نبض القلم
لقد طرح بعض المربين سؤالاً مفاده : هل هناك علاقة بين التربية ووسائل الإعلام ؟ وما نوع هذه العلاقة؟وللإجابة عن هذا السؤال يمكن القول : إن التربية ووسائل الإعلام حليفان متلازمان يحتاج كل منهما للآخر ، وبالذات في القرن الحادي والعشرين الذي يتميز بظهور الطريق الدولي السريع للمعلومات ، فصار بإمكان وسائل الإعلام المختلفة أن تسهم إسهاماً فاعلاً في صياغة توقعات الناس من التربية ، والطلب عليها، وانتفاعهم بها ، وهي مع ذلك لا تستطيع أن تكون بديلة عن التربية ، ولا ينبغي لها أن تكون كذلك ، لكنها يمكن أن تكون شريكة رئيسية في توسيع نطاق التربية الأساسية ذات النوعية الجيدة للجميع إلا أن أهداف كل منهما منها متباينة، ذلك أن صانعي الإعلام غالباً ما تكون لديهم قيم وأهداف ليست بالضرورة مطابقة لقيم التربية وأهدافها فالتربية عملية متدرجة ومستمرة مدى الحياة تعنى بالأفراد ، أما وسائل الإعلام في عصرنا الراهن فقد صارت جزءاً من صناعة عالمية تسير بوتيرة عالية وسريعة تركز على المنتجات وعلى الأسواق الشعبية ، في حين أن التربية بطيئة التغير ، مع ذلك يمكن أن يوجد بينها نوع من التعاون والتضامن.وقد يسأل سائل : كيف يمكن أن يوجد تعاون وتضامن بين التربية ووسائل الإعلام ، والعلاقة بينهما مشحونة دائماً بسوء التفاهم من كلا الجانبين ؟ ألا ترى وجود هوة بين طبيعة كل من التربية ووسائل الإعلام ؟ ألا ترى أن صناعة الإعلام عملية فورية جداً ، أما التربية فهي عملية طويلة الأمد ، كما أن التربية كعملية ليست سلعة للإعلام. ونحن نرى : أن تغطية الأخبار والتقارير التي تبثها وسائل الإعلام نادراً ما تسعى إلى التثقيف في المعلومات التي تقدمها ولكنها تتخذ من الأخبار سلعة تبيعها بسرعة في سوق شديدة التنافس ، لذلك تفشل غالباً في تقديم تغطية كافية للقضايا التربوية ، فتسلقها سلقاً ولا تعطيها حقها. ألا ترى الاهتمام الإعلامي بالتربية وفقاً للمعايير الحالية يغلب عليه الاهتمام بالأمور السياسية فيدور حول التمويل والموارد والرواتب أما ما يتعلق بالتربية كعملية فقلما تعيرها وسائل الإعلام اهتماماً . وربما يرجع ذلك إلى إحجام التربويين عن العمل مع وسائل الإعلام أو لفشلهم في تزويد الإعلاميين بالمعلومات اللازمة لتغطية القضايا التربوية ، متجاهلين أو متناسين أهمية التعاون بين التربية ووسائل الإعلام علماً أن خبرات التربويين و العاملين في وسائل الإعلام يكمل بعضها بعضاً فصانعو وسائل الإعلام لديهم الخبرة في الإنتاج بينما لدى التربويين الخبرة في المحتوى.إن التربية من خلال وسائل الإعلام يمكن أن يكون لها أثر قوي في العملية التعليمية ، عن طريق بث الحيوية فيها وجعلها أكثر إثارة وتشويقاً ، وأكثر استحواذاً على الانتباه، حيث أن وسائل الإعلام إذا ما استخدمت بشكل متفاعل فإنها قادرة على الإسهام في إيجاد أنواع من التعليم أكثر تجديداً وأكثر ابتعاداً عن الصبغة التقليدية السمية وتستطيع وسائل الإعلام كذلك أن تكون فعالة في تقديم المعلومات التعليمية مع نوع من الترفيه خاصة مع المتعلمين الكبار وغيرهم ممن هم خارج نطاق المدارس الذين لم يلتحقوا بالتعليم النظامي.وكذا فإن الحاجة ملحة لزيادة التعاون في مجال التعليم المبرمج ، وزيادة بث البرامج التربوية عبر وسائل الإعلام وفي الوقت نفسه لابد من إدخال الثقافة الإعلامية في المناهج الدراسية خصوصاً في البلدان النامية كبلادنا ، حتى يتمكن التربويون من تحصين الناشئة ضد وسائل الإعلام المشبوهة التي تحمل في طياتها مواد مضرة بتربية الناشئة وتترك أثراً مشوهاً في ثقافتهم ولاسيما التلفزيون ذو القنوات الفضائية المفتوحة ، ما يستوجب أن يدرك الأطفال حقيقة المواد المقدمة عبر القنوات لتنمو لديهم ملكة النقد ، ويعرفوا أن الأشخاص الذين يشاهدونهم من الممثلين لا علاقة لهم بالواقع المعاش.[c1]* خطيب جامع الهاشمي / الشيخ عثمان[/c]