أضواء
ثلاثون عاما والمرأة السعودية لم تدخل الأندية الأدبية، لا في المشاركة ولا في الحضور، أي أنها كانت غائبة تماما عن هذه المؤسسات الثقافية التي أخيرا اعترفت بأن المرأة كائن له اعتباره يُمكن أن يستحق لقب (مثقف) ويُمكن أن تكون عضواً في نادٍ أدبي ما، أخيراً تم الاعتراف، إذ تم إنشاء لجان نسائية تحتوي النساء المثقفات من شاعرات وكاتبات وصارت المرأة شريكا للرجل في الأنشطة والفعاليات والحضور، لكنها في النهاية تحت ظله وأقل منه. لذا فإن هذه الخطوة لم تأتِ بالشكل الذي يرضينا كنساء، إذ إن المرأة مازالت تقبع تحت سلطة الرجل وأوامره، ومحرومة من المشاركة في إدارة هذه الأندية وفي أن تكون صاحبة قرار، هذه هي الحقيقة برغم وجود بعض المسميات الرنانة كرئيسة لجنة أو رئيسة قسم وما شابه ذلك، لكنها تظل مسميات (نسائية) لا تعدو صورة (زوجة الفارس) في الثقافة العربية، التي تترأس عدداً من النساء من خلال كونها رئيسة لجنة (نسائية) وليس لديها ما تديره أصلاً إلا أشياء صغيرة محصورة في نطاق ضيق جدا. هذا هو الإقصاء عن الفعل والتأثير الحضاري للمرأة الذي تحدثت عنه في مقال قبل حوالي أربع سنوات ويبدو أن هذا الإقصاء ما زال مستمراً حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.مع هذا كله، ومع أن هذا الحضور لم يأتِ بالشكل المرضي ولا بالمنهجية الصحيحة التي يُفترض أن تنتهجها مثل هذه المؤسسات الثقافية التي ننتظر منها دوراً إصلاحياً اجتماعياً مؤسساتياً كبيراً. في مقابل هذا الإقصاء تأتي بعض النساء ليسئن لقضيتهن أكثر من خلال افتعال معارك شخصية نرجسية مع رؤساء الأندية بحجة تغييب المرأة! مع الأسف ما زلنا نصدم بتصرفات غير مسؤولة بعيدة عن العقلانية والمنطقية تقوم بها بعض النساء التابعات لهذه المؤسسات، وما نسمع ونقرأ من سُخف التصريحات وسفاهة الكلام الذي يسيء للمرأة السعودية المثقفة قبل أن يسيء للرجل القائم على هذه المؤسسة، فإن كان بعض الرجال مازالوا يعيشون بعقلية (الذكر)فإن المرأة الواعية دورها الإسهام في تغيير هذه العقلية، وهذا لا يتم بالصراخ والكلام غير المسؤول بل يتم بالحجة والمنطق والفكر الواعي، لأن الصراخ لن يعيد للمرأة حقوقها المسلوبة، ولن يمنح المرأة حقها كاملا في الأندية الأدبية. هذه الفئة من النساء لم تستوعب بعد أننا كنا نعيش على الهامش ولن ينفعنا الدخول في مثل تلك الصراعات الشخصية.الوصول للحقوق يجب أن يُدار ضمن خطة محكمة، وأدعوهن للاطلاع على تجارب النساء القريبات منا في الدول العربية واللاتي لم يحصلن على حقوقهن بالصراخ وإثارة المشاكل الصبيانية، بل حصلن عليها بالحكمة والتفكير الرزين وزرع الثقة في عقولهن وتصرفاتهن، ومازلت أتذكر تلك الجملة التي قالتها لي إحدى عضوات البرلمان الأردني، في ردها على سؤالي حول كيفية وصولها لهذا المقعد بالتصويت مع أنها تعيش في مجتمع قبلي لا يعترف بالمرأة، قالت لي: (نجحت لأني اقتربت من زميلي الرجل واستطعت إقناعه بأني مكملة له ولن آخذ منه مقعده).. نعم، نجحت بالحصول على مقعد في البرلمان بذكاء ودهاء المرأة، اقتربت من زميلها بالحجة والكلمة الحسنة ومطالبتها بحقها بالحسنى، وهاهي حصلت على حقوقها ونالت المقعد الذي عاشت لسنوات تتمنى الوصول له. هنا مربط الفرس، ومن هنا تبدأ المرأة بالمشاركة الاجتماعية والثقافية وحتى السياسية، إذا عملت بهدوء، وابتعدت عن (عقلية الحريم) وهذا لا بد له من هذا التساؤل، كيف نريد أن يدعمنا شقيقنا الرجل ونحن ننفره منا؟ هذا السؤال ينبغي أن يوضع في لوحة معلقة على بوابات الأندية الثقافية، لأنه وبعد هذا كله لن نستطيع أن نلوم الرجل إذا ندم على دخول المرأة لمؤسسات استأثر على مقاعدها سنوات طوال. [c1]* عن / جريدة «الجزيرة» السعودية[/c]