أقواس
كنت أحب أن أجلس أمام جدتي وهي تروي لي القصص والحكايات عن الأنبياء،وكان الجميع يعجبون ويطربون لما تقصه عليهم بصوتها الجميل وإلقائها البديع وكنت أحب ما تروي لي عن المناطق في عدن قبل البناء الحديث وخاصة منطقة التواهي وما حدث في الحرب العالمية الثانية وتحليق الطائرات على ميناء عدن الذي لم يتعرض للقصف في تلك الفترة سوى تحليق الطائرات الحربية،وكثيراً ما كنت اتساءل لماذا لم يستغل كتاب الدراما اليمنية هذه الروايات عن منطقة عدن والأحداث التاريخية وعرضها بقالب درامي.أريد أن أقول ببساطة وصراحة وإيجاز:أن كتابة الدراما التاريخية تحتاج إلى دراسة التاريخ والأحداث والاستفادة من حكاية الأجداد الذي لا تحتوي على أي زيف في رواية التاريخ،فهم ينقلون إلينا عاداتهم وتقاليدهم..وخلافاتهم. إننا عندما نستمع إلى حكايات أجدادنا نشعر بالسعادة والراحة من الاستمتاع ببطولاتهم ومقاومتهم للاستعمار البريطاني،حيث كانت مدينة عدن معزولة جغرافياً وإعلامياً عن العالم لقد كانت جدتي كغيرها من نساء عدن لا يعرفن القراءة والكتابة سوى قراءة القرآن الكريم ولكن جدتي كانت تحب الاطلاع ومعرفة الأخبار عبر المذياع،ورغم حكايتها البسيطة،استطاعت معرفة طبع الاستعمار البريطاني وثقافته الرامية إلى محو الثقافة المحلية أولاً أو تأويله بالأساليب التي تتفق مع رغبة الاستعمار،وبالقضاء على الفكر القومي المستقل عن كل اعتبار خارج عن مصلحة الوطن،وإحلال الثقافة الأجنبية..لذا نجد معظم أجدادنا في مدينة عدن يجيدون اللغة الانجليزية،فقد كانت جدتي عندما تتحدث تدخل كلمات انجليزية مع اللهجة العدنية،حتى الدراما المحلية في تلك الفترة والتي كانت تبثها إذاعة عدن كانت بسيطة وتحمل هموم ذلك المجتمع من معاناة المرض والجهل والظلم،وتحتوي تلك الدراما المحلية على سبيل المثال((الصَّداق المتعلق بالزواج))وإجراءات الزواج،وغيرها من الحلقات الدرامية التي تحمل الحب في أعماق كل إنسان وكذلك تحمل الفكر والفن والإيمان.إن حكاية أجدادنا عن مدينة عدن وتاريخها،هو تاريخ اليمن والحضارة المتنوعة من علم وأدب وفن،وكل ما حققه الإنسان اليمني في نضاله ضد الاستعمار البريطاني،وبناء الوحدة اليمنية هو جزء من بناء الحضارة الإنسانية،وكتَّاب الدراما اليمنية في تلك الفترة ومنهم الأديب الراحل عبدالمجيد القاضي لقد قدم للإذاعة والتلفزيون في عدن العديد من المسرحيات التلفزيونية التي تتحدث عن مدينة عدن مثل مسرحية (هدى البديلة) ومسرحية(الولد منصور)،وكذلك قدم الأديب الراحل عبدالله سالم باوزير عدة مسرحيات كوميدية للإذاعة المحلية في عدن،وغيرهما من كتاب الدراما التي لا استطيع في موضوعي هذا ذكر أسمائهم فهم كثيرون وهم استطاعوا استبدال الرواية والمسرحية التقليدية السهلة البالية بشكل أخر أصعب وأكثر تعقيداً،بشكل ينحو نحو الفنون المعاصرة الأخرى خاصة فن الرواية والمسرحية الحديثة التي تحمل الفكر الفلسفي والعلمي.