مشاهير الغناء اليمني
بقلم الاستاذ :محمد مرشد ناجي ولد الفنان عبدالقادر عبدالرحيم بامخرمه في جيبوتي عام 1926م أما والداه فقد كانا ينحدران من غيل باوزير بحضرموت . وكانت الاسرة تمتهن العلم الديني . وكانت فقيرة ولهذا اعتمد الفنان عبدالقادر بامخرمه في دراسته على اجتهاده الشخصي فقط . وذلك مكنه من إجادة اللغة الفرنسية . وكان لابد أن يعمل لكي يعيش فتدرب وأجاد عمل صيانة موتورات الكهرباء بمصلحة البريد والبرق في جيبوتي .أما رحلته مع الفن فقد بدأت في المدرسة منذ الصغر في المراحل الابتدائية حيث كان يؤدي وهو العاشرة من العمر الاناشيد المدرسية الامر الذي لفت انتباه المدرسين إليه فشجعوه كثيراً على ذلك ، وكان يصعد منابر المساجد ويردد الاوراد والاذكار الدينية بدون مكبرات للصوت يومها . وتعلم العزف على العود من المعلم في المدرسة ومن إرشادات خالة الذي كان يملك عوداً قديماً وهو الوحيد الذي كان يميل الى هواية الغناء . أما أشد المعارضين للغناء فقد كان الشيخ طيب بامخرمه وهو عالم ديني .في بادئ الامر تعلم العزف بالعود على أغنية ( يامنجي من اليم ذا النون ) التي يؤديها الشيخ ابراهيم محمد الماس ، أما في بداية حياته الفنية فقد تأثر على حد قوله بمطرب جيبوتي الاول ابراهيم سعيد ، وقد ظهر كمطرب في المجتمع الجيبوتي حين غنى في أحد المقايل عند أصدقاء له في الخمسينات ولكنه لم يتخذ الغناء للتكسب ، وإنما أتخذه هواية يمارسها في أفراح اصدقائه في المخادر والمقايل فقط وشجعه هؤلاء الاصدقاء كثيراً في عالم الطرب ومن أشدهم حماساً له كان صديقاه جامع نور ، وعمر أبوبكر بلفقيه .خرج الفنان عبدالقادر بامخرمه الى عدن بعد منتصف الخمسينات وسجل لاذاعتها فطارت شهرته الى أرجاء جنوب بلاد اليمن وافريقيا ، وبعدها سجل بعضاً من أغانيه لاذاعة بلاده جيبوتي التي أفتتحت في عام 1975م ، ولكنه لم يسجل على إسطوانات كبقية المطربين مارس التلحين في عشرين أغنية من كلمات أخيه سعيد بامخرمه ، والدكتور محمد عبده غانم ، وأبوبكر المعنى ، وهو يجيد ألوان الغناء الصنعاني و،اليافعي والهندي .كان هذا الكلام على لسان الفنان الصديق عبدالقادر بامخرمه في لقائنا معه في جيبوتي وللأمانة التاريخية لابد لنا من التعليق على حياته في فن الغناء وفن الغناء في حياته ، والحقيقة أن العارف عندما يفكر في الكتابة عن الفنان البامخرمه لابد أن تواجهه صعوبة كبيرة في الحصول على أجوبة لها اهميتها في قضية علاقته بفن الغناء وبالعكس كما سبقت الاشارة ، أولاً أن الفنان البامخرمه كان هاوياً لفن الغناء ، وهواة فن الغناء في أي بقعة من العالم كما اشرنا عن ذلك في حياة الشيخ ابراهيم محمد الماس ، كان لهم الدور الهام في هذا المضمار لإدراكهم برسالة فن الغناء واهميته ، وهذا الادراك نابع من ثقافة عامة يمتلكونها ، ومن جدية واجبة في الامر ، ولكن فناننا العزيز عبدالقادر بامخرمه الهاوي حقيقة لفن الغناء . والذي تعرفنا منه كيف ومتى كانت علاقته بهذا الفن تعرفنا في ذات الوقت على بيئة اسرته العلمية في شؤون الدين وعلماء الدين كما هو معروف للجميع يعتبرون مرجعاً في التراث الادبي واللغوي وما لف لفهما ولكن الغريب في الامر أن فناننا العزيز لم يتأثر ببيئة أسرته الثقافية ، ولم تؤثر هي الاخرى فيه شيئاً وهذا - رأينا - الحلقة المفقودة في علاقته بفن الغناء وبالعكس .ثانياً : إن فناننا البامخرمه الذي مكنته مواهبه الفنية في الغناء والمتمثلة بصوته القوي الجميل والاداء المتقن والعزف الحساس ، أن يحقق شعبية كبيرة في مسقط رأسه جيبوتي ، ورفعته هذه الشعبية الى المكانة الاولى وامتدت هذه الشعبية الى المهاجرين اليمنيين في افريقيا وجنوب بلاد اليمن ، وكان ذلك كافياً ودافعاً له على أن يبذل فناننا مزيداً من الجهد والاهتمام والنظر الى الامر بجدية ولكنه على العكس زادته الشعبية إهمالاً وتقاعساً شديدين واقرب مثال على ذلك أنه لم يكلف نفسه حفظ اغانيه القليلة منذ أن عرفته في الخمسينات وحتى الثمانينات من هذا القرن وهو في حاجة علي الدوام في أي موقف الى دفتر اغانيه ، وهذا هو السبب الاول - في تقديرنا - في رفضه الاشتراك في الحفلات الموسيقية الكبيرة التي كانت تقام في جيبوتي والتي يحضرها بين الفينة والفينة من شمال بلاد اليمن او جنوبه او الظهور في الشاشة الصغيرة .