هناك عتب كبير على الطاقم الاقتصادي السعودي في عدم قدرته على قيادة الاقتصاد إلى المستوى المطلوب، حيث هناك فجوة واضحة بين ما أنجز من قبل هذا الفريق وبين ما هو ممكن، نظرا لتوافر المعطيات المادية والبشرية والطموح سواء في القيادة أو القاعدة أو طبقة رجال الأعمال والمثقفين. الحاجة إلى القياس والمقارنة تدفع الجميع إلى المقارنة بما هو أقرب جغرافيا وبشريا ـ دبي. وفي ظل قوة الطموح والرغبة إلى النمو تجد الجميع مهما كبرت أو صغرت حجته العلمية يقارن سريعا بدبي. فهذا يذكر أن هناك فقاعة في أذهان المشككين حول ما يذكر عن فقاعة في دبي، وآخر يذكر أن دبي تستعد لبناء مدينة حجاج لعدم قدرة مطاراتنا وبنيتنا التحتية على التعامل مع هذه الأعداد، وآخرها أن ميناء دبي وصل إلى اتفاق مع جيبوتي (على حساب فرصة تطوير ميناء جازان) .. وهكذا.لا شك أن دبي استغلت فرصة تاريخية بين دول كبيرة في المنطقة (المملكة، إيران، والعراق) لم تستطع أن تهيئ المطلوب لتطوير اقتصادياتها أو التواصل مع عالم الأعمال سريع الحركة. من منا لم يحضر اجتماعا أو ندوة في دبي لم يتمكن الرعاة من عقدها في المملكة لعدة أسباب؟تاريخيا هذا الدور ليس جديدا في خريطة العالم الاقتصادية، فقد قامت به عدة دول أو أقاليم صغيرة في فترة من الفترات في منطقتنا، وقامت به سنغافورة وهونج كونج (لاحظ مع تطور وانفتاح ماليزيا وإندونيسيا قل هذا الدور التوسطي وليس نجاح سنغافورة اقتصاديا) وقل تدريجيا لهونج كونج مع تطور الصين. فبريق النجاح في دبي انعكاس لعملية صنع القرار الاقتصادي في السعودية وإيران ناهيك عن العراق، فهذه الدول يسيطر على اقتصادها، بدرجات متفاوتة، عقلية بيروقراطية في جزء منها غير مؤهل، وجزء آخر ذو مصالح ضيقة وجزء ثالث يحاول جاهدا. (سنناقش في مقالة مقبلة نوعية القيادات الاقتصادية في المملكة).هذه المراكز الهامشية سكانيا إذا ما وفقت بقيادة نابهة أمثال الشيخ محمد بن راشد، سرعان ما تستغل الفرصة في خدمة من حوله، فبعد تطوير دبي تراهم يسعون إلى الاستثمار في الدول المجاورة مستغلين الاسم والسمعة أكثر من رأس المال. ولعل أكبر ميزة لدى هذه المراكز قلة الخطوط الحمراء اجتماعيا (كل شيء مقبول في العملية المادية)، وهذا يصعب قبوله في الدول الكبرى المجاورة على الأقل لسنوات طويلة. أحد أوجه المقارنة الواضحة هو في السياسة العمالية، فهل يمكن أن نسمح للتركيبة السكانية أن تصبح مثل دبي مما قد يرفع عدد غير السعوديين إلى أضعاف ما هو حاليا في ظل ضعف الإنتاجية في الاقتصاد السعودي؟ وهل هذا ممكن عمليا واجتماعيا وحتى سياسيا؟بعيدا عن شحن العواطف من خلال المقارنة، دعنا نستند إلى عدة مفاهيم ليكون المقياس والتقدير أكثر منطقية وأقل عاطفية. أولها أن هناك فرصة كبيرة للتطور والنمو، لعل دبي تذكرنا بالمسافة بيننا وبين العالم، ولكن المقارنة المباشرة ليست عملية لأن هناك فرقا كبيرا بين الحاجة والقدرة على التطور لدينا وبين الدور التوسطي الذي تقوم به دبي. ثانيا: ملاحظة أن الدول الكبيرة كالسفن الكبيرة في المحيط إذا أرادت الانعطاف تحتاج إلى حركة دوران كبيرة وقبل فترة لكي تأخذ اللفة اللازمة، هذا من الناحية العملية والتنظيمية. وثالثا: هناك نواح اجتماعية لا يمكن إغفالها، ففصل النواحي الاجتماعية البحتة عن النواحي الاقتصادية ممكن لفترات طويلة في الدول الكبيرة، ولكنه غير مقبول في مراكز التواصل هذه (الكل يعرف أن مئات الآلاف من المواطنين يذهبون للترفيه الاجتماعي). سياسيا تتمتع المراكز هذه بقلة سكانية وقلة توافر مادي، وهذه تساعد على حسم الخيارات الاجتماعية، وهذا غير ممكن في الدول المجاورة. بدلا من أن يصبح مركز دبي وسيلة للشحن العاطفي يستحسن أن يصبح فرصة للاستفادة المتبادلة لتسهيل عملية التحول الاقتصادي في المملكة، وحتى درجة الوعي العام. لعل إحدى فوائد دبي أنها تذكر القيادات والجهاز البيروقراطي المتمكن في المملكة بما هو ممكن وتصبح وسيلة ضغط إيجابية في توافر النبراس والمثال الجيد لما هو ممكن. كذلك هناك فرصة للاشتراك في هذا النجاح كون دبي جزءا من منظومة اقتصادية إقليمية، فاستثمار شركات سعودية في دبي واستثمار شركات إماراتية في المملكة ظاهرة طيبة يستحسن تشجيعها.التحدي في العملية التنموية هو أن تقارن أداءك مع نفسك وأن تنمو بوتيرة متوازنة وذات علاقة مع ما هو ممكن (في ظل معطيات معينة)، ولكن يجب ألا تنسى العالم من حولك، وهذا يختلف منهجيا عن مقارنة مباشرة بدبي، حيث إن في هذا شيئا من الهروب إلى الأمام وتلمس الأعذار والكف عن المقارنة من أجل التقدم هروبا إلى الخلف، ولعل الهروب إلى الخلف أقرب إلى الذهنية البيروقراطية بما فيها من سلامة في تفادي الخيارات الصعبة. [c1]نقلا عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية [/c]
أول المقارنة بدبي
أخبار متعلقة