(فتاة شمسان).. خمسون عاماً على صدور أول مجلة نسائية في الجزيرة العربية والمغرب العربي
نجمي عبدالمجيدصادف هذا العام بتاريخ 1 يناير 2010 م ، مرور 50 سنة على صدور العدد الأول من مجلة ( فتاة شمسان) النسائية بعدن وذلك في 1 يناير 1960م. وبالرغم من تعاقب هذه السنوات العديدة على هذه الريادة ومكانة صاحبتها السيدة ماهية نجيب ، ظلت هذه التجربة بعيدة عن حقول الدراسات والبحوث والتقييم ، ولم تنل حقها الموضوعي الذي يصنف تلك الحقبة من التاريخ التي دفعت بتلك المحاولة إلى الظهور كحالة انفرادية لدور المرأة في عالم الصحافة في مدينة عدن صاحبة الامتياز في إقامة هيئات المجتمع المدني على مستوى الجزيرة العربية. من 1 يناير 1960م حتى عام 1966م تلك هي المراحل الزمنية التي عاشتها هذه المجلة وبقدر ماهي قصيرة بحساب الزمن فإنها كبيرة ورائدة بعمق التجربة ، ولكن غبار النسيان دفن هذا التاريخ بعد عام 1967م لعدة أسباب ولعل أهمها غياب عدد هذه المجلة عن العامة حتى جاءت دراسة الصحافية نادرة عبدالقدوس ( ماهية نجيب... الريادة ) الصادرة عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين - مركز عبادي للدراسات والنشر عام 2005م لتعيد لهذا التاريخ بعضاً من أوراقه الراحلة بعيداً عن الذاكرة ، فكانت البداية الأولى للعودة إلى مجلة فتاة شمسان و ريادة ماهية نجيب في الصحافة النسائية وموقع عدن في صناعة الفكر والإبداع الثقافي في العدد الأول- السنة الأولى الصادر يوم الجمعة 1 يناير 1960م الموافق 3 رجب 1379هـ تكتب ماهية نجيب في افتتاحية العدد الأول تحت عنوان “ تحية إلى القارئات والقراء” هذه الكلمات ( عزيزتي القارئة.. أمامك الآن صحيفة “ فتاة شمسان” أول صحيفة نسائية في عدن والجزيرة العربية بأسرها ، بل والخليج العربي والمغرب العربي ، ذلك أن الصحافة النسائية نادرة الوجود في هذه البلدان وليس هذا غريباً ، فالمرأة عندنا لا تزال في دور التقدم التدريجي الذي يحتاج إلى مجهود طويل لرفع مستواها الثقافي و العلمي والاجتماعي هكذا كانت المرأة العربية الشقيقة في الجمهورية العربية المتحدة ولبنان وفلسطين وشرق الأردن والعراق. وقد ساهمت الصحافة النسائية في هذه البلدان العربية الشقيقة بنصيب وافر في إرغام الحكومات على إعطاء المرأة حقوقها وتقديم الفرص لها لكسب الرزق الحلال وفتح المدارس والجامعات لها حتى تتخرج مواطنة صالحة مسؤولة تخدم بيتها وأطفالها ووطنها. وعمر الصحافة النسائية في العالم لا يتجاوز نصف القرن فقبل ذلك الزمان كانت المرأة التي تعمل في حقل الصحافة نادرة الوجود مثلها مثل الطبيبة والمحامية ، أما اليوم فقد أصبحت الصحافة تجتذب إليها المرأة كقارئة لأنها أصبحت تهتم بشؤون العالم وتتابع أخبار الصحف باهتمام بالغ وشغف عظيم وقد عرف من الإحصائيات أن خمسين في المئة من قراء الصحافة اليوم هن من النساء وقد ساهمت حربان عالميتان في إيجاد هذه الضرورة إذ أن الإقبال كان قد اشتد على تعليم الفتاة وتسليح المرأة بالعلم والثقافة. وبعد أيتها القارئة العزيزة ويا حضرات القراء الكرام هذه هي صحيفة “ فتاة