شفاء منصر:هل استطاع الخطاب الديني في وسائل الإعلام المختلفة الوفاء بالمتطلبات الدينية لشهر رمضان؟ من المؤكد أن الخطاب الديني قد اخفق في إعطاء ذلك الشهر حقه .والسبب يعود في رأي د.علي جمعة مفتي مصر العربية في مقالة نشرتها له مجلة العربي بعنوان :(نقد الخطاب الديني في رمضان) إلى وجود أزمة ابتكار في أسلوب الخطاب الديني وأزمة في آليات التعامل مع الواقع المتغير التي توضح نظرة متخذي القرار في تلك الوسائط المؤثرة لمفهوم الدين))..والكاتب في مقالته المذكورة يقيم جوانب السلب والإيجاب في ذلكم الخطاب من معيار الشرع الإسلامي والمفاهيم الإسلامية التي تستفيد من القرآن والسنة وإجماع الأمة بما يمثل هوية الإسلام ورؤيته الكلية للإنسان في الكون والحياة..واذا كان د. علي جمعة قد حرر مقالته التي ينتقد فيها الخطاب الديني لشهر رمضان في سنة ال 2000م وهي فترة ليست بقصيرة كان من المتوقع أن تكون كافية لإحداث تغيير مافي أسلوب وأداء الخطاب الديني العربي إلا اننا نجد أن العكس هو ماحصل تماما اذا لم تهب بعد رياح التغيير بما هو مؤمل تجاه تطوير ذلك الخطاب الذي ازداد اغترابا عن الواقع ربما بسبب ر مرتبة الخطاب الديني من الخطاب الإعلامي ولتداعيات الأحداث العاصفة التي أعقبت عام ال 2000م المعادية لكل ماله صلة بالإسلام والتي حكمت على ذلكم الخطاب بالتهميش والأداء الردئ.ولذلك في تقديري ان الاستنتاجات التي خلص اليها. د/ علي جمعة في نقده للخطاب الديني في شهر رمضان مازالت تنطبق على واقع ذلك الخطاب في الوقت الحاضر ابتداء من الصحافة المقروءة ومرورا بالإذاعة وانتهاء بالتلفاز حيث سنجد ان تلك الوسائط الإعلامية المؤثرة تصور الدين الإسلامي في أذهان الناس على أنه ((جزء منفصل عن سير الحياة وان الحضارة الإسلامية عمل ماضي قد توقف دون إعادة النظر إلى استمرار تلك الحضارة او كيفية إعادة قيادتها..))وتلك الرؤية القاصرة للدين ((تكون متلقيا من نوع معين له إدراك محدود عن الدين وتجعل الشخصية المسلمة قابلة للانبهار بالآخرة عاجزة من الإبداع وما يترتب عن كل ذلك من تداعيات تصل بالمتلقي إلى حالة من الفصام بين العقيدة التي تستقر في الوجدان وبين النظام الذي يعيشه المتلقي لأية وسيلة إعلامية والرؤية التي تستقر لدى المتلقي من جراء استقباله لتلك الوسائل ))واذا كان الخطاب الديني له علاقة بكافة وسائل الإعلام المختلفة .لذلك فان مقالة د. جمعة عن فكرة تطوير سبل هذا الخطاب وتلبية احتياجات العرب والمسلمين والمتنامية ليس إعلاميا فقط ولكن يعرض نظرة مستقبلية للإعلام العربي المتحرر من قيود النظرية .ونعلم جيدا ان الإعلام لم يسهم في بيان أهمية الخطاب الديني والذي حتى الآن لم ينهض بشكل جاد وحقيقي عن طريق مؤسسات أهلية وحكومية فاعلة وقادرة على تحويل اللغة الى سلوك .فقد قرأت لفيلسوفنا الدكتور زكي نجيب محمود مرة قوله : ))يجب ان نحرص على شحن المعرفة بالانفعال لها )) وهذا ما يدلنا عليه إعلامنا اليوم الذي لم يكن رمضان عنده سوى عمل موسمي ومازلنا نقرأ ونتابع ما يظهر من برامج وإسهامات مملة فما عليك إلا إن تغير موقع القناة فقط ليعاد الموضوع نفسه التلفاز الذي يعد الا كثر انتشارا والاقوى نفوذا وتأثيرا . فما يقدمه من خطاب ديني في رمضان يتنافى تماما مع روحانية هذا الشهر الكريم الذي تقدم فيه عشرات المسلسلات والأعمال والبرامج غير الدينية التي يتم عرضها للصائم بالليل والنهار حتى أصبح شهر رمضان شهر تقديم اغلب الأعمال الدرامية والترفيهية من دون منازع.