جذور إحياء هذا اليوم تعود إلى القرن الـ “19” ونمو الحركات العمالية
صنعاء / سبأ :تحتفل المرأة اليمنية مع قريناتها في مختلف دول العالم اليوم الخميس باليوم العالمي للمرأة، الذي يصادف الثامن من مارس من كل عام، وذلك عرفاناً وتقديراً لدور المرأة في مناحي الحياة المختلفة والارتقاء بمجتمعها خاصة بعد اتساع نطاق نشاطها ليتخطى حدود أسرتها الصغيرة، ويشمل مشاركات فعالة في مختلف نواحي الحياة.حيث ستنظم اللجنة الوطنية للمرأة احتفالا بالمناسبة بمشاركة عدد من المناصرين والداعمين لقضايا المرأة من الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وأصحاب القرار والأكاديميين العاملين في مجال المرأة والمنظمات الدولية.وحقوق المرأة وواجباتها هي إحدى الشروط التي يقاس بها تقدم الأمم، فالعالم النامي مازال يعاني تدهوراً في أوضاع المرأة وعدم الاهتمام بها وعدم الاعتراف بحقوقها الإنسانية نتيجة لظروف اجتماعية واقتصادية سيئة.وتخصيص يوم عالمي للمرأة هو اعتراف بجهودها ودورها في حياة المجتمع ونضالها المتواصل لنيل كافة حقوقها المشروعة كاملة دون نقصان، إلا أنه لم يأت "هذا الاعتراف" إلا بعد نضال عسير من قبل المرأة المناضلة وأنصارها من الرجال في الحركات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني التقدمية، حيث تعود جذور إحياء هذا اليوم إلى القرن الـ19، على خلفية "التصنيع السريع" الذي شهدته أمريكا وأوروبا، حينما نمت حركات عمالية ونقابية جماهيرية رداً على تعميق استغلال العمال، ولم يكن هدف هذه الحركات تحسين ظروف العمل فحسب، بل تحويل العمال والعاملات إلى قوة سياسية، لذا كان التركيز في نضالاتها على "حق الاقتراع للطبقة العاملة".وكون الأغلبية الساحقة من العاملين في فرع النسيج (في أمريكا) من النساء، فقد جعل ذلك لهن دورًا مهمًا في تحديد ساعات العمل، وكان هذا المطلب الرئيسي الذي تصدر شعارات الأول من مايو (عيد العمال العالمي) الذي احتفل به لأول مرة في الولايات المتحدة عام 1886. وكان للمظاهرات دور مهم في طرح "مشكلة المرأة العاملة" على جدول الأعمال اليومية، فالمظاهرة الأولى للعاملات كانت في عام 1857 بنيويورك، حيث خرجت عاملات النسيج احتجاجًا على ظروف عملهن، وبعد 50 عامًا من المظاهرات خرج في 8 مارس 1908 ما يقارب 15 ألف عاملة بمسيرة في نيويورك، تطالب بخفض ساعات العمل ورفع المعاش، ووقف تشغيل الأطفال، وحق الاقتراع وكان شعار المظاهرات "خبز وورود".رافق ذلك نمو حركات نسائية (في الولايات المتحدة) من الطبقات الوسطى طالبت بحق المرأة في المشاركة بالحياة السياسية، وأولها حق الاقتراع، وكان اسم هذه الحركات "سوفراجيستس" (souffragists)، وتعود جذورها للنضال ضد العبودية، ومن أجل انتزاع حق الأمريكيين الأفارقة بالمساواة. وحين منعت النساء اللواتي شاركن في هذه الحركات من الخطاب من أجل "حقوق السود"، لكونهن نساء.. قمن بتشكيل حركة نسائية للمطالبة بـ"حقوق المرأة" أيضًا، غير أن فكرة "الاحتفال" ربما تحسب لائتلاف المنظمات النسائية الذي قرر عام 1908 الاحتفال بيوم المرأة في يوم الأحد الأخير من شهر فبراير، وكان أول يوم (وطني) للمرأة تم الاحتفال به في 23-2-1909.وبالمقابل لم تكن أوروبا بعيدة عن هذه التغييرات، ففي 1910 سافر وفد نسائي أمريكي للمؤتمر الثاني للنساء الديمقراطيات الاشتراكيات في كوبنهاجن (الدانمارك)، حيث اقترح تكريس يوم المرأة العالمي، وكان الجو مهيأً لإعلان "يوم المرأة العالمي" بعد نجاح يوم المرأة في الولايات المتحدة، لكن الاحتفال بيوم المرأة العالمي في 8 مارس تم في 1913، وبقي هذا التاريخ رمزًا لـ"نضال المرأة".