شمسان” التي سوف تكون لسان حال المرأة العربية في هذا الصقع من العالم وسوف تملأ هذا الفراغ الذي تشعر به المرأة عندنا . مجلة سوف تقدم للمرأة أدق الأخبار وأكثر المقالات تشويقاً . وهذه المقالات سوف تختص بالنساء لان المرأة العربية عندنا في الوقت الحاضر لا زالت في حاجة إلى التوجيه المستمر والتعليم والثقافة وبمشيئة الله العلي القدير سوف تكرس صحيفة“فتاة شمسان” جهودها إلى خدمة المرأة وتوجيهها توجيهاً صحيحاً وإدارة صحيفة ( فتاة شمسان ) ترحب بمقالات الزميلات وإنتاجهن على شرط أن تكون هذه المقالات في حدود الموضوعات التي خصصتها هذه الصحيفة للنساء والتي من اجلها تقدمنا بالإذن بإصدارها في هذا الوطن العزيز. قدمت مجلة فتاة شمسان مختلف المواد الصحفية ، شارك فيها رجال ونساء وتنوعت في تصوراتها حول قضايا المرأة والأسرة ، ولم تنحصر في دائرة المحلية بل تجاوزت ذلك إلى رحاب العالم العربي والعالمية وتلك خطوة جعلت منها حلقة تواصل بين المرأة العدنية والآخر. كذلك فتحت المجلة صفحاتها أمام الأقلام الشابة من النساء في عالم الكتابة الأدبية مثل القصة القصيرة واللقاءات الصحفية والمواضيع الهادفة . كذلك قامت المجلة بعمل الجولات الميدانية التي سعت من خلالها إلى إعطاء صورة عن نوعية الحياة في المنزل العدني وعلاقة الأسر وما تواجه حياتهم من أزمات ومشاكل وعملت على نقد ظواهر اجتماعية ومعالجة أخطاء تفشت عند العامة من الناس كل هذه المعلومات جعلت من هذه المجلة مرجعاً يقدم لنا مخزوناً من المعارف عن حقبة من تاريخ عدن لم تعد موجودة في عالم اليوم.[c1]مقدار العلم في حياة الفرد [/c]في العدد الأولى تكتب هانم جرجرة :( العلم هو السلاح الإنسان ضد صعوبات الحياة سواء كان هذا الإنسان رجلاً أو امرأة.. العلم هو وسيلة هدفها غاية أساسية لها الصالح العام في حياة الفرد البشري وفي حياة المتجمع بل في حياة كل مجتمع ولصالح الأرض التي تحيا فيها وكلما كثر الأفراد المتعلمون والمتعلمات ازداد نشاط الإنسان وكسب رفاهية زائدة وضماناً لمستقبله ومستقبل أحفاده ، وما اسعد الأبناء الذين تنجبهم أم متعلمة عاملة عاقلة تثبت وجودها في هذه الحياة ككائن حي له شأنه في هذا الوجود وما أحوجنا للثقافة العالية ممثلة في بناتنا العاملات المساهمات في نصف تحمل أعباء الحياة العائلية مساهمة فعالة لها اثر واضح في قلوبنا وفي قلوب من نرعاهم تحرص كل الحرص على راحتهم ، مثلاً ما حوج مستشفياتنا إلى ممرضات وطبيبات عدنيات صميمات يحملن وصف “ ملائكة الرحمة” في شهادة طب وتمريض وما أحوج مدارسنا إلى مدرسات عدنيات مثقفات ذوات شهادات عالية ووعي ثقافي وروح معنوية وإخلاص في العمل .. بل ما أحوج كل عدن إلى فتيات عائلات يساعدن الرجل العدني ذا الدخل البسيط ليكسب الجميع حياة رغدة حسنة لها هدف في خلق مستقبل باسم .. نعم إن هذه الضروريات تنقصنا نقصاً باتاً معرضاً .. لأننا لا نزال نعيش بين قوم يعيشون ويموتون بعقلية الرضيع الذي يستمد قوته على البقاء من ثدي أمه وذراع أبيه كما كانوا يعتمدون في طفولتهم في كل صغيرة وكبيرة من شؤونهم نراهم