وما اذا تم عرض بعض المسلسلات الدينية فهي كما يرى د. جمعة ((توقف الإسلام على عصور بعينها مع سذاجة العرض وفساد المضمون في الأغلب الأعم)) فمثلا حينما يتحدث الإعلام العربي عن حروب الردة يتم بشكل طفيف ولا يذكر ما تلاها من انقلابات اجتماعية فمازلنا لانعرف حتى الان ما الذي فعله أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو اول من جمع حفظهةالقرآن وأعاد كتابته بعد مقتل عدد كبير منهم في حروب الردة وهم اكبر العلماء والمؤرخين الذين نقلوا عن رسول الله حتى هذه اللحظة.أيضا موضوع رحلة الكتاب الذي كان يسافر وهو مخطوط من أقصى بخارى وسمرقند إلى موريتانيا والأندلس لم يتحدث احد عن هذا الدور لافي مسلسل ولا فلم وثائقي ولا ندوة فكرية او علمية او دينية فهل قدم الإعلام العربي شيئا من هذا القبيل لأمة لم يعد يوحدها موقف واحد من الثقافة والحياة والناس .لقد أصبح إعلامنا لايزيد عن كونه بوقا كبيرا ولتسمع الدنيا.. اشترينا القمر الصناعي من فرنسا وأسميناه عرب سات والهند الفقيرة صنعت القمر الصناعي ونحن مازلنا نتحدث عن انجازات وانتصارات قد أكل عليها الدهر وشرب .وذا كانت الخدمات التي تقدمها الإذاعة والتلفزيون من آذان ونقل الصلوات وإذاعة القرآن تعطي جوا لشهر رمضان تجعله متميزا عن باقي الشهور على حد رأي د. جمعة فيمكنني القول إنه لولا تلك الخدمات لما أدركنا إننا في شهر رمضان فالجو الذي يطغى على هذا الشهر ( جو ثقافي أكثر منه ديني ) ولعل مايقدمه التلفاز من خطاب ديني ركيك ينطلق من أفكار متأصلة لدى كل من يشارك في خروج أي عمل يقدم إلى الناس ومشكلة تلك الأفكار كما يقول د. علي جمعة إنها تتعامل مع الصيام على انه عادة اكثر منه عبادة وان الصيام حرمان وبالتالي لابد بعده من ترفيه يعوض كل ما كان في النهار ويقدم لكل الصور مسلسلات أفلام فوازير .. الخ ))وهذه الأفكار تنطلق من ( حالة معرفية) يعيشها القائمون على انتاج هذه الأعمال ابتداء من سلسلة التنفيذ وحتى متخذي القرار او واضعي السياسة لمحطة التلفاز.. وتتميز هذه الحالة المعرفية كما يقول د. علي جمعة بأمرين وإنها مسيطرة بحيث يصبح إدراكها مفسرا لكل مايصدر عن الإعلام عامة والتلفاز خاصة . وهذا النموذج المعرفي يؤمن بالنسبية المطلقة حيث يصبح الدين احد الخيارات وليس بحثا عن الحق وتحصيلا للحقيقة وهذه الحالة يترتب عليها عدم جواز ادعاء انحصارا الحقيقة لدى الإسلام ولا يحق لأحد ان يزعم استئثاره بالحقيقة كما يؤمن هذا النموذج بأن الحرية وليس الالتزام أصل التعامل بين الناس او الكون مما يترتب عليه اختلال في مفهوم الحرية .ومكونات النموذج المعرفي ( الشائع والمسيطر) على متخذي القرار وسلسلة التنفيذ يجعل الخطاب الديني الإعلامي _خاصة التلفاز_ والكلام مازال للدكتور علي جمعة يسبب أزمة الرفض وعدم التعامل بين المتلقي وبين الجهاز ويسبب أيضا ضائقة بين الحيرة وعدم الرضا تتسع حتى تصل إلى ضلال الإرهاب والعنف غير المبرر وتضيق حتى يفقد الملتزم بدينه وغيره توازنه وقدرته على الابتكار والإبداع.
|
ثقافة
الخطاب الديني وأزمة التعامل مع الواقع المتغير
أخبار متعلقة