحدى الكنائس في نجع حمادي. السلطات المصرية ألقت القبض حينها على عدد من المتطرفين الذين تورطوا في تلك الجريمتين اللتين أثارتا موجة من السخط والاستنكار والادانة من مختلف الفعاليات المدنية والدينية في مصر ، بيد ان البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية المصرية عقب وقوع الجريمة الاولى قبل خمس سنوات والجريمة الثانية قبل اربعة شهور أثار سخطاً عاماً اكثر من السخط الناتج عن كل جريمة على حدة ، لأن البيانين اختزلا اسباب وقوع تلك الجريمتين في تصرف أقدم عليه معتوه مصاب بمرض عقلي في جريمة سيدي بشر ، وبعض العاطلين المدمنين على تناول المخدرات في جريمة نجع حمادي ، الأمر الذي من شأنه تخفيف العقوبة التي يستحقها المجرمون في الحادثين الأول والثاني شرعاً وقانوناً، وما يترتب على ذلك من صرف الأنظار عن الثقافة التي افرزت وعيا مشوها وسلوكا معتوهاً انتجا هؤلاء المجرمين الذين لن تنحصر الآثار السلبية لجرائمهم على الضحايا وعوائلهم فقط ، بل ستمتد لتشمل صورة الاسلام ومستقبل التعايش بين المسلمين والمسيحيين المصريين في مصر من جهة ، و بين المسلمين واتباع الاديان السماوية في العالم بأسره من حهة أخرى .ولئن كان موقف الحكومة المصرية الأخير من جريمة تفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية الذي وقع مؤخراً قد أسهم في توحيد صفوف المسلمين والمسيحيين المصريين وزيادة الشعور بالمخاطر التي تهدد الوحدة الوطنية التي تنكرها ولا تعترف بها الجماعات السلفية ، فإن موقف الحكومة المصرية من جريمة الاعتداء على كنائس سيدي بشر في الاسكندرية أيضا قبل خمس سنوات وإحدى الكنائس في نجع حمادي قبل بضعة شهور احدث تداعيات خطيرة ومواجهات دامية بين بعض المسلمين والمسيحيين في الاسكندرية ونجع حمادي، واشتغال بعض القوى الخارجية على ما تسمى قضية اضطهاد الاقباط في مصر، لكن اخطر هذه التداعيات تمثلت في بروز توتر ملحوظ في العلاقة الاخوية بين المواطنين المسلمين والمسيحيين في مصر،على تربة احتقان المشاعر الدينية التي تغذيها ثقافة التعصب والتطرف منذ فترة طويلة تراجعت خلالها الثقافة المدنية التي تعلي قيم الوحدة الوطنية ، وتؤكد على المساواة في حقوق وواجبات المواطنة ، وتضمن لجميع افراد المجتمع حقوق الانسان في العمل والحياة وحرية الاعتقاد.في سياق هذه التداعيات ألقت اطراف مختلفة مسؤولية ماحدث على دور سلبي لعبته صحف خاصة ومنابر اعلامية رسمية وشخصيات ثقافية في مصر ، فيما ذهب آخرون الى القول بأن ثقافة التشدد وصلت الى مؤسسات دينية وتعليمية واعلامية رسمية في مصر، في اشارة الى ان المعركة التي تخوضها الدولة والمجتمع ضد الارهاب ستبوء بالفشل اذا تم القاء أعباء هذه المعركة على عاتق المؤسسات الأمنية والاستخبارية فقط، بينما يستمر عمل ماكنة انتاج ثقافة التطرف والتشدد بحرية وفعالية ليس فقط في المجتمع بل وفي مؤسسات الدولة الدينية والتعليمية والاعلامية !!