اليوم في شبابهم ورجولتهم وشيخوختهم عبيداً أذلاء لتقاليد وأفكار قديمة يتصرفون وفق أهوائهم في جبن وخضوع واستسلام لدرجة أنهم لا يعيرون أي اهتمام إلى مستقبل فتاة عدن ... فنحن هنا اغلب النساء نحتقر أكثر المهن الحرة الشريفة ما دام الرجل غير مؤيدها ولكن هناك الكثير من المشاريع يستطيع بعض تجارنا أن يتولوها ويصرفوا عليها من مالهم المتوفر وجاههم الواسع الذي يصرفونه على أنفسهم بإسراف وبذخ على أساس واحد ليس جلب المال فحسب بل لتدريس كل فتاة وامرأة ولتتقن المهن الحرة. ففتياتنا مكدسات ونسائنا كثيرات عاطلات بدون عمل اللهم إلا “التفريخ” وهذا مما يزيد المسألة تعقيداً والحقيقة إذا وجد هذا التاجر فإنما هو معجزة ، وإذا لم يوجد سنتساءل دائماً أين هو هذا التاجر المعجزة ونكررها لان رجالنا جامدون لا حركة وكأن مستقبل فتاة عدن لا يهمهم ما داموا هم الأسياد وأما نحن فلا يمكن أن نذكر. فهذا في مقتضاهم عيب وعار بل نقص أخلاق وحاجات لا تقال الا من مختلي العقول .. وأخيراً نحن النساء وفتيات الجيل وعماد المستقبل ما هو دورنا في هذه الآونة التي تعتبر عورة، لنا أزواجنا والا لا شيء لنا غير القبر كما يردد البعض بينما يخفون عيوبهم بهذه التردادت والمنادات الكاذبة؟ ما دورنا في هذا العصر، عصر التقدم وعصر السرعة وعصر الأقمار والصواريخ ما هو دورنا؟لا شيء سوى العلم .. العلم الذي ليس سواه شيء يستطيع أن يرفع الروح المعنوية ويعيد الثقة الى النفس والعمل وليس قولاً بدون عمل لأن ذلك ليس الا جبناً وخضوعاً .. وليس هناك سوى العلم يستطيع أن يعوض الإنسان عن إحساسه بالفشل في الحياة .. فبالعلم تتحقق لنا جميع الأهداف ويشعر المرء بقيمة نفسه في عالم البشرية ويعرف الغاية الأساسية من وجوده ويتخطى كل العقبات التي تقعده عن السير قدماً نحو الأمام ونحو غايته من إتقان المهن التي تؤهله إلى خلق مجتمع أفضل .. هذا دورنا يا فتاة عدن وياويل منا ياويل منا للذي يعترض طريقنا يا ويله، والى اللقاء.ذلك بعض مما كان يطرح ويناقش في مجلة فتاة شمسان حول قضايا المرأة العدنية والسعي لوضع مكانتها في المجتمع عند المنزلة الصحيحة وكيف تجعل من المعرفة الطريق الأولى لكي تخرج إلى العالم وهي على مقدرة في التعامل مع متطلبات الحياة، وذلك لا يكون الا من خلال العلم، وهي نظرة من الكاتبة هانم جرجرة تدل على أن المرأة في عدن قد وصلت في تلك المرحلة إلى مستويات متقدمة من الوعي الاجتماعي لأهمية التعليم في نهضة الشعوب وقيادة الأمم وتحرير الفرد من سقوط الجهل.[c1]فتياتنا اليوم بقلم/ ماهية نجيب[/c]في العدد 3 من مجلة (فتاة شمسان )الصادر يوم الثلاثاء 1 مارس 1960م الموافق 4 رمضان 1379هـ السنة الأولى تكتب رئيسة التحرير: (الفتاة العدنية اليوم غيرها بالأمس فهي مثلاً تعيش في عصر أصبحت فيه العوامل الكثيرة لتنمية ثقافتها وازدياد مفاهيمها متوفرة .. فالتعليم أحسن من أمس والكتب المبسطة التي تتناول كافة العلوم متيسرة في المكتبات والنوادي والجمعيات أصبحت تكون منتديات مفيدة للفتاة ولأول مرة في تاريخ جنوب الجزيرة العربية، جلست ست من فتيات