نعمان الحكيم لعل أجمل ما كتبه الشاعر الوطني الكبير أحمد الجابري قد تمثل بقصائد وطنية وغنائية جذبت إليها الفنانين والملحنين من أقصى الوطن إلى أقصاه ونذكر من روائعه الوطنية ( لأجل اليمن) التي انتشرت سريعاً ولاقت قبولاً كبيراً رغم ما فيها من رموز سياسية تتحدث ضمناً عن واقع اللحمة والتشطير الذي زال وعودة الفرع للأصل من منظور تاريخي أكده إمام اليمن الأسبق في ثلاثينات القرن الماضي بقوله وهو يتحدث عن مستعمرة عدن: « إن مستعمرة عدن هي الواجهة البحرية لليمن في حدوده الطبيعية» ... هكذا كانت الرؤية الواحدة لليمن الواحد ولم يقم ( الإمام) ببيع مستعمرة عدن للانجليز الذين خيروه يعوضوه بلحج بدلاً من عدن فلم يقبل. أقول هكذا كانت رمزية احمد الجابري التي تغازل الفرع والأصل وقد جسدها بملحمة قصيرة المضمون كبيرة وعظيمة المعنى والإرث الحضاري والتاريخي ... وهكذا كانت الحان وحنجرة الفنان الكبير كبر شمسان وعيبان أيوب طارش عندما أوصلها إلينا لحناً وصوتاً نتغنى بهم ونتمايل طرباً وكيفاً وعظمة .. إنها الملحمة الخالدة للأديب الرائع احمد الجابري الذي اختار اليوم الهجرة إلى الداخل بما يحاكي الطيب صالح في روايته (موسم الهجرة إلى الشمال). فالجابري صاحب ( يامركب البندر) التي لحنها وغناها موسيقارنا الراحل احمد قاسم لم تزل ترن في الأذهان وتخلد في القلوب منذ كنا صغاراً حتى يومنا هذا الجابري الذي فضل الهجرة الداخلية هروباً ربما من ضوضاء المدينة و( قناديلها) التي ( تضوي لمن) وفضل (الراهدة) مدينة التجارة وملتقى التجار منذ أزمان بعيدة وهي مدينة هادئة وادعة تقع بالقرب من منطقة ( الشويفة) التي ربما هي مسقط رأس الشاعر إن لم تخني الذاكرة ... ولهذا يكون للاختيار مكانه في نفسه تمكنه من الراحة والهدوء بعيداً عن واقع عاش فيه ودرس وعلم وقدم الأشعار والمقالات والنصائح حتى غدا اليوم في زمن لا يعرف أو يعترف بالكبار بل واتى آخرون ليستولوا على كل شيء على حساب العمالقة المؤسسين .. اللهم لا شماته!. الحيز لا يتسع لقامة كبيرة ولاستعراض مكنون كنوزها لكننا فقط نشير للتذكير وليعلم أهل الثقافة أن شاعراً كبيراً كالجابري جدير بأن يكون له ديوانه الذي يضم أعماله الكاملة وهو حي بيننا .. وما ذلك بكثير عليه لأنه يستحقه وفوقه بوسه على الجبين .. ولمن كل هذي القناديل التي تركتها ياجابري في عدن؟!.
أخبار متعلقة