ثالثاً :عندما فكر أن يقتحم ميدان التلحين ربما بدافع من اصدقائه ، أو تمشياً مع موجة التلحين في عدن وجيبوتي لم تلق هذه الالحان رواجاً لدى محبيه ومعجبيه لاسباب ضعفها من النواحي الفنية ، حتى صوته الشجي المميز لايمكن التعرف عليه إلاّ من خلال المذيع في إذاعة جيبوتي وظلت الالحان التراثية اليمنية ، وذات الاصل الهندي هي محل واعجاب الناس جميعاً ولو كان مدركاً لحدود امكاناته الفنية المشار إليها سلفاً وعلى قمتها صوته الشجي القوي لكأن شأنه في دنيا الغناء جد عظيم ، ولكن من أين له ان يدرك وهو يفتقد ما يجعله يدرك كما قدمنا .أن الغناء بالمفهوم العام والصحيح هو : صوت جميل حساس ، خلاق مثقف ، والكثير من أهل الغناء في البلاد العربية من الجنسين ممن يمتلكون هذه الصفات هم الاكثر برزوا لدى الجماهير في بلادهم وعلى الصعيد العربي وفناننا البامخرمه لو تأتى له الادراك لكان في مصاف هؤلاء المغنيين في بلاده والساحة اليمنية والجزيرة العربية ، كان على فناننا العزيز - في رأينا - أن يستمر بجدية في تقديم المزيد والمتنوع من التراث اليمني الغزير ، والالوان الاخرى التي كانت سبباً في شهرته ، ويجدر بنا أن نذكر أن الفنان السوري الكبير صباح فخري صاحب الصوت تاعظيم ، لايقدم الى الجماهير السورية والعربية إلاّ غناء يعشقه ويتفوق احياناً على نفسه عند أدائه وهذا الغناء هو القدود الحلبية ، والموشحات العربية القديمة ، والارتجال الغنائي ولو شاء فناننا البامخرمه أن يجرب التجديدات الغنائية تمشياً مع الاحوال السائدة ويأتي قبلها دراسة قبولها في نفسه ، أن يبحث عن الالحان التي تدخل في ذوقه من ملحن آخر في جيبوتي او من خارجها ، ولكن كما قلت في بداية هذا الحديث بأن الحصول على أجوبة في علاقته بفن الغناء وبالعكس مهمة في غاية الصعوبة سيما وأن ما حققه من شعبية كبيرة كانت كافية لدفعة الى مواقع أفضل وكثير من الفنانين يتمنون ولو قليلاً مما حصل عليه من شعبية واسعة او لمن لايرى للاسباب التي فصلناها مايرون .وحالة فناننا عبدالقادر بامخرمه هي في واقع الامر حال الكثيرين من أرباب الغناء في اليمن الذين لايعترفون او لايعرفون حدود مواهبهم ، أن كان صوتاً موهوباً يؤدي وحسب ، زو كان ملحناً موهوباً وحسب ، وساعد على استمرار هذا الحال من عشرات السنين وحتى اليوم غياب الادارة الموسيقية الحازمة في اجهزة الاعلام ، وفي دراسة هذه المأساة - وهي مأساة حقاً - ووضع الحلول المناسبة لها أسوة لما يجري في الاقطار العربية الاخرى ، إن نسبة الملحنين في البلاد العربية قلة ونسبة الاصوات هي الاخرى قلة ، ولكن هذه النسبة لاتعترف بها اليمن سواء من أهل الصنعة ، أو من الجهات الرسمية المختصة ، الكل يغني والكل يلحن ولا رقيب ولاعتيد ، ومن يرغب في المزيد من العلم أن الاجهزة الرسمية انطلاقاً من سياستها في العدل والمساواة الكل يغني والكل يلحن ، والكل ايضاً في درجة واحدة باستثناء الذين لا وساطة لهم .وبعد قد يتساءل القارئ لماذا البامخرمه من ضمن مشاهير الغناء في اليمن القديم وهو من خارج بلاد اليمن ؟ نقول أن الفنان عبدالقادر بامخرمه بصرف النظر عن كونه يمني في المهجر اضافة الى ما حققه فئة من شهرة واسعة كما فصلنا هو فوق ذلك كله خدم الاغنية اليمنية القديمة بين أهالي جيبوتي الاصليين وجعلهم يتذوقون الغناء اليمني كما يتذوقون غناءهم المحلي والفنان البامخرمه خلف العشرة من البنين والبنات وهو أصغر الفنانين سناً الذين ضمهم هذا المؤلف ومازال يتمتع بصحة جيدة لاهتمامه البالغ بصحته واناقته ونظارته وفي الوقت الذي نتمنى له بطول العمر نتمنى - وهو الصديق- أن ينظر الى تعليقاتنا على حياته الفنية على أنها فائدة لجيل الموسيقى في المستقبل البعيد في اليمن ، وأن اسمه قد سطر في سجل الخالدين .