ضحية التفكك الأسري
القاهرة/14اكتوبر/ وكالة الصحافة العربية:بشكل يومي.. نراهم يركضون أمام محطات النقل العام وعلى الأرصفة خاصة في الأماكن والميادين المزدحمة.. أطفال في عمر الزهور.. ألقت بهم أسرهم خارج جدران المنازل والبيوت.. بعد أن تجرد والديهم من قلوبهما وتخلصا منها وألقوها في أقرب مقلب للزبالة.. هؤلاء الأطفال نشاهدهم بيننا ونعطف عليهم في أغلب الأحيان لكننا لم نجد عبارة أو كنية صحيحة لنطلقها عليهم.. البعض أطلق عليه أطفال الشوارع والبعض أسماهم عصابات الشوارع وأيا ما كان المسمى وقسوته أحياناً إلا أن هؤلاء الأطفال يتزايدون يوماً بعد يوم.. دفعتهم ظروف الحياة إلي الهروب إلى الشارع لعلهم يجدون فيه ما لم يجدوه في أحضان أسرهم.. فأصبحوا يمتهنون التسول أو السرقة أو بيع المناديل الورقية وغيرها من السلع البسيطة.. لجني بعض النقود القليلة.خالد يبلغ من العمر 16 عاماً التقيناه في محطة السيدة زينب حيث وضع أمامه علبة كبيرة الحجم رمي فوقها ولاعات وأحجار بطارية وبعض الميداليات وعلب مناديل وأشياء أخري كثيرة.. توجهنا إليه وسألناه.. ماذا تفعل هنا؟ هل لديك رخصة؟ خاف في باديء الأمر واعتقد أننا ربما نكون أعوان للبلدية سنقوم بعملية حجز بضاعته.. فقال: تركت الدراسة وأنا في السنة الخامسة الابتدائي لأن عائلتي مكونة من 7 أفراد ووالدي يعمل حارسا ودخله لا يفي باحتياجات الأسرة . وهو بهذه الطريقة يساهم في مصاريف الأسرة حيث يتحصل في اليوم في أسوأ الظروف علي خمسة جنيهات، وقد بدأ نشاطه هذا قبل عام تقريبا، واليوم أصبح له زبائن دائمون ويسعي إلي توسيع نشاطه بإحضار بضاعة أخري كأكواب الزجاج والأطباق الخزفية وبعض الأدوات المنزلية حتي أتمكن من زيادة العائد من هذه التجارة لأن الحياة أصبحت صعبة جداً هذه الأيام وأحياناً يعطف عليه البعض باعطائه بعض المال دون أن يأخذ شيئا[c1]في انتظار التربح[/c]الوجه الآخر لأطفال الشارع كان فتحي .. طفل في الثالثة عشرة من عمره اختار منطقة الإسعاف ليعرض كمية من الحقائب اليدوية النسائية وبعض الأحذية والصنادل قال: إنني لم أجد مهنة أخري أحصل من خلالها علي المال ويقول: بدأت هذا العمل منذ أكثر من عامين وأنا في الصف السادس الابتدائي ولم يعقني هذا العمل عن استكمال الدراسة فأنا الآن في الصف الأول الإعدادي لأنني رسبت سنة عندما توفي الوالد ومرضت الوالدة بعد ذلك مرضا شديدا ولم يكن هناك عائل لي ولإخوتي سوي الله فقررت أن أخوض هذا المجال والحمد لله فإنه يحقق لي بعض النقود أعود بها كل يوم إلي المنزل مساء وهذا يملأ قلبي سعادة وفرحا فأنا لم أتخل عن دراستي وفي الوقت نفسه أكسب مالا وإن كان قليلا.. وعن تطلعاته قال: إبني أريد أن ألتحق بأحد المعاهد الصناعية ليتعلم حرفة أستطيع أن يعملها بعد تخرجي.[c1]المناديل فقط[/c]في إحدى إشارات المرور المزدحمة بالقاهرة تجدهن ثلاث بنات في عمر الشباب بلاغيين أصحاب السيارات.. من أجل بيع علب المناديل.. سألت إحداهن.. قالت: اسمي سوسن وهذه أختي حنان وبنت عمي أمل نعمل من السابعة صباحاً حتي الثالثة ظهراً فقط لأن المكان بعد ذلك مخصص لبائعين آخرين من الرجال.. ونحن والحمد لله نكسب قوت يوميا من هذه التجارة ولكن ارتفاع الأسعار جعلتا لا نجد ما نشتري به البضاعة لبيعها كما أن صاحب السيارة الذي كان يشتري ثلاث علب مرة واحدة لا يشتري سوي علبة واحدة وأصبح الأمر صعبا للغاية خاصة أننا تركنا تعليمنا وخرجنا من المدارس وكأن قدرنا هو أن نبيع المناديل.. المناديل فقط.