رفض الرئيس محمود عباس البحث عن ذريعة لإرجاء الانتخابات. رفض الضلوع في أي محاولة للتأثير على مسارها والتشكيك بنتائجها. خسارة "فتح" التي جاء منها لم تدفعه الى الثأر من "حماس" الفائزة. كان باستطاعته اعتماد الخيار الأسهل، أي ان يجمع أوراقه ويرحل. لم يفعل. تصرف بعقلية رجل الدولة لا بعقلية مناكفات الفصائل. نقطة يجب ان تسجل للرجل الذي التقت الفصائل على استنزاف سلطته. ممارسته غير شائعة في منطقتنا.في كلمته أمام الجلسة الأولى للمجلس التشريعي تصرف عباس من ضمن المنطق نفسه. رفض أن يكون انتصار "حماس" ذريعة لعدوان أو ابتزاز. رفض معاقبة الشعب الفلسطيني على خياره الانتخابي الحر. يمكن القول انه حاول نصب مظلة في وجه التربص الاسرائيلي والضغوط الأميركية والغربية. قدرة هذه المظلة على توفير حماية حقيقية لهذه التجربة الجديدة مرهونة بقدرة الطرف الآخر على ملاقاته في منتصف الطريق أو في نقطة قريبة منها.احترام إرادة الناخبين يعني تكليف "حماس" تشكيل الحكومة الجديدة. لم يتردد. لكنه خاطب الحركة الفائزة بوضوح الرجل المسؤول أيضاً. طالبها بـ "احترام الاتفاقات الموقعة كافة" مع اسرائيل. شدد على النهج التفاوضي كـ "خيار استراتيجي سياسي واقعي". تحدث عن حتمية "وجود سلاح واحد هو سلاح الشرعية" داعياً الى "تطوير اشكال المقاومة الشعبية ذات الطابع السلمي".كان عباس يخاطب نواب "حماس" ويخاطب معهم الرجل الغائب الحاضر. كان يخاطب خالد مشعل سواء كان يتابع الجلسة من دمشق أم من طهران. وأغلب الظن ان مشعل، مهندس العلاقات العربية والاسلامية لـ "حماس" علاوة على أدوار أخرى، شعر بأن تسلم القرار الحكومي يشبه تسلم كرة من النار. لا شك ان رئيس المكتب السياسي لـ "حماس" كان يتمنى انتصاراً من قماشة انتصار "حزب الله" في جنوب لبنان. بمعنى انسحاب الجيش الاسرائيلي على دوي الضربات ثم تسلّم المقاومين الأرض المحررة من دون التزامات أو تعهدات. لكن جنوب لبنان شيء والأرض الفلسطينية شيء آخر.عندما يجتمع المكتب السياسي لـ "حماس" لرسم سياستها في الحكومة يتحتم على مشعل ورفاقه الالتفات الى مسائل كثيرة. حال الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة معاً. مسؤولية السلطة والحكومة حيال الأمن والاقتصاد واستكمال قيام الدولة الفلسطينية. عليهم ان يلتفتوا الى "خريطة الطريق" والتوجهات الاسرائيلية بعد الانسحاب من غزة وغياب شارون. عليهم ان يلتفتوا الى البيت الأبيض وعواصم الرباعية وأن يستمعوا الى نصائح القاهرة وعواصم أخرى من دون ان ينسوا دمشق وطهران واصطدام العاصمتين حالياً بقرارات دولية أو ارادات غربية.يعرف خالد مشعل ان تجربة "حماس" ستتخطى بنتائجها حدود مسرح التجربة على رغم خصوصيته. يعرف أن كثيرين يراهنون على فشل الحركة ويستعدون للبناء عليه. ويعرف ان آخرين يراهنون على تأهيل "حماس" كنموذج للقدرة على تأهيل الاسلاميين الوافدين من صناديق الاقتراع. يعرف ان الحديث عن المرونة مع التمسك بالثوابت لا يكفي للخوض في التفاصيل أو في القرارات الكبرى. ان المسألة تتعدى بالتأكيد الاستعداد لالتزام هدنة وان كانت طويلة. هناك مسألة الاعتراف الدولي والدعم الدولي. البدائل غير متوافرة وغير كافية ان توافرت. ميزان القوى لا يسمح لـ "حماس" ان تشكل حكومة تقود المقاومة المسلحة. أوضاع "حماس" الحالية لا تسمح لها باعتناق خيارات عباس من دون انضاج مواقف الآخرين.ثمة مسائل ملموسة ستطرح نفسها. توفير الرواتب في آخر الشهر. تحريك الاقتصاد الفلسطيني. في المعارضة تكفي الضربات والشعارات والخطب. في السلطة لا بد من خطوات وانجازات وأرقام. وماذا لو قررت حركة "الجهاد" غداً القيام بعملية انتحارية في تل أبيب؟ وماذا لو ارتأت "كتائب الأقصى" ان الهدنة تفريط بحق المقاومة؟المناخ الاقليمي قاتم فعلاً. الصورة العراقية تتداخل مع الطموحات النووية الايرانية. الوضع السوري غير منفصل حالياً عن الاشتباك الايراني مع الغرب. جنوب لبنان لا يستطيع الاستقالة من الملفين السوري والايراني. يعرف مشعل ذلك ويعرف ان "حماس" تسلمت بالأمس قرار الحكومة الفلسطينية وتسلمت معه كرة النار.* نقلا عن صحيفة "الحياة" اللندنية
|
فكر
مشعل ... وكرة النار
أخبار متعلقة