بوسعي القول ان ما حدث في كنيسة القديسين في الاسكندرية أثناء الاحتفال بمناسبة حلول رأس السنة الجديدة ، لا ينفصل عما حدث في باكستان قبل فترة وجيزة من مواجهات بين بعض المسلمين الذين يتبعون المذهب السني الحنبلي الوهابي وبعض المسلمين الذين يتبعون المذهب الشيعي الجعفري في كراتشي اثناء الاحتفال بالذكرى السنوية لأربعينية الحسين عليه السلام، بما في ذلك الاعتداءات التي تعرضت لها بعض المزارات الشيعية في العراق وصدور بيانات طافحة بالتعصب الطائفي ضد الشيعة ((الروافض )) من قبل ما يسمى بتنظيم (القاعدة) في بلاد الرافدين ، الى جانب صدور بيانات ــ بين وقت وآخر ــ تتضمن تهديدات بقتل عدد من المفكرين والمثقفين العرب بتهمة الردة عن الاسلام والخروج عن الطاعة ومفارقة الجماعة وموالاة ائمة الكفر والضلال !!صحيح ان عددا كبيرا من الباحثين في شؤون الاسلام السياسي يرون ان جميع الكيانات والجماعات المتطرفة قد انسلت كالفطر من جلباب جماعة (الاخوان) المسلمين ، لكن التنظيم الدولي لهذه الجماعة ينفي صحة هذا الاعتقاد، و يسعى منذ فترة ليست بالقصيرة الى تجميل صورة جماعة ( الاخوان) المسلمين من خلال رفع شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان ومحاولة الالتحاق بالمشاريع الاميركية والاوروبية الخاصة بنشر الديمقراطية والليبرالية في الشرق الاوسط بشكل خاص والعالم العربي والاسلامي بشكل عام . ولا ريب في ان ثمة تباينات في المواقف بين مختلف جماعات الطيف الجهادي التي تنطوي تحت مظلة الاسلام السياسي ، بيد أن المشترك بينها هو السعي لاعادة نظام ( الخلافة ) والاعتقاد بان هذا النظام السياسي هو من الاصول المعلومة بالضرورة في العقيدة الاسلامية !تعود جذور هذا الاعتقاد الى الفترة الزمنية التي تلت هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى عام 1914م ــ 1918م ، وإلغاء نظام الخلافة الإسلامية رسمياً ، حيث ظهرت جماعة “ الإخوان المسلمين “ في محاولة حركية لسد الفراغ الناشئ عن غياب دولة الخلافة في العالم الإسلامي ، وتطويق الأفكار القومية والاشتراكية والليبرالية التي تزامن انتشارها في العالم العربي والإسلامي مع سقوط نظام الخلافة وبناء أول نظام جمهوري في العالم الاسلامي على أنقاضه ، وقد تقاطعت مع اهداف الجماعة الوليدة مصالح متناقضة لقوى داخلية وخارجيـــــــة تركت ظلالاً ثقيلـــــة على مسـيرة جماعــة “ الإخوان “ وتحالفاتها العربية والدولية وخطابها السياسي والآيديولوجي !! حرصت هذه الحركة على أن تزاوج بين الأفكار السلفية المعتدلة والمعاصرة للشيخ رشيد رضا والمخرجات السلفية للبيئات البدوية التي صاغت ـــ في وقت سابق ـــ الجهاز المفاهيمي لفكر ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن رجب الحنبلي ومحمد بن عبد الوهاب ،الذي جنح إلى تكفير كافة المذاهب والفرق غير السنية كالجعفرية والزيدية والجارودية والاسماعيلية والأباضية، ولم يستثن من ذلك بعض الفرق السنية كالأشعرية والصوفية ، ما أدى إلى تمهيد التربة لولادة سلفيات أخرى مدمرة ، تمثلت بدايتها الأولى في سلفية سيد قطب المتطرفة ، حيث يصف الكثير من المفكرين كتابه التكفيري الشهير “ معالم في الطريق “ الصادر عام 1964م ، بمانفيستو الإسلام السياسي المتطرف ، الذي أنجب في ثمانينيات القرن العشرين حركات جهادية مقاتلة ومنظومات فكرية متطرفة في عدد من البلدان العربية والاسلامية على طريق إقامة دولة الخلافة !! . وقد اندمج معظم هذه الحركات في إطار” الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والنصارى، وتلاقحت افكارها المتطرفة في خلاصة البيان الذي صدر باسم هذه الجبهة في فبراير 1998م، معلناً (( إنطلاق شرارة