لم يكن تصديق دائرة التمييز في المحكمة الجنائية العراقية العليا علي قرار الحكم بإعدام الرئيس صدام حسين بسبب مسؤوليته في قضية الدجيل امرأ مفاجئا، بل كان متوقعا، ولكن ما لم يتوقعه المحتلون والقوي العراقية المتعاملة معهم، ومشروعهم في تدمير العراق وإذلال شعبه، هو أن يصدر هذا الحكم ويجري تنفيذه والبلد قد تحول إلى مقبرة جماعية، وفوضي دموية، ينام علي أصوات التفجيرات ويصحو والجثث مجهولة الهوية تملأ شوارعه، وتطفو علي مياه أنهاره. المسألة لم تعد مسألة البحث في مدى قانونية المحكمة وسلامة إجراءاتها، وما إذا كانت سياسية أو قضائية، وإنما هي أعمق من ذلك بكثير، وتتعلق بشرعية الاحتلال، والمؤسسات التي خرجت من رحمه، والنهاية المأساوية التي وصل إليها العراق بفضل هذا الكابوس الجاثم علي صدر أبنائه منذ اليوم الأول لانتهاك القوي الأجنبية لحرمة أراضيه.القوى التي جاءت مع الاحتلال لم تخطط فقط لإعدام رئيس، وإنما لإعدام وطن، وتمزيق أوصاله، وتجهيل أجياله، وإنهاء دوره كقوة إقليمية عظمى وقد نجحوا في تحقيق جميع هذه الأهداف وما هو أكثر منها للأسف الشديد.السيد موفق الربيعي مستشار الأمن القومي (أين هو هذا الأمن) الذي أعلن التصديق علي حكم الإعدام بنبرة فيها التشفي كان يجب عليه، وكل الذين وصلوا إلى العراق علي ظهور الدبابات الأمريكية، أن يخجل من نفسه، ومن انجازاته المعيبة في حق العراق والعراقيين، لأنه يحتفل بإعدام رئيس حقق الأمن والاستقرار للعراق، وللغالبية الساحقة من أبنائه، وبني قاعدة علمية لا يوجد لها مثيل في المنطقة العربية بأسرها، وجعل من العراق منارة للكرامة الوطنية، وعزة النفس، والوقوف في وجه الغزاة الأجانب.لو كان السيد الربيعي أعلن هذا الحكم، والتصديق عليه، وقد قدم والمجموعة الحاكمة معه، نموذجا في الديمقراطية والاستقرار والرخاء الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، والأمن الوطني والقومي، لكنا أول من صفق له، وشد علي يديه، ولكنه للأسف حول، والإدارة الأمريكية التي تدعمه، البلد إلي مرتع للميليشيات البغيضة، والحرب الطائفية الدموية، وعصابات الخطف والسطو المسلح. عراق أمريكا وحلفائها بات الأكثر فسادا في العالم بأسره، بل وفي التاريخ الحديث، لان معظم حكامه الجدد من اللصوص وقطاع الطرق، الذين يتعاملون مع هذا الوطن وكأنه صالة ترانزيت يريد سرقة اكبر كمية ممكنة من ثروة أبنائه الفقراء المعدمين، وتحويل الأموال إلى أسرهم وأبنائهم الذين يعيشون كأمراء حرب في أوروبا وأمريكا ودول الجوار العربي في مناف آمنة رغدة.هؤلاء الذين إذ لوا العراق، ونهبوه، وقتلوا أكثر من 665 ألفا من أبنائه في اقل من ثلاثة أعوام من حكمهم هم الذين يستحقون المحاكمة، ومواجهة أقصى العقوبات، لأنهم يتحملون مسؤولية كل ما وصل إليه العراق من خراب ودمار ونزيف دموي مستمر، يودي بأرواح المئات يوميا.لم يكن السيد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة بعثيا، ولا قوميا عربيا، وليس معروفا عنه تعاطفه مع تنظيم القاعدة عندما قال، بالصوت والصورة، أن العراق في زمن الرئيس صدام حسين أفضل مما هو عليه الآن عشرات المرات، فعلي الأقل كان التلاميذ يذهبون إلى مدارسهم ويعودون منها آمنين. وكانت بغداد تسهر حتى الرابعة صباحا حتى في زمن الحصار وقبلها زمن الحرب مع إيران.صدام حسين قد يعدم غدا، أو بعد غد، أو بعد أسابيع، وهو الذي طالب منذ اليوم الأول للمحاكمة بإعدامه رميا بالرصاص باعتباره قائدا عاما للقوات المسلحة العراقية، ولكنه سيذهب إلى منصة المشنقة مرفوع الرأس، لأنه بني عراقا قويا موحدا غير طائفي، تحسب له القوي الإقليمية، والقوي العظمي ألف حساب. بينما سيقف سجانوه مطأطئي الرأس خجلا وعارا، لأنهم لا يستطيعون أن يخفوا جرائمهم في حق العراق وأهله.ارتكب مجازر.. نعم.. انتهك حقوق الإنسان.. نعم.. قصف المتمردين علي حكمه بكل أنواع الأسلحة.. إلف نعم.. ولكن ماذا يفعل الديمقراطيون العراقيون حاليا، وكيف يتعاملون مع الثوار الرافضين لاحتلالهم، هل يقصفونهم بالورود والرياحين؟يتحدثون عن حلبجة، وهي وصمة عار في جبين كل عربي، لا يستطيع شريف واحد أن ينكر مدي مأساويتها، ولكن ماذا عن مجازر الفلوجة والقائم وسامراء والرمادي، ماذا عن الفوسفور الأبيض الذي استخدمته القوات الأمريكية ضد الأبرياء في الانبار، وماذا عن اغتصاب المحصنات في بغداد علي أيدي الجنود الغزاة، والتعذيب في سجن أبو غريب، وقتل الجرحى في مسجد الفلوجة وتدمير المنازل فوق رؤوس أصحابها؟نطالب السادة الربيعي والطالباني والجعفري، والمالكي، والباجة جي، والحكيم، وكل الذين مارسوا كل أنواع الخديعة للشعب العراقي، والأمة بأسرها، بالاعتذار، ومواجهة محاكم عراقية وطنية عادلة بتهم المساهمة وتشريع قتل 665 ألف عراقي حتى الآن، وجرح خمسة إضعاف هذا العدد، وتشـــريد ثلاثة ملايـــين، ومسؤولية عدم عودة ثلاثـــة ملايين آخرين من المنافي إلى وطنهم الذي طالما تغنوا بالعودة إليه.نطالب بمحاكمتهم بتهم إذكاء نار الحرب الأهلية الطائفية، وممارسة البشع أنواع التطهير العرقي، ونهب المال العام والتعاون مع الأجنبي ضد بلدهم وأهلهم، ولا نعتقد أن عقوبتهم ستكون اقل من الإعدام شنقا. صدام حسين سيذهب إلى المشنقة مرفوع الهامة، أما هؤلاء فسيذهبون إليها مطأطئي الرؤوس خجلا وعارا مما فعلت أياديهم الملطخة بدماء مئات الآلاف من العراقيين الأبرياء. [c1]نقلا عن /صحيفة (القدس العربي ) اللندنية [/c]
سيذهب إلى المشنقة مرفوع الرأس
أخبار متعلقة