إعداد/ دفاع صالح ناجي الحربيعلى الرغم من أن الفكر السياسي اليوناني القديم كان يتسم بالرومانسية والأفكار الخيالية التي لا تلامس الواقع. إلا انه كان يعتمد على الآراء والنظريات الفلسفية ويعتبرها مرجعاً له، وأظهر لنا تاريخ المجتمع اليوناني القديم حالة النظام السياسي ومراحل تطوره إذ تمثل ذلك بإقامة دولة المدينة التي مثلت مرحلة تاريخية انتظمت فيها علاقات ومصالح أفرادها.وكان للفكر السياسي اليوناني القديم نتائج ودروس ذات أهمية كبيرة لعل أهمها ما يتعلق بواقعنا الراهن، ومنها مثلاً:- أن الإنسان بمفرده لا يستطيع أن يلبي المتطلبات والحاجات الضرورية، ولا يستطيع كذلك حماية ممتلكاته بمفرده، ولابد من وجو نظام لتبادل الخدمات وللتوافق بين مختلف الحاجيات للفرد والمجتمع. ولذلك فقد اعتبرت العائلة بمثابة الخلية الأساسية في أي مجتمع، ومنها تبدأ عملية توسيع المجتمع من خلال حلقاته الأوسع.- أن الدستور هو الذي يعطي للناس فرصة المشاركة في الحياة السياسية باعتباره مرجعاً ومنطلقاً لنشاط المجتمع ومصدراً للقوانين، كما اعتبر القانون بمثابة التعبير الفعلي لتحقيق وتلبية متطلبات وحاجيات أفراد المجتمع حيث وصف القانون بحسب فكرة أفلاطون بأنه أسمى مافي الدولة وهو شبيه بالعقل والإدراك.- ضرورة وأهمية إقامة الدولة التي تمثل مصالح المجتمع وتعمل على تنظيمه، وكانت فكرة قيام دولة الفلاسفة لتنظيم العلاقات بين الحاكم والمحكوم وعلى أن يكون الحاكم ممن يتمتعون بالمواهب والحكمة وبعد النظر، ويكون من الطبقة الارستقراطية التي تتمتع بنفوذ وإمكانيات تؤهل لقيادة المجتمع، على أن الدولة العادلة الفاضلة (المثالية) لا يمكن أن تنشاء دفعة واحدة بل بالتدرج على أن يسبق ذلك جملة من الإجراءات أهمها:- الفصل بين المصالح الخاصة والمصالح العامة وكذلك الممتلكات.- إزالة الفساد الكامن في نفوس الناس واعتبار الإنسان أساس كيان الدولة.- نشر التربية والتعليم والزاميته واستيعاب المعارف العلمية ونشر الوعي والثقافة، وتوصل (ارسطو) إلى استنتاج مفاده بأن أفضل نوع من الحكومات هي الدستورية التي تتكون من خليط بين الديمقراطيين (متوسطي الحال) والاوثيجاكيين (الأغنياء).- إن العدالة هي رباط المجتمع وأساس بنائه وإن من خصائص العدالة تركيزها على مسألتين:أ - ما يخص الفرد ويتمثل بالنشاط والفعاليات التي يقوم بها وتؤثر في المجتمع وفق قدراته.ب - ما يخص الوظيفة العامة ويتمثل بتشجيع جميع أفراد المجتمع للعمل النافع ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب.- إن الفساد الإداري وفساد الحكم وإهدار الثروات ونزعات الحروب هي أسباب عدم استقرار الأنظمة، وهذا ما حذر منه الفكر السياسي اليوناني القديم.إن الأفكار التي تميز بها الفكر السياسي اليوناني القديم قد أصبح الكثير منها حقيقة واقعية في عصرنا الحديث، بل وضرورية ومنها مثلاً:- إن فكرة (أرسطو) حول سيادة الدولة وضرورة وجود ثلاث سلطات (تشريعية وتنفيذية وقضائية) مع مبدأ الفصل بينها منعاً للاحتكار، قد أصبحت واقعاً في معظم دول العالم. إن فكرة تحول الطبقة الديمقراطية إلى طبقة غنية بفعل وصولها إلى السلطة وبسبب مغريات الحياة وضرورياتها.. لم تعد مجرد فكرة بل حقيقة نلاحظها على الواقع.