أضواء
اليائسون من وضع العراق أكثر من المتفائلين، والسبب يعود للمشهد العام في التقاتل الداخلي والهجرة غير المسبوقة لشعب عانى الحروب والتشرد، ثم الاهتزاز الأمني والذي تسبب في كل ذلك احتلال العراق الذي لازال الرئيس بوش يفاخر به ويعدّه من مفاخر تاريخه وبلده.. اجتماع المصالحة، نراه في أحسن الأحوال مقدمات، لنتائج مجهولة، لكن الخطوة جيدة إذا ما أزيلت العقبات وخاصة الممتنعين عن الحضور، ثم السعي لإغلاق منافذ الخلافات.. وحتى لا يسود الوهم، فإن وجود سفراء عرب، أو زيارات متبادلة مع إيران على أعلى المستويات، أو هدنة مؤقتة في الشمال مع تركيا، هي إجراءات عادية لا تلغي الدور الداخلي والمهم للمصالحة.. فالقرار يبقى عراقياً ومن الشجاعة أن يلتقي الخصوم، ويكشفون دفاترهم بشكل واضح وينطقون بالحقائق دون تزييف، ثم من خلال الفجوات المتباعدة يمكن للحوار أن يقرِّب الأفكار ويطرح البعد الوطني كبديل متوافق مع وجود القبلية والحزبية والطائفية، لكن لا تبقى هي مَن يحدد الهدف أو يصنع المستقبل، وحتى مع عسر المواجهة على اعتبار أن الصراعات المتراكمة من خلال تاريخ طويل لا يمكن التغلب عليها، فالبدائل ليست الحرب، والدليل أن كل الذين تقاتلوا بنفس المبادئ استطاعوا صياغة عقد اجتماعي ودستور يحفظ للجميع الحقوق المتساوية أمام القانون.. وحتى لا يكون هناك خلط بين الحلم، والواقع، فإن رجال العراق في الداخل أو الخارج ومن لديهم الاستقلال بالرأي والفكرة، والنزوع نحو وطن متكامل القوى البشرية والاقتصادية، مع الاحتفاظ بحقوق كل الفئات، يمكن أن يطرحوا السؤال المفتوح، لمن الوطن ومن يستحق حمل هويته؟ وهل يتناسب التقطيع مع مرادف آخر هو الفيدرالية، أم أن تحديد الصورة الشاملة يمكن أن يتم من خلال اجتماع وطني شامل، شرط أن تبقى الشجاعة قائمة بحيث يتنازل كل طرف عن شروطه المستحيلة، وأن لا يكون للاستقطاب الخارجي، أو الانتماءات العرقية والطائفية الدور الفارض على الجميع لغة التعارض، ثم لما هو أسوأ من ذلك؟ .صحيحٌ أن العراق يجسد المأساتين العربية والإسلامية، ويعكس صورتهما بتوتراتهما وخلق الصراعات من عدم، لكن يمكن عزل الماضي عن الواقع، وخاصة حالات التوتر التي سادت الجماعات والأفراد، منذ تكوين الدولة الحديثة بعد الجلاء البريطاني وحتى اليوم، والمشكل أنه قبل الانقلابات ومأساة فلسطين كان النموذج في التعايش العراقي مثالياً، أي أن المراكز العليا في الدولة وحتى الأحزاب ظلت تتقاسمها قوى لا تميز بين مسيحي، أو يهودي، أو مسلم، كردي أو عربي، ونفس الشيء في البرلمان والصحافة، ورجال الفكر والأدب، لكن ما أحدثته الانقلابات مما يسود عربياً حتى الآن ظل البعد الصعب في خلق معادلات وطنية تتعالى على كل شيء.. تعافي العراق ممكن، ولا يوجد مستحيل في مسيرة الشعوب والرجال الأفذاذ، وإمكانات هذا الوطن التاريخي والعريق في كل شيء يمكن أن تعيد تلاحمه طالما لديه قابلية العيش بدرجات قد تسبق حتى الدول الأكثر غنى، لأن ثرواته ليست فقط في مخزونه الحضاري والنفطي وبقية الثروات الأخرى، لكنها في شعبه الذي قدّم للعالم أكبر برهان في خلق الحضارة من عدم..[c1]* عن/ صحيفة “الرياض” السعودية [/c]