عدن لامتحان السيمنير كامبردج وإن كنا لم نر إلى الآن البعثات في الخارج ليعدن إلى عدن محاميات ومربيات قديرات وإداريات وربما طبيبات للنساء وغيرها من المهن الا أننا نتوقع أمثال هذه البعثات العلمية في المستقبل القريب إن شاء الله .. ولكن هذه البعثات لن تتوفر الا إذا (تقوى) التعليم الثانوي للفتاة .. ونحن نطالب بتقويته وتنظيمه وإعداد فتياتنا إلى امتحان شهادة الثقافة العامة أو السيمنير كامبردج نحن نطالب (بتقوية) مادة اللغة الإنجليزية في برنامج تعليم الفتاة لأن هذه اللغة أصبحت ضرورية لأن تتعلمها الفتاة حتى تستطيع أن تستوعب الدروس كلها التي سوف تتقدم بها لامتحان شهادة الثقافة العامة.إن من أوجب واجبات الحكومة ، توفير المال اللازم لتعليم الفتاة حتى يرتفع مستواها التعليمي كالأولاد. على نوابنا الشعبيين أن يرفعوا هذه القضية دائماً في المجلس التشريعي أما قول إدارة المعارف بأن المال لتوسيع تعليم الفتاة غير متوفر فإننا لا نستطيع أن نقبله.[c1]أين تعلمت الصحافة ؟[/c]كثيرات من الزميلات سألنني (أين تعلمت الصحافة؟ ) تعلمتها من الجو الصحفي الذي أعيش فيه فشقيقي عبدالرحمن جرجرة صحافي ومحرر صحيفة (اليقظة) الغراء واثنتان من شقيقاتي تزوجن على صحافيين ومالكي صحف وزوج ابنتي صحافي معروف. ومع هذا فقد كنت محررة صفحة المرأة في النهضة ثم كنت اكتب مقالات نسائية في صحيفة (اليقظة) الغراء وكنت من أوائل السيدات العدنيات اللائي تحدثن من محطة إذاعة عدن الصحافة النسائية. وكنت دائماً أتابع باهتمام الصحافة النسائية في البلاد العربية لا سيما مصر وقرأت معظم الكتب التي ألفها بالذات الدكتور الكبير طه حسين.وعندما جاءت الفرصة تقدمت بطلب الإذن بإصدار أول مجلة نسائية في الجزيرة العربية .. وهذا هو العدد الثالث من هذه المجلة النسائية وسوف يتبعه أعداد وأعداد وإنني اشكر كل من رحب بهذه المجلة وشجعها لأنهم بتشجيعهم لنا فإنما هم يشجعون تقدم المرأة العربية في هذه البلاد.في السنة الأولى من صدورها احتلت مجلة فتاة شمسان مكانة مهمة بين الإصدارات الإعلامية والثقافية في مدينة عدن، وكان آخر عدد من السنة الأولى رقم 12 قد صدر بتاريخ 1 ديسمبر 1960م الموافق 12 جماد ثاني 1380هـ يوم الخميس، وكانت افتتاحية العدد بقلم ماهية نجيب وعنوانها (عودة إلى مستقبل تعليم الفتاة العدنية من جديد).تلك تجربة في عالم الصحافة، وما كانت مدينة غير عدن تمتلك القدرة على إنتاجها في حقبة من الزمن كان لهذه المدينة مكانتها المعروفة بين حواضر العالم. وشخصية السيدة ماهية نجيب لا تنفصل عن عوامل أوجدت ذلك الجيل من عصر الرواد في مجالات مختلفة، أصبحوا هم الأسس التي قامت عليها نهضة عدن، وهذا الإنفراد في هذا العمل يدل على ماهية نجيب من مستوى نسائي وصل في درجات المعرفة إلى وضع يمكنه الإقدام على مثل هذا العمل، فهي قد أدركت أن قيمة المرأة في المجتمع لا تكون الا بالعلم، وتلك كانت رسالتها الأولى والقضية التي دافعت عنها، ورؤيتها تنطلق من تصور بأن الشعوب لا تخرج من زواياها المظلمة الا بالمعارف وللمرأة مكانتها في هذا الجانب.