تأليف / رجاء علي حويلة.... ودّعت ياسمينُ الوردةَ، ومضت في طريقها. وبعدَ قليلٍ رأتْ فرساً تلدٌ، وهيَ تتألمُ. فسلّمتْ عليها، وأخذتْ تجفّفُ عرقَها، وتمسحٌ على عنقِها، وترفعُ الحصى من تحتِها، وتدعو لها أن تَلدَ بالسلامةِ، حتى وضعتْ مُهراً جميلاً كأمِّه.قالتِ الفرسُ لياسمينَ :- شكراً يا ياسمينٌ، جعلَ اللهُ شعرّكَ طويلاً وجميلاً مثلَ غُرّتي.- وللحالِ، أصبحَ شعرُ ياسمينَ طويلاً وجميلاً كغُرّةِ الفرسِ!.ودّعتْ ياسمينُ الفرسَ، ومضتْ في طريقها. فرأتْ بعدَ بُرهةٍ غزالةً مطروحةً على الأرضِ، تتوجَّعُ من سهمٍ أصابَها في خاصرتِها. اقتربتْ منها، وسلّمتْ عليها. ونزعتِ السهمّ برفقٍ، ونظّفتْ جُرحَهَا، وربطتْهُ. فقالتِ الغزالةُ لياسمينَ :- شكراً يا ياسمينُ.. جَعلَ الله عينيْكِ واسعتينِ جميلتينِ مثلَ عينيّ.وللحالِ، أصبحتْ عينا ياسمينَ واسعتينِ جميلتينِ مكحولتينِ كعينيْ الغزالةِ!.ودّعتْ ياسمينُ الغزالةَ ومضتْ في طريقها، ورأتْ من بعيدٍ بيتَ الغولةِ، فارتعدتْ فرائصُها، وثقُلتْ خطواتُها.صارتْ تتذكّرُ الحكاياتِ الكثيرةَ التي سمعتْها عن الغولة، هذهٍ المخلوقة الرهيبةُ، بجسمِها الهائلِ المُخيفِ، بعيونِها الحمراءِ التي تقدحُ الشررَ، بصوتِها الذي يقتلعُ القلبَ من موضِعِهِ، بشعرِها الأسودِ الطويلِ وأظافرِها الحادّةِ، وأنيابِها الزرقاء المسنونةِ. وتخيلّتها تطوفُ الظلامَ باحثةً عن أطفالِ ضائعين عن أمهاتهم في سوادِ الليل، لتحمَلهم على ظهرِها وتعود بهم إلى كهفِها السّحري.
عند ذلكَ همّتْ بالعودةِ من حيثُ أتتْ. ولكنَّها حين تذكّرتْ تهديداتِ زوجةِ أبيها، وما يمكنُ أن تفعلّهُ، تابعتْ طريقَها بخطواتٍ متردّدةٍ، حتى وصلتْ بيت الغولة فوقَ التلّةِ فوجدتِها تتشمّسُ أمامّهُ، فاقتربتْ منها خائفةً، وقالت لها بصوتٍ متلجلجِ :- السلام عليكِ، يا سِتنا الغولةَ.فأجابتها :- وعليكِ السلامُ..لولا سلامُك سَبَقَ كلامُكِ، لخلّيتُ الجبالَ السودَ تسمعُ حنَ عظامِكِ. ما حاجتُكِ؟ارتعدتْ ياسمينُ خوفًا، لكنّها تجرأتْ، وقالتْ لها :- إنّ خالتي، زوجةَ أبي تسلّمُ عليكِ، وقد أرسلتني إليكِ لتملئي لها هذا المنخلَ بالماءِ.. فتأمّلَتْها الغولةُ مليّاً، ثمّ قالتْ لها :- ما اسمُك يا "شاطرةُ" ؟ يبدو أنّك جميلةٌ طيِّبةٌ.- اسمي ياسمينُ.- حدّثيني عما فعلتِ في الطريقِ.فقصّتْ عليها ياسمينُ ما فَعَلَتْهُ للوردةِ الحمراءِ والفرسِ والغزالةِ.قالت الغولةُ :في داخلِ البيتِ، يا ياسمينُ، طفلٌ صغيرٌ فشدّي شعرَهُ واضربيهِ بالعصا، حتى أسمعَ صراخّهُ. وفي الساحةِ أكوامٌ من القمحِ فانثريها، وفي الخزانةِ ثيابٌ فمزّقيها وارميها.دخلتْ ياسمينُ، فوجدتْ الطفلَ الصغيرَ يبكي من الجوعِ والعطشِ فأطعمتْهُ، وسَقتْهُ، وكانَ وسِخاً فغسّلتْهُ، وأنامتْهُ وهوَ في أحسنِ حالٍ. ووجدتْ القمحَ أكواماً أكواماً، فوضعتْهُ في أكياسٍ نظيفةٍ، صَفَّتْها في ساحةِ الدارِ. ووجدتِ الثيابِ في الخزانةِ، فأخرجتْها وغسلتْها، وجففتْها تحتَ الشمسِ، وطوتْها بعنايةٍ، وأعادتْها إلى مكانِها. ثمّ خَرَجَتْ إلى الغولةِ، وقالتْ لها :لقد انتهيت يا ستن الغولة :[c1]* يتبع في العدد القادم [/c]