الحرب الدينية و بدء المعركة الفاصلة بين فسطاط “ الاسلام “ الذي تمثله هذه الجماعــات ، و” فسطاط الكفر” الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والدول الاسلامية المتحالفة معها والموالية لها )) وفق ما جاء في ذلك البيان . وقد شكلت الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والنصارى “ جهازاً خاصاً “ مقاتلاً أطلقت عليه اســــــــــــــــــم “ القاعدة“ وأعلن هذا “ الجهاز الخاص “ مسؤوليته عن عديد من التفجيرات والاعتدءات التي استهدفت مصالح أميركية وغربية ، وابرزها تفجيرات 11 سبمتبر 2001م الإرهابية في واشنطن ونيويورك بحسب فكر هذه الجماعات (( لا يجوز أن يبقى شبر على الأرض لا يحكمه الإسلام وشريعته ، ولا يجوز ان يبقى انسان على الأرض خارج دين الاسلام .. والله ما ارسل نبيه عليه الصلاة والسلام ليدعو ويبقى في مكانه، بل قال له ولأتباعه : “ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله “ أي قاتلوهم حتى يكون الاسلام حاكما على الأرض بمن فيها وما عليها)) وهو ما دعا اليه وأكد عليه في شريط صوتي الشيخ عبدالله صعتر عضو مجلس شورى حزب التجمع اليمني للاصلاح الذي يقود احزاب المعارضة المنضوية في تكتل (( اللقاء المشترك))!!؟؟ يمكن ملاحظة جذور هذه الافكار في كتاب “ معالم في الطريق “ الذي قال فيه سيد قطب على نحو قاطع : “ ان العالم يعيش اليوم كله في جاهلية ، والإسلام لايقبل انصاف الحلول ... فإما اسلام واما جاهلية، وليس هنالك وضع آخر نصفه إسلام ونصفه الآخر جاهلية “ . ويحدد سيد قطب بوضوح ودقة الطريق الذي يجب على المسلمين سلوكه من اجـــــــــل أن يتسلم الإسلام قيادة العالم بمن فيه وما علــــــــيه حيث يقول : “ إنها لسذاجة أن يتصور الإنسان دعوة تعلن تحرير النوع الإنساني في كل أرض ، ثم تقف أمــــــــــام العقبات في وجه هذه الدعوة تجاهدها باللسان والبيان. فلا بد من إزالة هذه العقبــــــــات أولاً بالقوة “.ويرى سيد قطب أن الهدف الرئيسي للإسلام هو إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر، مشددا على الطبيعة الهجومية للإسلام ، ونافياً عنه في الوقت نفسه طابعه الدفاعي . ولعل ذلك هو ما دفع المفكر المغربي د. عبد الإله بلقزيز إلى الاعتراف بأن الفقهاء والمفكرين المسلمين سبقوا هنتغتون في الترويج لموضوعة صدام الحضارات، “ فليس قليلاً ما كتبه أبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي وسيد قطب وآخرون ممن لم يجدوا في العلاقة بين الحضارة الإسلامية وغيرها من حاكم سوى التناقض والصدام ، حيث تشكل كتابات هؤلاء، المادة الثقافية الأساسيــــــة التي تغذّى منها جيـــــــــــــــــــلان من (الصحويين) ، جيل عمر عبدالرحمن وعبود الزمر وسعيد حوا وعبد السلام فـرج ، وجيل تنظـــــــــــيم ( القاعدة ) ومن ذهب مذهبهم في هذه الأفكـــــــــــــــــــار “ . والحال أن الفقه المعادي لدور العقل والفلسفة الذي صاغته وتمسكت به كافة المرجعيات السلفية باختلاف طبعاتها المتشددة والمتطرفة والمعتدلة ، يقود بشكل تلقائي إلى معاداة الثقافات والحضارات والاديان الأخرى التي يلعب النشاط العقلي دوراً حاسماً في الانفتاح عليها والحوار معها ، وتمهيد التربة للتفاعل فيما بينها.