الأفكار التوسعية الرامية إلى توسيع رقعة الدولة على حساب الدولة أو الدول المجاورة لها أو حتى البعيدة عنها عن طريق الحروب هي في الواقع ملموسة من خلال سلوكيات وسياسات بعض الدول وحتى بعض القبائل والعائلات.> حالات الكبت لكثير من الأفكار والرؤى المستنيرة ومنها ذات الطابع التقييمي النقدي، أصبحت تلك الحالات تشكل حضوراً فعلياً على الواقع الراهن مثلما حصل للفيلسوف (أفلاطون) الذي اضطر للاحتفاظ بآرائه بعد إعدام ( سقراط).> مبدأ تقسيم المجتمع إلى ثلاث طبقات من حيث تحمل مهام الدولة، مبدأ معمول به الآن مع اختلاف نسبي في التسميات والاصطلاحات والتي هي:- الحرفيون والعمال الذين يبدون حاجيات المجتمع، يشار إليهم الآن بـ (منتجي الخيرات المادية).- الجنود الذين يقومون بوظيفة حماية الدولة، يشار اليهم الآن بـ (المؤسسات العسكرية والأمنية).- الحكام، يشار إليهم اليوم بـ (القيادات السياسية والإدارية).- وعلى الرغم من الترابط والتداخل بين تلك المسائل التي تميز بها ذلك الفكر السياسي، إلا إن من بينها مسائل كثيرة تنطبق على الواقع الراهن، بل وتعتبر من ضرورياته، فمنها مثلاً:- إقامة الدولة المدنية (الغنية) على أن يبدأ بالتخلص من حالة الترف عند الحكام في الدول القديمة والقضاء على الفوارق الشاسعة بين الأغنياء والفقراء ويتم ذلك عبر تربية الحكام واستيعابهم للمعارف السياسية، وعلى أن يكون الحاكم من أصحاب الخبرات وذوي الحكمة واليقظة واستيعاب متطلبات أفراد المجتمع حتى تكون الدولة عادلة ويتم فيها قياس إمكانيات كل فرد. وهذا ما حددته فكرة (أفلاطون) حول النمط الثالث من أنماط الدولة.- العمل من أجل تهذيب النفس عند الفرد والنظر إلى الدولة بأنها شراكة بين جميع أفراد المجتمع على أن تقوم (الدولة) برعاية المجتمع وصون كرامته وان تمثل الكل وليس الجزء من منطلق المبدأ الأخلاقي الذي اشترطه (أرسطو) وان ترعى مصالح أفراد المجتمع وتحقيق نهوضه وتطوره.- سن القوانين بما يتناسب مع الأعراف والقيم والعادات والتقاليد المستنيرة للمجتمع ورفض سلطة الأوامر الاستبدادية.- أهمية الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال خلق روح التعاون والتكافل وتطوير المهارات ودفع أفراد المجتمع للعمل من أجل تحقيق متطلباته.- تعزيز الممارسة الديمقراطية المباشرة التي أرسى دعائمها الفكر السياسي اليوناني القديم وأعدم في سبيلها الفيلسوف (سقراط) عام 399 ق. م.- الاهتمام بالمسائل الحيوية التي ركز عليها الفكر السياسي اليوناني القديم المتعلق ببعض قيم الأخلاق مثل (تنمية القيم الأخلاقية والسلوكية، محاربة الظلم، توفير العمل، تحقيق العدل، التعاون والتكافل الاجتماعي والتكافل بين أفراد المجتمع والقبول بالآخر).هذه هي أبرز الاستخلاصات والدروس المستفادة من الفكر السياسي اليوناني القديم، وما يلاحظ منه في واقعنا الراهن .
|
ثقافة
الفكر السياسي اليوناني القديم واحتياجات الحاضر والمستقبل
أخبار متعلقة