من تجارب الدول العربية الناجحة في العمل السكاني
تعتبر التجربة التونسية من التجارب الناجحة والسباقة في العمل السكاني حيث انتهجت تونس سياسة سكانية نموذجية في إطار سعيها الدؤوب إلى إرساء التوازن بين النمو الاقتصادي والنمو السكاني لتحقيق مستوى عالٍ من الرفاهية للمجتمع التونسي حيث تعطي تونس أولوية للمجالات الاجتماعية كالتعليم والصحة والتكوين المهني وتخصص لها أكثر من 50% من ميزانية الدولة ،وقد بدأ الاهتمام بالصحة منذ الحقبة الاستعمارية والذي بلغ مرحلة متقدمة مما أدى إلى انخفاض في مستوى الوفيات وإلى ارتفاع معدل النمو السكاني من 1.8%خلال الفترة 1956م-1966م إلى 2.3% خلال الفترة 1966م-1975م وقد اعتمدت سياسة ترمي إلى تخفيض معدل الخصوبة وصولاً إلى خفض معدل النمو السكاني وخلال الفترة من 1956-1969م رأى الديموغرافيين التوانسة إلى أن خفض معدل الخصوبة يتوقف على ما يعرف حالياً بتمكين المرأة فاتخذ جملة من القوانيين والتشريعات تستهدف المرأة من خلال النهوض بالمرأة وإعطائها فرصة وتمهيد الطريق أمامها لتمكينها من المشاركة في المجتمع.وفي عقد السبعينيات والتي تعتبر المرحلة الثانية من العمل السكاني كان إنشاء الديوان الوطني للعائلة والسكان عام 1973م أحد المرتكزات الإضافية للعمل السكاني في تونس وبدأ الديوان في تطبيق السياسة الوطنية للسكان في مجال التخطيط العائلي والسكان والتي تتمحور حول محورين أساسيين هما خفض النمو السكاني وحماية صحة الأم والطفل وإنشاء المجلس الأعلى للسكان في 1974م وهو يجمع مختلف الوزارات والمنظمات الوطنية ويعني برسم التوجهات العامة للسياسة السكانية .ومع بداية عقد الثمانينات اعتمدت تونس نهجاً جديداً ومتكاملاً ذي برامج متعددة شمل أنشطة حماية صحة الأم والطفل، الأمر الذي جعل دمج خدمات تنظيم الأسرة ضمن الخدمات الصحية الأساسية لتمكين المستفيدين من الحصول على النصائح والخدمات من خلال المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة والتابعة للديوان .وقد سجلت مؤشرات التنمية البشرية دون استثناء تحسناً إذ بلغ توقع الحياة عند الولادة 73سنة عام 2002م ، وتقلصت نسبة الأمية إلى 23.3% ، كما ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الخام إلى 6390 دولاراً ويمر المجتمع التونسي اليوم بالمرحلة الأخيرة من التحول الديموغرافي بما يترتب عنها من انعكاسات على مختلف المجالات الحيوية بما في ذلك التعليم والتشغيل والضمان الاجتماعي وقد شهدت السنوات الأخيرة تحولاً للوضعية الديموغرافية مما نتج عنه انخفاض في نسبة الخصوبة إلى طفلين لكل امرأة عام 2002م ، وتراجعت نسبة الوفيات الخام إلى 5.8% كما تراجعت نسبة النمو الطبيعي من 1.7% عام 1994م إلى 1.08% عام 2002م، و تضاعف سكان تونس خلال 30سنة بين عامي 1966-1996م، وبفضل التحكم في النمو الديموغرافي لن يتضاعف عددهم مرة أخرى إلا خلال 65 سنة بحسب النمو الطبيعي عام 2002م.ويبقى متوسط سن الزواج من أهم محددات انخفاض الخصوبة إذ بلغ متوسط عمر الرجل عند الزواج الأول 33سنة مقابل 29سنة عند الإناث.