لندن / متابعات:طالب الدكتور عبدالحميد الأنصاري، عميد كلية الشريعة والقانون السابق بجامعة قطر بالخلاص من عقيدة «احتكار الجنة» والتبرؤ من ثقافة «فجر نفسك وادخل الجنة» اللتين تؤديان إلى انتحار الشباب المسلم بدعوى الجهاد.ووصف هذه المفاهيم بأنها مواريث معيقة للحركة تجاه المستقبل، ولا خلاص إلا بتحبيب شبابنا في الحياة والانتاج، والمعرفة والعلم، وإعلان القطيعة المعرفية الشاملة للينابيع المسمومة التي لوثت عقول أبنائنا وصورت لهم العالم يتآمر ضد المسلمين.وقال في حوار أجراه موقع «العربية.نت» إنه لا أمل إلا في التصالح مع الذات ومع الآخر الحضاري، ولا طريق آخر إلا بالإفادة من الحضارة المعاصرة، بنزع شعارات العداء وبتغيير (ثقافة الكراهية) على منابرنا التعليمية والدينية و الإقلاع عن المنهج «الإقصائي».وأضاف أن مفهوم الجهاد يجب أن لايكون قصرا على القتال، بل يجب أن يتعداه إلى مفهوم العمل والكفاح ومشاركة الأمم نجاحها.وفي سياق آخر قال الدكتور عبدالحميد الانصاري وهو عميد كلية الشريعة والقانون السابق بجامعة قطر إن الانتخابات في العالم العربي لن تحقق الديمقراطية «بل ستأتي بمن هم مناوئين لها كماحصل مع حماس».وقال إن حالة العرب العامة سببها الأساسي، فشل كافة الحلول المطروحة خلال نصف قرن، فشل الحل القومي بطبيعته: الناصري والبعثي، وفشل الحل الاشتراكي، وفشل الحل الإسلامي بنسختيه: الأصولي والمسيس (الإسلام هو الحل)، وزاد الوضع سوءاً.وأصبحت حياة المسلم رخيصة لا تساوي شيئاً، وكل ذلك من أجل هدف واحد لا غير، الوصول إلى السلطة، وهو مرض مزمن مترسخا في التربية الإسلامية.
مرتكب حادث الاعتداء على مساعد وزير الداخلية
وأضاف أن «انعدام المستقبل» أمام شبابنا سببه الأساسي أن الرافدين الأساسيين، المنبر التعليمي والمنبر الدعوي الديني، لازالا يملآن عقول ونفوس شبابنا، في أن استعادة الماضي الزاهر هي أملنا. واستطرد: نحن أمة لا تريد أن تعمل وتجهد وتكافح في ميادين التنمية والانتاج، نعتمد على ما تجود به السماء والأرض. لا نريد أن نجاهد في حقول المعرفة والإبداع والتقنية.وأضاف: إذا أردنا كسب المستقبل، علينا تفكيك بنية (الفكر التكفيري) وتصحيح مفهوم «الجهاد» فالجهاد بالمعنى القتالي مهمة «الجيوش الرسمية» لا الأفراد ولا الجماعات. جهاد الأفراد والجماعات جهاد في ميادين التنمية والإصلاح والتربية والانتاج، ولا يمكن الخلاص إلا بتجاوز أوهام الفكر التآمري العالمي على العرب والمسلمين أوالغزو الفكري الذي يستهدف ثقافة المسلمين، فهذه أوهام العاجزين. واستطرد الدكتور عبدالحميد الأنصاري بأن ما تعرض له المسلمون تاريخيا من فتن وصراعات وانقسامات كان أشد وأعظم، لقد كانت مظالم المسلمين لبعضهم بعضا وعلى مر التاريخ الإسلامي ومنذ الخلافة الراشدة، أعظم من مظالم الآخرين لهم. العرب في ظل الإسلام جرؤوا على ما يجرؤ عليه العرب في جاهليتهم، لقد خربوا الكعبة بالمنجنيق واستباحوا المدينة المنورة وصلبوا ومثلوا بالجثث، و ما نشاهده عبر الساحة من صراعات وتفجيرات دموية ليس بسبب القوى العظمى وإنما هي اندفاع المخزونات القمعية المكبوتة التي اختزنتها الأرض العربية على امتداد نصف قرن بفعل منابر تعليمية ودينية.
د. عبد الحميد الأنصاري
وردا على سؤال عن سر الاستبداد السياسي وبقاء الحكام العرب في السلطة واستئثارهم بها، أجاب الأنصاري: الاستبداد جزء من منظومة الثقافة السياسية للمجتمعات العربية، فسلطان غشوم خير من فتنة تدوم، وقديما شرع الفقهاء لإمامة التغلب (الانقلاب) وجعلوا الحاكم لسيفه الذي يفرض المشروعية، وطلبوا من الأمة طاعته كأمر واقع يجب التكيف معه، وعلى الناس الصبر والطاعة والدعاء للسلطان بالهداية إلى أن يأتي الله بالفرج فيستريح المظلوم أو يموت الظالم.وأشار إلى أن مشاركة الشعوب السياسية منخفضة في معظم الدول العربية على اختلاف في المدى والمستويات في توفير حريات التعبير والنقد والصحافة والانتخاب والترشيح لكن لا تتيح حرية (تداول السلطة).وواصل الأنصاري «أن الإشكالية ليست في وجود المشاركة السياسية بل في فعاليتها؟ فالانتخابات لن تحقق الديمقراطية المنشودة بل القشرة الخارجية التجميلية، وقد أفرزت هذه الانتخابات، مناوئين للديمقراطية، لا يؤمن جانبهم. وعندنا «حماس» في فلسطين التي فازت في الانتخابات ووصلت السلطة ثم انقلبت واستبدت بالسلطة ولن ترضى بالانتخابات، لأن الانتخابات عند الاسلاميين سلم للوصول للسلطة.
مساعد وزيرالداخلية السعودي___المفجر الأنتحاري
وقال الأنصاري إن المناهج العربية عامة لا تفرخ إرهابيين، لكنها تهيئ من عندهم القابلية لأفكار التطرف، ومن ينزلقون إلى أحضان الجماعات المتشددة بسهولة، ومن يمكن توظيفهم وتجنيدهم لخدمة المخططات الإرهابية ضد أوطانهم.وإلا ما التفسير المقنع لسلسلة القوائم الأمنية المتتالية التي تتضمن المئات من الشباب المخدوعين.. ما الذي حبب هؤلاء الشباب في العمل الإرهابي.. ما الذي دفعهم إلى العمل العدائي ضد مجتمعاتهم.. لماذا يضحون بأنفسهم في سبيل أهداف عدمية.. لماذا انقلبوا وتمردوا وأصبحوا معول هدم ضد أوطانهم ونظمهم السياسية.. ما هذه القابلية الفكرية والذهنية لاعتناق فكر الضلال؟.وأجاب على هذه التساؤلات التي أثارها بقوله: إنها المناهج التعليمية التي فشلت في تحصين الشباب ضد أمراض التطرف، والتعليم المأزوم الذي أخفق في تعزيز المناعة الفكرية وتقويتها ضد غزو جراثيم وفيروسات الفكر الإرهاب، فتلك المناهج لاهم لها إلا التحذير من الغزو الفكري الغربي، والعولمة الخبيثة، ومؤامرات الغرب ومخططات التنصير والمبشرين، ولم تهتم تلك المناهج التعليمية في تقوية مناعة طلابنا تجاه الغزو الفكري الداخلي، وغزو الغلو والتشدد والتطرف والتعصب.