وفيما يلي نستعرض لمحة تاريخية عن يوم المرأة العالمي.1909: وفقاً لإعلان الحزب الاشتراكي الأمريكي، تم الاحتفال بأول يوم وطني للمرأة في كامل الولايات المتحدة في 28 فبراير، وظلت المرأة تحتفل بهذا اليوم كل آخر يوم أحد من ذلك الشهر حتى عام 1913.1910: قررت الاشتراكية الدولية، المجتمعة في كوبنهاجن، إعلان يوم للمرأة، يوم يكون ذا طابع دولي، وذلك تشريفاً للحركة الداعية لحقوق المرأة وللمساعدة على إعمال حق المرأة في الاقتراع، ووافق المؤتمر الذي شاركت فيه ما يزيد على 100 امرأة من 17 بلداً على هذا الاقتراح بالإجماع، وكان من بين هؤلاء النسوة أولى ثلاث نساء ينتخبن عضوات في البرلمان الفنلندي، ولم يحدد المؤتمر تاريخاً للاحتفال بيوم المرأة.وفي عام 1911 ونتيجة للقرار الذي اتخذه اجتماع كوبنهاجن في السنة السابقة، تم الاحتفال لأول مرة بيوم المرأة الدولي في 19 مارس في كل من ألمانيا والدانمرك وسويسرا والنمسا حيث شارك ما يزيد عن مليون امرأة في الاحتفالات، وبالإضافة إلى الحق في التصويت والعمل في المناصب العامة، طالبت النساء بالحق في العمل، والتدريب المهني وإنهاء التمييز في العمل، ولم يمر أسبوع واحد حتى أودى حريق مدينة نيويورك المأساوي في 25 مارس بحياة ما يزيد عن 140 فتاة عاملة غالبيتهن من المهاجرات الإيطاليات واليهوديات، وكان لهذا الحدث تأثير كبير على قوانين العمل في الولايات المتحدة الأمريكية، وأثيرت ظروف العمل التي أسفرت عن هذه الكارثة خلال الاحتفال بيوم المرأة العالمي في السنوات اللاحقة.وفي العامين 1913- 1914 وكجزء من حركة السلام التي أخذت في الظهور عشية الحرب العالمية الأولى، احتفلت المرأة الروسية بيوم المرأة العالمي لأول مرة في آخر يوم أحد من شهر فبراير 1913، وفي الأماكن الأخرى من أوروبا نظمت المرأة في 8 مارس من السنة التالية، أو قبله أو بعده، تجمعات حاشدة للاحتجاج ضد الحرب أو للتعبير عن التضامن مع أخواتهن.1917: أمام الخسائر التي تكبدتها روسيا في الحرب، والتي بلغت مليوني جندي، حددت المرأة الروسية من جديد آخر يوم أحد في شهر فبراير لتنظيم الإضراب من أجل "الخبز والسلام" وعارض الزعماء السياسيون موعد الإضراب، غير أن ذلك لم يثن النساء عن المضي في إضرابهن، ويذكر التاريخ أن القيصر أُجبر بعد أربعة أيام على التسليم، ومنحت الحكومة المؤقتة المرأة حقها في التصويت، ووافق يوم الأحد التاريخي ذاك يوم 25 فبراير من التقويم اليوليوسي المتبع آنذاك في روسيا، ولكنه وافق يوم 8 مارس من التقويم الغيرغوري المتبع في غيرها، ومنذ تلك السنوات الأولى، أخذ يوم المرأة العالمي بعداً عالمياً جديداً بالنسبة للمرأة في البلدان المتقدمة النمو والبلدان النامية على حد سواء.وساعدت الحركة النسائية الدولية المتنامية، التي عززتها أربعة مؤتمرات عالمية عقدتها الأمم المتحدة بشأن المرأة حتى اليوم، ساعدت على جعل الاحتفال فرصة لحشد الجهود المتضافرة للمطالبة بحقوق المرأة ومشاركتها في العملية السياسية والاقتصادية، وما انفك يوم المرأة الدولي يشكل فرصة لتقييم التقدم المحرز، والدعوة إلى التغير والاحتفال بما أنجزته المرأة العادية بفضل شجاعتها وتصميمها، والتي تقوم بدور خارق للعادة في تاريخ حقوق المرأة. دور الأمم المتحدة قليلة هي القضايا المدعومة من الأمم المتحدة، التي حظيت بدعم مكثف