وفي التعليم انخفض نسبة التسرب من الدراسة وذلك بفضل تطوير البرامج والمناهج التعليمية والتحسن في البنية التحتية وفي بعض المراحل التعليمية يفوق نسبة الإناث على الذكور كما في المستويين الثانوي والجامعي ،حيث بلغ 53% وفي المراكز المهنية بلغ 33.5% عام 1999م مقابل 27% عام 1996مكما شهد البرنامج الوطني لتنظيم الأسرة تطوراً ليصبح البرنامج الوطني للصحة الإنجابية ويشمل عناصر جديدة مستهدفاً شرائح اجتماعية مختلفة، خاصةً من هم في سن الإنجاب.وتم إدماج عناصر الصحة الإنجابية ضمن السياسة السكانية. وخلال العشر السنوات الأخيرة تم تنفيذ العديد من الدراسات والبحوث المتعلقة بالصحة الإنجابية ، كما تم اعتماد نظام إعلامي جديد وتطبيقه تدريجيا والذي يرتكز على المتابعة والتقييم الكمي والنوعي للخدمات المقدمة وأنشطة الإعلام والتثقيف والاتصال .وقد أظهرت الدراسات أن هناك تحسن في مؤشرات الصحة الإنجابية، فارتفعت نسبة استعمال مختلف وسائل منع الحمل من 59% عام 1994 إلى 63% عام 2002م،كما ارتفعت نسبة الولادة تحت الإشراف الطبية من 80% عام 1994م إلى 90%عام 2002م.وفي مجال الصحة الجنسية والإنجابية للشباب أنجزت تونس العديد من البحوث الهادف إلى تحديد معارف الشباب ومواقفهم وممارستهم والعوامل المؤثرة على سلوكهم كالترفيه والعادات والمطالعة، وبفضل هذه الدراسات ساعدت أصحاب القرار والمخططين من الاطلاع عن قرب على المشاكل التي يعيشها الشباب وتصوراتهم لمختلف مظاهر الحياة اليومية وعلى ضوء نتائجها تم وضع برامج خاصة بالشباب بحيث تلبي طموحاتهم في شتى المجالات كما تم وضع برامج تثقيفية وإنشاء 500نادي للصحة عبر تنظيم أيام وطنية تثقيفية تشمل العديد من المواضيع (الصحة النفسية ،صحة الفم والأسنان،نقص السمع،التدخين،الحوادث....الخ)مولية في ذلك اهتماماً خاصاً بالصحة الجنسية والإنجابية كما وضع الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري منذ بداية عام 1994م، برنامجاً للشراكة مع المنظمات الحكومية وغير الحكومية في مختلف الميادين المتصلة بالصحة الجنسية والإنجابية مستهدفة الشباب داخل الوسط المدرسي وخارجه عبر العديد من الأنشطة وقد دعم هذا التعاون عبر تطوير برامج تستهدف المراهقين والشباب، وقد وضع مشروع الشباب والصحة الإنجابية 1997-2001الذي تمكن من تغطية 75000شاب خاصة خارج الإطار المدرسي وهو يعد نموذجا ناجحا للشراكة بين الهياكل الحكومية وغير الحكومية كما أن هناك مشروع أخر الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا الذي استهدف طلبة إقليم تونس الكبرى ، وبرنامج خاص حول الصحة الجنسية والإنجابية للمراهقين والشباب للفترة 2002-2006م يهدف إلى تحسين معارف 1.600.000شاب وشابة في تونس وتقريب الخدمات الصحية الملائمة عند الحاجة.وبفضل النجاحات التي حققها الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري نال مركز أمتياز في مجال السكان عام 1994م من قبل صندوق الأمم المتحدة للسكان .وقد أطلعت كثير من الدول على التجربة التونسية الناجحة في مجال العمل السكاني الأمر الذي دفع تلك الدول لنقل هذه التجربة إليها للاستفادة منها في تطوير وتحسين برامجها السكانية.