كمال محمود علي اليماني :أهداني الزميل والصديق زهير حامد لقمان، سليل عائلة لقمان العدنية المشهورة، إذ هو حفيد رائد النهضة التنويرية في عدن المحامي محمد علي لقمان، أهداني كتاباً لنجمي عبد المجيد بعنوان عدن (1839 – 1967م)، وهو كتاب ضم بين دفتيه جملة من المواضيع المتصلة بعدن وتاريخها مما نشر في صحيفة (14 أكتوبر)، وكذا صحيفة (الأيام). والكاتب ككثير من أبناء عدن يعشقها حتى النخاع، ولا يكاد يرتوي من ماء هواها فيظل مشتاقاً محباً حتى آخر لحظة في حياته. ومن الواضح أن نجمي قد بذل جهوداً مضنية، لا يستهان بها في جمع مادة كتابه إذ من العسير جداً أن تضع بين يدي القارئ كتاباً يتناول ومضات من تاريخ عدن بأوجهه المختلفة، في ظل فقدان الكثير من المراجع كالصحف والصور، والكتب، والوثائق التي فقد الكثير منها بعد عام 1967م. ولعل نجمي بكتابه هذا قد أراد أن ينبه أولي الأمر من رجالات الثقافة، والتاريخ، وأساتذة الجامعات وغيرهم، إلى أمر ملح يتنادون إليه، ويبذلون جهودهم لتحقيقه، إذ ليس بمستطاع أحد من الناس كائناً من كان، أن يقوم بمفرده بجمع وتقديم تاريخ عدن للأجيال القادمة. إن عملاً كهذا تنوء به العصبة من الخبراء والمتخصصين، فكيف لا تقدر كل هذا الجهد الذي بذله نجمي عبد المجيد، وهو رجل واحد وبمفرده.أحببت أن أضع هذه الملحوظة في مقدمة مقالي لأشفع لنجمي عبد المجيد أي تقصير قد يراه هذا القارئ أو ذاك في كتابه.إننا لسنا بحاجة إلى كتاب أو كتابين لتناول تاريخ عدن خلال حقبة تزيد على قرن وربع قرن، بل إننا بحاجة إلى موسوعة يسند أمر تحقيقها، إلى ثلة طيبة من أبناء عدن الكرام، وأبناء اليمن قاطبة فمن تخصصوا في شأن كهذا، أليست عدن ثغر اليمن الباسم؟؟ودعوني أسأل، نيابة عنكم، هل كان الكتاب كتاباً تاريخياً بالمعنى العلمي لهذه الكلمة، بالطبع لا، وهذا ما أقر به أخونا نجمي في مقدمة كتابه، حيث قال ( لم نهدف إلى تقديم دراسات أو بحوث في المجالات التاريخية، بل كانت الرؤية لدينا تسعى إلى تقديم المعلومات عبر العمل الصحفي، وتوسيع دائرة المعرفة عند القارئ في عدة جوانب من تاريخ هذه المدينة).وبناء على ما جاء آنفاً فإنه من الظلم أن نحاكم الكتاب تاريخياً وأن يشتط بعض الناس أو يصفه باللامنهجية. فالكتاب إنما هو حجرة ألقاها نجمي عبد المجيد في بركة اهتماماتنا الآسنة علها تحدث حركة ما، وتثير همة واحد هنا، وعزيمة آخر هناك.ولقد اشتمل الكتاب على صور متعددة من صور الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية في عدن. وجاء كل هذا عبر استعراض لشخصيات عدنية، كان لهم عظيم الأثر في حياة أهل عدن فمن رائد النهضة التنويرية في عدن المحامي محمد علي لقمان، وولديه عبد الرحيم محمد علي لقمان وفاروق لقمان، إلى أحمد الأصنج وحسن صالح شهاب، مروراً بنجيب جعفر أمان، ومحسن حسن خليفة وغيرهم من الشخصيات التي تناثر عطرها هنا وهناك، أمثال د. محمد عبده غانم، وعبدالله يعقوب خان.