علينا أن نتساءل : لماذا انحازت الجماعات الإسلامية المتطرفة إلى فكر الغزالي والذهبي والشاطبي وابن تيمية وابن كثير وابن رجب الحنبلي ومحمد بن عبدالوهاب ، وكرست كل جهودها بالعنف والمال لنشر هذه الثقافة وتوزيع ملايين الكتب التي تقدمها على انها الدين الحق؟. لماذا تعرضت افكار شيوخ عصر التنوير ومفكريه امثال الشيخ الطهطاوي والشيخ محمد عبده والشيخ جمال الدين الأفغاني وقاسم أمين ولطفي السيد للانطفاء ؟ و لماذا تم إنشاء عشرات الآلاف من المدارس الدينية التي كرست هذه الثقافة وانجبت “ طالبان والقاعدة “ واوصلت العالم الاسلامي إلى هذا الحال الصدامي الدامي والعنيف مع نفسه ومع الآخر على حد سواء ؟.يقول المفكر الباكستاني البروفيسور أحمد القريشي عن صناعة التطرف في منطقة واحدة فقط على سبيل المثال من العالم الاسلامي هي باكستان : ( تمثل قصة المدارس الدينية الباكستانية فصلاً مثيراً من فصول الايام الاخيرة للحرب الباردة ، وتبين كيف كان ممكناً لحكومة بينظير بوتو الليبراليــة أن تدخل في تحــالف مع عرابي “طالبان” في باكستان ، وكيف تطوع الاميركيون في وقت من الاوقات ليجمعوا خيرة الناطقين بلغات افغانستان وباكستان وآسيا الوسطى والمستشرقين البريطانيين والامريكيين والعاملين في الاجهزة الاستخبارية ليكتبوا مناهج التعليم الديني ويمولوا آلاف الكتب التي تسترشد بالفقه الاسلامي المتشدد في أروقة جامعات أميركية ، كي يتم طباعتها في المدن الباكستانية .. وبحسب وثائق الخارجية الامريكية دفع مكتب اسلام اباد التابع لصندوق الانماء الاقتصادي الامريكي USAID إلى جامعة نبراسكا مبلغاً وقدره واحد وخمسون مليون دولار سنوياً على مدى عشر سنوات 1994-1984م من اجل إعداد وتعميم كتب اسلامية تحض على التشدد والانغلاق والجهاد).ويستطرد القريشي قائلاً : ( ذات يوم وفي ذروة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية جاء زبيغينو بريجنيسكي فقلب كل شيء رأساً على عقب .. هذا البولندي الامريكي السلس اللسان .. ذو العينين الزرقاوين .. والصوت الهادئ ، مستشار الامن القومي في إدارة الرئيس جيمي كارتر ، خرج بفكرة تبدو إلى اليوم أنها كانت تفعل فعل السحر حين تولت واشنطن مهمة ايقاظ عملاق الحركة الإسلامية النائم والايعاز إلى سائر حلفائها في المنطقة بتسهيل مهمة هذه “ الصحوة “ .. أنه مبدأ بريجنسكي الشهير) .في تقديري ان مرتكبي جريمة الاعتداء على كنائس الاسكندرية وقتل وجرح العشرات من المسيحيين المصريين، لا يختلفون عن المجرمين الذين قتلوا الراهبات في الحديدة والاطباء المسيحيين في جبلة بمحافظة اب ، وجار الله عمر الامين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني فور انتهائه من القاء كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام الثالث لحزب التجمع اليمني للاصلاح عام 2002، لأن جميع مرتكبي تلك الجرائم التي حدثت في صنعاء واب والحديدة والاسكندرية ونجع حمادي هم نتاج ثقافة كراهية أوهمت هؤلاء القتلة بأنهم يتقربون الى الله بواسطة هذه الأفعال المشينة !!.