عرفت الترجمة البشرية عند العرب في القرن التاسع الميلادي تحولاً كبيراً يشبه التحول الذي عرفته الترجمة الآلية في السبعينيات من القرن الماضي من الترجمة الحرفية إلى الترجمة النصية.لقد كان للتراجمة في النقل طريقان، أحدهما طريق يوحنا بن البطريق وابن ناعمة الحمصي وغيرهما، وهو أن ينظر إلى كلمة مفردة من الكلمات اليونانية وما تدل عليه من المعنى، فيأتي بلفظة مفردة من الكلمات العربية ترادفها في الدلالة على ذلك المعنى، فيثبتها وينتقل إلى الأخرى كذلك حتى يأتي على جملة ما يريد تعريبه، وهذه طريقة رديئة في الترجمة. والطريقة الثانية في التعريب هي طريق حنين بن إسحاق والجوهري وغيرهما، وهو أن يأتي الجملة فيحصل معناها في ذهنه، ويعبر عنها من اللغة الأخرى بجملة تطابقها سواء ساوت الألفاظ أم خالفتها، وهذا الطريق كان الأجود في ذلك الزمان. إذ أن هذا التحول الذي أجراه حنين بن إسحاق، كان منعطفاً مهماً في حركة الترجمة البشرية آنذاك، ومنطلقاً إلى نتاج باهر، أسس لحضارة عربية زاهرة.لقد كانت الترجمة على الدوام، عملاً يقوم به الإنسان مباشرة دون الاعتماد على آلة ما، وذلك بغية تأمين الاتصال بين مرسل للخطاب ومتلق له، ولذلك سميناها: الترجمة البشرية.ولكن منذ بداية الخمسينات من القرن العشرين، وفي سياق التطور العلمي والتقاني المتسارع، والتفجر المعرفي في العالم، توصل العلماء إلى اختراع المعاجم الالكترونية. ثم مع ظهور الحاسوب ذي القدرة الفائقة، بدأ التفكير في استخدامه للترجمة وبالأخص ترجمة النصوص العلمية والتقنية، أي الاعتماد على الآلة بدلاً عن الإنسان، وبذلك دخلنا عصر “الترجمة الآلية”.. إن أداة التفكير الإنساني هو العقل، والحاسبة آلة غبية لا تملك فهماً كالفهم الذي يملكه الإنسان بالفطرة، وأنه لا ترجمة بلافهم وإدراك والإنسان هو القادر على أن يبدع في الترجمة في هذا الكوكب الجميل الذي نعيش عليه. وفي نطاق الترجمة الآلية هذه بمساعدة الإنسان تتم عملية الترجمة على ثلاث مراحل متلاحقة هي مرحلة تحليل النصوص ومرحلة المراجعة والمصادقة، ثم مرحلة الترجمة الآلية ويعمل البرنامج على مستويات خمسة أولها قاعدة النصوص المترجمة وثانيها مستوى التحليل الصرفي، وثالتها مستوى التحليل النحوي، ورابعها مستوى التحليل الدلالي، وأخيراً مستوى التحويل.ولعل من أهم شروط المترجم هي:ـ أن يكون المترجم متقناً للغة العربية: صرفها ونحوها وإملائها.ـ أن يكون ملماً ببيانهاوبلاغتها.ـ أن يكون متقناً اللغة الأجنبية التي يترجم منها.ـ أن يكون مختصاً في الموضوع المراد ترجمته.ـ أن يكون لدى المترجم الرغبة الصادقة والجادة في ممارسة الترجمة والمثابرة عليها، فلا يؤديها بوجل أو خجل، وعندها تسلس له قيادها فيجود في الأداء، ويقارب الإبداع.ـ إن المترجم المؤهل القدير هو واحد من بناة النهضة الفكرية ورافعي لواء التفاهم والتعايش والحوار والسلام بين الأمم.ـ الاهتمام بتركيب الجمل والقواعد الصرفية والمعنى العام، وإجراء عمليات التحليل التركيبي للوصول إلى المعنى المقصود للنص.وهناك نوعان أساسيان من الترجمة يجب أن نضعهما نصب أعيننا ونحن نمارس الترجمة النصية وهما: أ ـ الترجمة الأدبية: ويقصد بها ترجمة الآثار والمؤلفات الأدبية مثل الرواية والقصة والشعر والمسرحية والدراسات والمقالات الأدبية ذات الطابع الفني. إن النص الأدبي ليس فكرة فحسب، بل ينطوي على إحساسات الأديب ومشاعره، وعواطفه وتصوراته، ولذا وجب أن يكون المترجم للأدب أديباً. فلا يكفي أن يكون المترجم ملماً باللغتين، لأن الأدب روح واستعداد وقديماً قال الجاحظ :” والشعر لا يستطاع أن يترجم ولا يجوز عليه النقل، ومتى حول تقطع نظمه، وبطل وزنه، وذهب حسنه، وسقط موضع العجب”.ب ـ الترجمة العلمية: تعني الترجمة العلمية بترجمة كتب العلوم الأساسية والتطبيقية، وسائر العلوم الأخرى. وهذه الترجمة حسبها مترجم قدير متخصص بالموضوع المراد ترجمته أو حسن الإطلاع عليه، ويكفيها مصطلح دقيق، وعبارة واضحة لأنها تخاطب العقل ولا تخاطب العاطفة أو الخيال.والحقيقة أن الترجمة إذا كان هدفها إيصال معلومات من خلال لغة واضحة، ومحايدة بلا مجازات أو انفعالات، فالثقة بها كبيرة، وأكثر ما يكون ذلك في الترجمة العلمية. وأما إذا كان الهدف يتجاوز ذلك لإيصال المعلومات إلى عالم العاطفة والخيال، فالترجمة مغامرة يبدع فيها المترجم أو يسف ولا يفوز في حلبتها إلا أولو الموهبة والعزم.نخلص إلى القول، بأننا نحن ـ العرب ـ مقصرون في الترجمة، ولا نترجم من اللغات الأخرى العدد الذي تستلزمه نهضتنا من المراجع والكتب العلمية والأدبية، كما أننا نحتاج أيضاً إلى ترجمة ما لدينا من روائع الفكر والأدب العربي إلى اللغات الأخرى، تعريفاً بحضارتنا فندعم الثقافة، ونرد الغزو الثقافي، وندرأ عنا مضار العولمة الجامعة.
|
اتجاهات
تطور الترجمة بين الماضي والحاضر.. وشروط المترجمين
أخبار متعلقة