من الاراء السائدة والمشهورة عن السياسة الخارجية السعودية، والتي يجدها الانسان حتى في بعض المطبوعات الرسمية السعودية، فضلاً عن مقالات ودراسات تنشرها الصحافة السعودية، «ان السياسة الخارجية السعودية تمسكت على الدوام بصفة الثبات وعدم التغير، وبقيت محافظة على نهجها منذ تأسيس الدولة السعودية على يد الملك عبدالعزيز وحتى اليوم». هذا الرأي في السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية هدفه في الاساس الثناء على هذه السياسة وتأكيد صفة الاستقرار السياسي الذي تعيشه السعودية منذ تأسيسها، لكنه في واقع الامر يسلب هذه الدولة وسياستها الخارجية حقاً مهماً وهو النمو والتطور، فالمراقب للسياسة الخارجية للمملكة يجد انها شهدت في السنوات الاخيرة نقلة نوعية في استراتيجيتها وصلت مداها في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فانتقلت السياسة الخارجية السعودية من اسلوب الانتظار والترجيح الى المبادرة والتغيير، وتبعاً لهذا التغير الجوهري تغير تعاطي الآخرين مع هذه السياسة، ففي السابق كان السؤال الذي يطرح عند كل ازمة اقليمية هو «ماذا نريد من الرياض؟» كأن السعودية مجرد ممول لحل الأزمات، اما اليوم فالسؤال اصبح «ماذا تريد السعودية؟»، وهذا الزهد في النزول الى ساحة المبادرة والتغيير لم يكن ناتجاً عن غياب عناصر هذا الدور، وانما لأن الدور المطلوب من السياسة الخارجية في الماضي كان يتطلب هذا النوع والقدر من التحرك.هذا ليس كل شيء فانتقال السياسة الخارجية السعودية من الترجيح الى المبادرة والتغيير لم يكن التغيير الوحيد الذي طرأ على السياسة السعودية الهادئة، فهذا التحول فرضه تحول اشمل واوسع هو اتساع وتطور نظرة السعودية الى دور السياسة الخارجية. ففي السابق لم تكن الرياض تتعاطى مع سياستها الخارجية من منظور امني داخلي، واقصى ما تصل اليه السياسة الخارجية في مسألة الامن هو أمن الحدود، لكنها اليوم اصبحت تتقاطع مع الامن الداخلي في شكل جلي، بل ان هذا الاخير هو الذي يفرض معظم تحركاتها، ولهذا لم تعد السياسة الخارجية معزولة عن متطلبات الداخل، وهذا التغير في دور السياسة الخارجية ليس حكرا على السعودية، لكنه في الحالة السعودية اوجد ارتحالاً من منطقة التأمل والانتظار الطويل الى سرعة الحركة وان شئت المباغتة، ولعل تعاطي الرياض مع الازمة اللبنانية سابقاً وحالياً يبين بوضوح هذا التغير. صحيح ان ظروف المنطقة والفرق بين نوعية الازمة السابقة والراهنة له تأثير على طبيعة هذا التحرك، لكن الذي لا شك فيه هو ان السياسة السعودية الراهنة بدأت تستشعر خطورة ما يجري على أمنها الداخلي، ومن هنا تغيرت استراتيجيتها وادواتها، فضلاً عن انها تنازلت عن شيء كثير من طبيعتها الميالة للانتظار واستخدام عامل الزمن في حلحلة القضايا.لكن رغم هذا التغيير في السياسة الخارجية السعودية، الا ان المقولة التقليدية حول الثبات موجودة في بعض ملامح هذه السياسة رغم الارتحال والانتقال، ولعل احد اهم عناصر الثبات التي بقيت هو قدرة هذه السياسة على الموازنة بين المصالح والمبادئ، فالسعودية من الدول القليلة التي تحترم حسابات هذه لتلك، وهي دفعت ثمن هذا الوفاء لقضية المبادئ في علاقاتها مع الدول الغربية في شكل عام والولايات المتحدة على نحو خاص، ولهذا يمكن الاطمئنان الى دوافع السياسة الخارجية السعودية التي تشهد هذه المرحلة تحركاً اقليمياً نشطاً، فالرياض لا تتحرك في العراق او لبنان او فلسطين من زاوية المصالح فحسب، ولا تدير علاقاتها مع ايران بمعيار واحد، وتجاوب طهران الأخير مع مبادرات الرياض لحل الأزمة اللبنانية مدفوع بفهم الايرانيين لأهداف السياسة الخارجية السعودية.[c1]* نقلا عن صحيفة “الحياة” اللندنية[/c]
السعودية من الترجيح إلى التغيير
أخبار متعلقة