من الصعوبة بمكان إنكار مخاطر الثقافة التي تثير الانقسامات بين المسلمين وتحرضهم على إظهار البغضاء والعداوة ضد غير المسلمين ، وتبيح قتل المدنيين الأبرياء ، وتزعم بان العالم ينقسم الى فسطاط للاسلام وآخر للكفر. ومن الصعوبة بمكان ايضا انكار حقيقة وجود جماعات منظمة ترفع بيارق المعركة “ الفاصلة “ ضد الكفر ، ويجعل امراؤها من انفسهم اوصياء على الدين و العقل والحقيقة ، ومرجعهم في ذلك أفكار تتعارض مع قيم المحبة والتسامح والرحمة التي يدعو اليها الإسلام ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما تلقنه بعض المدارس والكتب السلفية لتلاميذها من تحريض على كراهية وعداوة أتباع المذاهب الإسلامية المغايرة، والديانات الأخرى ، كقول ابن تيمية في كتــاب (أحكام أهل الذمة ) : “ان كل كنيسة في مصر والكوفة والبصرة وواسط وبغداد ونحوها من الأمصار التي مصرها المسلمون، فانه يجب إزالتها اما بالهدم او غيره ، وسواء كانت تلك المعابد قديمة قبل الفتح او محدثة “ او قول ابن رجب الحنبلي بعدم جواز القاء التحية والسلام على اليهود والنصارى ، فإن صادفهم المسلم في الطريق وجب عليه ان ينتحي الى طريق آخر حتى ولو كان ضيقاً وخطيراً، كما يجب على المسلمين ألاّ يساكنوهم ولا يخالطوهم ولايتاجروا معهم، ومن فعل عكس ذلك مات ميتة الجاهلية، او قول الشاطبي “ ان الناجين من اتباع الفرقة الناجية مأمورون بعداوة أهل البدع والتشريد بهم والتنكيل بمن انحاش الى جهتهم بالقتل فما دونه “ أو قول محمد بن عبدالوهاب في كتابه “ الدرر السنية” : ( يحرم السفر الى بلاد المشركين للتجارة إلا أن يكون المسلم قوياً وقادراً على إظهار دينه وتكفيره لهم والبراء منهم وإظهار البغضاء والعداوة لهم ، وإذا لقيهم في الطرق يضطر الاجتناب والابتعاد عنهم الى أضيقها ) !!!؟؟؟ في ضوء ما تقدم يمكن القول ان بعض جذور الاحتقان الذي افرز المشهد المأساوي لكنائس الاسكندرية ونجع حمادي ، ربما يعود ايضا الى جانب من مشاهد المعركة التي خاضها الصحفي المصري عادل حمودة عندما كان نائبا لرئيس تحرير مجلة (( روز اليوسف )) المصرية في بداية تسعينيات القرن المنصرم ضد الداعية الاسلامي زغلول النجار على اثر توزيع شريط بصوته في احدى الجلسات (( الايمانية الدعوية )) مع بعض الشباب (( الصحوي))، حيث دعا النجار المسلمين المصريين الى عدم القاء التحية على المسيحيين المصريين وعدم حضور حفلاتهم التي يقيمونها بمناسبات الزواج والعزاء ، وعدم تناول الطعام في مآدبهم، ولم يكتف الشيخ زغلول النجار بذلك الهراء بل دعا المسلمين المصريين الى اجتناب المسيحيين في حال تصادف مرورهم وجها لوجه في الطريق العام زاعما بأن حديثا نبويا ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم يأمرنا بضرورة عدم مقابلة المسيحي وجها لوجه إذا تصادف ذلك في طريق واحد ، والابتعاد عنه حتى الى ممر ضيق تجنباً لإلقاء التحية حرجاً !!!! ويبقى القول ان بعض الدعاة اسهموا في تسويق ثقافة متعصبة ومنغلقة وضالة تسعى الى ان تفرض علينا دينا مخالفا لدين الله الذي يؤكد على : ( ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين اشركوا أن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيئ شهيد).(الحج 17) ولذلك يصعب تجاهل الخطر الناتج عن هذه الثقافة التي اثبتت الوقائع ان انتصار قيم الديمقراطية والحريات المدنية وحقوق الانسان ، والفوز في الحرب ضد التطرف والارهاب لا يمكن ان يتحققا اذا ظلت ماكنة انتاج هذه الثقافة تعمل بحرية تامة في مجال تزييف الوعي واثارة الكراهية والتحريض ضد المخالفين .
|
فكر
ثقـافة الكراهية صنعت جريمة الإسكندرية
أخبار متعلقة