وبالطبع فإن الكتاب لم يحو، ولن يقدر وإن أراد أن يحوي كل الشخصيات التي أثرت تأثيراً بالغاً في نهضة عدن خلال تلكم الفترة، فهو – أي صاحب الكتاب – قد أثر أن يعمل بالمبدأ القائل « مالا يدرك جله، لا يترك كله «. فمن الشخصيات الدينية مثلاً أورد لنا في كتابه شخصية العلامة الجهبذ محمد بن سالم البيحاني، ذاك الشيخ الجليل الذي عرفته عدن عالماً ومصلحاً اجتماعياً، بيد أن عدن قد عرفت آخرين أمثال الشيخ با حميش وعبدالله حاتم والسروري والعبادي وغيرهم.وكذا قد فعل في مجالات الأدب والثقافة والفكر والسياسة والاجتماع.لقد تحول صاحب الكتاب إلى نحلة تتنقل بين الحدائق والرياض وانتقي من رحيق تلكم الزهرة قطرة، ومن رحيق أختها قطرة أخرى لتمنحنا قدح العسل، ويبدو أن قدحاً واحداً لا يكفي، إذ أننا بحاجة إلى جرة بل جرارٍ من « عسل مصفى.. نأكله فنشفى « كما كانوا يعلموننا في الابتدائية.ليست الشخصيات وحدها هي التي استعان بها صاحب الكتاب لإزاحة الستار عن جزء من تاريخ عدن، بل كانت المراسلات الرسمية عوناً له في هذا الأمر، كحالة من الزار في عدن، واستقى كذلك من معين المقالات الصحفية التي نشرتها ( قناة الجزيرة )، وإلى وثائق حكومة عدن أو حكومة الاتحاد.ليس الكتاب إلا إلمامة سريعة ببعض ما شهدته الجميلة عدن من شخصيات وأحداث وعادات وتقاليد، ومن اتفاقات ومعاهدات بين هذا الطرف وذاك.لكنه، وأظل أكرر، جهد رائع من صاحبه، يستحق عليه كل الثناء. وإن كان لا يكتمل إلا بجهود مباركة آتية بإذن الله.على أن لي ملاحظتين أرى أن على صاحب الكتاب أن ينتبه لهما لتصحيح ما سيرد في الطبعة اللاحقة، أما أولاهما فهو تحديد صدور صحيفة ( ايدن كرونيكل ) إذ ورد في (ص 171) أنها صدرت أسبوعية بحجم التابلويد عام 1953م. في حين أشارت الصفحة (179) أنها صدرت في عام 1952م.أما ثاني هاتين الملاحظتين فهو اعتماده على التاريخ الهجري تارة والميلادي تارة أخرى، ومادام الغالب على الكتاب هو اعتماد التاريخ الميلادي، فلا بأس إذاً في اعتماد التاريخ الهجري مع مراعاة إدراج التاريخ الميلادي بين قوسين حتى يستطيع القارئ أن يربط بين الأحداث التي ضمها الكتاب. ففي سيرة الحبيب أبي بكر العيدروس مثلاً تجد أنه ولد في عام 855هـ وتوفي في عام 914هـ، وفي حياته بنى مسجده المعروف، ولكن المسجد تهدم فقام عام ( ولاحظ معي هنا ) 1859م الرجل الكريم إسماعيل حبيب الميمني فعمره.ترى كم كان الفرق بين تهدم المسجد وإعادة إعماره؟؟وسواء عليه أظهرت ملاحظات جديدة من قراء جدد أم لم تظهر، فإن كتاب « عدن 1839 – 1967م « لنجمي عبد المجيد هو أحد أكثر الكتب إقناعاً وفائدة، وهو لبنة من لبنات تعلي جداراً في بيت فارهٍ اسمه « تاريخ عدن «.
أخبار متعلقة