وواسع النطاق يفوق ما حظيت به الحملة الرامية إلى تعزيز وحماية الحقوق المتساوية للمرأة، وكان ميثاق الأمم المتحدة، الذي وقع في سان فرانسيسكو في عام 1945، أول اتفاق دولي يعلن المساواة بين الجنسين كحق أساسي من حقوق الإنسان، ومنذ ذلك الوقت، ساعدت المنظمة على وضع مجموعة تاريخية من الاستراتيجيات والمعايير والبرامج والأهداف المتفق عليها دولياً بهدف النهوض بوضع المرأة في العالم، وتعمل "الأمم المتحدة" على تقدم وضع المرأة في العالم، وعلى مر السنين، اتخذ عمل الأمم المتحدة من أجل النهوض بالمرأة أربعة اتجاهات هي: تعزيز التدابير القانونية، وحشد الرأي العام والعمل الدولي، والتدريب والبحث، بما في ذلك جمع الإحصاءات المصنفة بحسب نوع الجنس، وتقديم المساعدة المباشرة إلى المجموعات المحرومة.واليوم أصبح عمل الأمم المتحدة يستند إلى مبدأ تنظيمي رئيسي يقول بأنه لا يمكن التوصل إلى حل دائم لأكثر المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية دون مشاركة المرأة وتمكينها الكاملين على الصعيد العالمي. وبقرار من الجمعية العمومية للأمم المتحدة تم إلاعلان عام 1975 "سنة عالمية للمرأة" وقد ناشد القرار حكومات الدول المنضوية تحت لواء الأمم المتحدة بإلغاء القوانين المهينة لإنسانية المرأة والعمل على إصدار قوانين تنصف المرأة كإنسان كامل وعلى قدم المساواة مع الرجل في جميع مجالات الحياة وتحديداً فيما يخص شؤون الأسرة والزواج والطلاق ورعاية الأبناء.وفي عام 1977 وبعد عامين من الاحتفال بالسنة الدولية للمرأة في 1975 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدعو الدول لتخصيص يوم 8 مارس للاحتفال بحقوق المرأة والسلام الدولي وذلك وفقاً للتقاليد والأعراف التاريخية والوطنية لكل دولة.وقد عرف هذا اليوم فيما بعد اختصاراً باليوم العالمي للمرأة، وقد أضحى هذا اليوم مناسبة عالمية لمناقشة واستعراض الإنجازات التي تحققت للمرأة والطموحات المستقبلية من أجل مزيد من التقدم وفي بعض الدول يتم تخصيص أسبوع كامل للاحتفال بالمرأة بحيث يمثل يوم 8 مارس قمة هذه الاحتفالية.وعقدت الأمم المتحدة عدة مؤتمرات دولية حول وضع المرأة كان أهمها مؤتمر بكين في عام 1995 الذي وضع أسس عمل لإنجاز المساواة بين الرجل والمرأة.وترى الأمم المتحدة أن المرأة هي العامل الرئيسي للسلام والتنمية في المجتمعات البشرية، وعلى الرغم من ذلك فهي الضحية الأولي في الحروب. وتخوض الأمم المتحدة تجربة جديدة في أماكن النزاع في العالم وهي استخدام المقاتلات القدامى في تقديم المساعدة للنساء الضحايا وذلك لخوضهن نفس التجارب.ويرى المحللون أن الثورات قد ساهمت في دفع حقوق المرأة حيث أن المرأة تثور وتساهم وتشارك في أعمال الثورة، ومثال ذلك الثورة الفرنسية عام 1789 التي ساعدت في تحرك المرأة وتم "إعلان حقوق المرأة" إلا أنه بمجرد خمود نيران الثورة لم يسمح للمرأة بالمشاركة في السياسة وطالبوهن بالرجوع إلى منازلهن.كما يرى المحللون أيضاً أن الرأسمالية قد ساهمت في حصول المرأة على حقوقها ليس كونها الدافع وإنما كونها وضعت أسس الاستقلال الاقتصادي. كما أدى نزول المرأة للعمل بأعداد كبيرة خلال الحروب العالمية الأولى والثانية عوضاً عن الرجال الذين أرسلوا للجبهة إلى إحراز تقدم كبير في هذا المجال.أما الشيء الذي لا يختلف عليه أحد من فلاسفة ورجال فكر أن التقدم الاجتماعي لأي مجتمع مرتبط ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بتقدم المرأة.