لا شك أن هذه النماذج حتي الآن تعد نماذج مشرفة أما الوجة الآخر فهم الذين يعملون في التسول وغالبيتهم من الأطفال صغار السن والذي يرجح أنهم ومقوا فريسة وضحية لعصابات منظمة يتم توزيعهم في أماكن متفرقة خاصة في الأحياء الراقية بالمهندسين والمعادي وجاردن سيتي والزمالك والدقي والعجوزة.. لأن الهدف هو الحصول علي المال.. ويظهر هؤلاء في حالة شقاء وبؤس يستخدمون كل وسائل الاستعطاف طالبين ثمن رغيف خبز يسد الرمق وهذه العملية تتكرر كثيراً وفي كل الفصول وكل الأوقات.. والغريب في الأمر أنه بدلا من أن نوجه هؤلاء إلي طريق آخر غير التسول نجد المعظم من الناس يدفع لهم ويساعدهم ولو بحثنا عن أول الأسباب التي دفعت هؤلاء الصغار إلي التفكير في فرص عمل مؤقتة سنجد أكثر من دافع كما تقول د. سامية الساعاتي أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: أهمها الجانب العائلي والأسري وهو سيد الموقف حيث تبرز ظروف اجتماعية صعبة تنسحب علي أطفال المناطق الشعبية والأحياء العشوائية.. فنجد هؤلاء الأطفال يتركون دراستهم قسرا ويسلكون طرقاً أخري ليحولوا بين عشية أو ضحاها إلي متسولين ومشردين وبائعين ومحترفي سرقة ونشل، المهم أن يحصلوا علي المال بأية طريقة ليجدوا لأنفسهم مكاناً في هذه الحياة.[c1]الشارع يعني الانحراف[/c]ويقول د. يحيي الرخاوي أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة : إن الظاهرة امتدت لتتحول إلي معاناة مع شيء من الانحراف فالسلوك الذي يكتسبه الأطفال واحتكاكهم بالشارع مآله في النهاية الانحراف حتي وإن كان هناك عمل فالعمل في مثل هذه القطاعات وعرض البضائع والتمرر وسط رداءة الطقس وانعدام الحماية والرعاية الأسرية سيفرز بالتالي ميولا إلي النشل والسرقة ولما لا تكون العصابات! وهنا الأمر في غاية الخطورة علي المجتمع لأن المسألة قد تتحول أيضاً إلي أعمال إجرامية.ويقول أيمن حلمي إخصائي اجتماعي : إن ظاهرة انتشار أطفال التسول أو حتي العمل في سن كان من الأجدر فيها أن يكونوا علي مقاعد الدراسة هي في الغالب تثير الاشمئزاز والعطف أيضاً وكأنها نعكس انهيار المجتمع وقلة الرعاية والاهتمام وأنا أتساءل عن الرقابة والسلطة هنا ؟ لابد من تفعيل دور الجمعيات الأهلية وبعث المؤسسات التي تعني بالشرائح الاجتماعية الضعيفة وتكوينها ولم لا تدمج في الحياة المهنية بشكل رسمي.. فالواضح أن العائلات المصرية خاصة في هذه الفترات العصيبة التي تقاتل فيه من أجل رغيف العيش فقدت مقوماتها من بينها الأطفال وانعكس بشكل صارخ علي تحقيق قفزة هائلة في ظاهرة التسول.. أو ما شابهها من تصرفات تشوه القيم الاجتماعية وهنا لابد من تركيز الحوار بين الناشطين في الحياة الأهلية والعائلية.ويري د. محمود خليل أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أن ما يشهده العالم اليوم من تحولات عميقة وسريعة في شتي الميادين وما يطرحه علينا باستمرار من تحديات بأن يدفع سائر العاملين في قطاع الطفولة إلي تجديب برامجهم وتطوير أساليب عملهم لمواكبة الاهتمامات الجديدة لمجتمعاتنا ومسايرة نمو حاجات أطفالنا وتنوع مشاغلهم ونمو رغباتهم والدخول في شراكة ناجحة من أولياء الأمور والمربيين أن حقوق الطفل ليست هامشية أو وليدة اللحظة بل نفرضها النشأة وتمتد داخل الأسرة.