اقواس
مكتوب علينا أن نودع أحباء كانوا بالأمس يملؤون حياتنا ضجيجاً وأفراحاً ومسرات، وتلك مشيئة الخالق ولا راد لقضائه، ونحن مخلوقون لنستقبل ونودع وربما إننا نكون نحن الراحلين وغيرنا وهم الذين يودعون.في غفلة من الزمن أنضم إلينا شاب هزيل البنية غير مرتب، ملابسه متواضعة قُدّم إلي بأنه الفنان/ أحمد درعان حاصل على ماجستير علوم موسيقية وأفضل من يدون الموسيقى (النوتة) بشهادة أساتذة كبار، ولأن من عادتي أن لا أنظر إلى التكوين الخارجي للشخص ولكن يجذبني تكوينه الداخلي.وعندما استمعت إليه بأول مناسبة أيقنت إنني إزاء شخص يمتلك فكراً راقياً يتناسب مع ما قيل عنه.شاركنا أمسياتنا.. اندمج معنا.. تفاعل معنا عن كل أمسياتنا شارك وأشترك.. وغضب واحتج.. وأنفعل وتفاعل.. وأبدى الملاحظات القيمة في حينها ونحن نحتفي بكبار الفنانين وذلك ما حصل أثناء احتفائنا بفنانة اليمن الكبيرة (الست) أمل كعدل، ولم يكتفِ بطرح ملاحظاته الشفوية بل عكسها في مقال كان من الدرر أن قيم فيه صوت أمل ووضعها في المكانة التي تستحقها بفكر علمي راقٍ.وإن ننسى فلن ننسى لطفه الكريم وبشاشته وتعمده الدخول إلى القلوب بدون استئذان.وما أتذكره ولم يمح عن ذاكرتي يوم أن جاءني قبيل وفاته بيوم واحد وكان الثلاثاء طرق بابي واستقبلته وسلمني هدية (زهرة المشموم). وقال لي باسماً أزرع هذه الزهرة في البيت وسوف تتكاثر بسرعة وسوف تذكرني طويلاً وسآتيك الخميس وعندي لك كلام كثير.وكم كان الخبر صعباً ومزعجاً ومؤلماً بنفس الوقت عندما هاتفني الزميل والصديق الأستاذ/ علي محلتي بنبأ وفاته وكان وقع الخبر كوقع الصاعقة مكذباً مصدقاً. ودعناه مشينا وراءه.. وما زلنا ننتظر.إنا لله وإنا إليه راجعون..