بمناسبة الذكرى السنوية لميلاد المناضل الأستاذ أحمد محمد نعمان
د. علوي عبدالله طاهر:لقد أدى كبت الحريات في شمال الوطن إلى ظهور طائفة من الناس تحرم كل جديد، وتضطهد المفكرين المتنورين، وتطارد رجال الدين المصلحين، وتعتقل الشباب المتنورين، بدعم من السلطة التي كانت تمنع كل ما من شأنه توعية الناس وتبدد جهالتهم.وفي ظل ظروف الكبت والاضطهاد وجد المثقفون اليمنيون أنفسهم يعملون في ظروف غير طبيعية، وأن مهمتهم شاقة، ومسؤوليتهم كبيرة فلم يكن أمامهم من وسيلة سوى اللجوء إلى عدن “المستعمرة حينذاك” لعلهم يجدون فيها مكاناً يستطيعون أن يعبروا فيه عما في أنفسهم.وفي أوائل عام 1944م وصل إلى عدن أولى طلائع الثوار اليمنيين هروباً من ظلم الإمام يحيى حميد الدين الذي كان وقتها حاكما متعسفاً في الشطر الشمالي من الوطن، وكانوا يبحثون عن الخلاص من أوضاع متردية، وظلم اجتماعي وتخلف رهيب، وكان في طليعة الفارين الشيخ مطيع دماج. وفي 4 يونيو 1944م وصل إلى عدن الشيخ أحمد محمد نعمان ومحمد محمود الزبيري. وكان لجوؤهما في عدن إلى الزاوية العلوية التي كان يرأسها الشيخ عبدالله علي الحكيمي، ووصل بعدهما بقية الأحرار زرافات ووحداناً، ثم استقروا في عدن، واتخذوها مقراً لمواصلة دعواتهم الإصلاحية.وعند وصولهم إلى عدن لقوا العناية والترحاب من أبنائها الذين استضافوهم وأكرموا وفادتهم، ومن ذلك ما نشرته جريدة “فتاة الجزيرة” في عددها رقم “229” الصادرة في يوليو 1944م في صفحتها الرابعة قائلة:“أقام السيد عبده غانم مأدبة غداء يوم الأحد الماضي لتكريم حضرات الأدباء اليمانيين الأفاضل: الشاعر محمد محمود الزبيري، والأديب أحمد محمد نعمان، والأديب زيد الموشكي، والشاعر محمد نعمان، وأمين محمد نعمان، وكانت مأدبة شيقة”.ومع وصول تلك الطلائع إلى عدن بدأت الحناجر تصرخ ضد الظلم، وبدأت الأصوات تردد أنغام العدل والحرية والدستور والكرامة، وغيرها من الكلمات التي كان محرماً التفوه بها في مملكة الأمام يحيى.وفي عدن بدأت الاجتماعات السرية والعلنية لمناقشة الأوضاع المتخلفة في الشمال، والبحث في الوسائل الكفيلة للخلاص من حكم الإمام يحيى بن محمد حميد الدين المتخلف، فأخذوا يتدارسون الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكيفية إصلاح أوضاع البلاد في النواحي المختلفة.وعن حياة النعمان والزبيري في عدن يحدثنا الأستاذ محمد علي نعمان في كتابة قصة الثورة اليمنية قائلاً: وفي يوم 4 يونيو 1944م وصل إلى عدن الثائران اليمنيان الشيخ أحمد محمد نعمان، والقاضي محمد محمود الزبيري، وسكنا عدن واستقرار فيها، وعاشا معاً ودامت صداقتهما، فعملا معاً في قضية اليمن.، وزارا “فتاة الجزيرة” واشتكيا وبكيا وشرحا أوصاب اليمن وجراحه ويأسهما من الإصلاح على يد الإمام يحيى وأولاده.ويشير محمد علي لقمان، إلى كيفية استقبال أهالي عدن للنعمان ورفاقه قائلاً:وهب الشباب العدني للأخذ بأيديهم، ورحب بهم المخلصون والشعراء والجمعيات اليمانية والنوادي العربية، ومخيم أبي الطيب المتنبي على رأسها كلها، وتولت فتاة الجزيرة .. نصرتهم ونشر رسائلهم، وكان من بين الذين نصروا قضية اليمن والمطالبة بتغيير النظام فيها، المجاهد الأبي محمد حسن خليفة، وإخوانه السيد حامد الصافي وعبدالرزاق فكري وعلي عبدالله باصهي وعبدلله ارسلان ويوسف حسن السعيدي، وكل آل لقمان، والنادي الأغبري والنادي الذبحاني، وعدد كبير من رجال اليمن البارزين.ووصل إلى عدن بعد وقت قصير السيد زيد الشاعر العالم الفقيه المحقق والسيد الشامي الشاعر وحسن أبو رأس وغيرهم، ولما طلبوا من حكومة عدن أن يعيشوا هنا لاجئين سياسيين اشترطت عليهم عدم الاشتغال بالسياسة، وطلبت حكومة عدن منهم ضامناً لدى الحاكم العام، وذهبت وقدمت له ضماني الشخصي عنهم أجمعين، باستقامتهم وحالتهم المالية ومصاريف عودتهم، وبعد أن عدت من دار الحاكم العام ناديتهم إلى مكتبي الذي كان قاعة لمخيم أبي الطيب وفي الوقت نفسه قلت لهم بالحرف الواحد “اعتمدوا علي في جميع حاجاتكم” وطلبت من الشيخ أحمد نعمان بعد ذلك أن يتدرب في مكتب “فتاة الجزيرة” على نشر صحيفة عربية يمانية تكون لسان حال القضية اليمنية، وراقته الفكرة، فكان يحضر باستمرار وقد استفادت فتاة الجزيرة من أدبه وعلمه ونقده.وانعقد أول مؤتمر شعبي في التواهي حضره أحمد نعمان، والزبيري والشيخ القوسي، ودماج ومحمد حسن أبو رأس، والموشكي، وعقيل عثمان، والسيد الشامي، وعبدالله ناجي الأغبري ومحرر فتاة الجزيرة.وكان سرياً في بيت في جبل التواهي، إذ لم يستطع رجاله المجاهرة بالعمل خوفاً من حكومة عدن التي اشترطت عليهم عدم التدخل في الأمور السياسية، وفي هذا المؤتمر تأسس حزب الأحرار اليمني، وعزم النعمان والزبيري على الانتقال إلى عدن من الزاوية العلوية في الشيخ عثمان، ولم يجدا منزلاً فتبرع لهما بمنزل يسكنانه الوجيه عبده إسماعيل جاوي، يقع بين النادي الذبحاني والنادي الأغبري في التواهي. وفي عيد الفطر من ذلك العام عقد الحزب جلسه خاصة وفيها تبرع عدد من أبناء عدن بمبلغ 3000 روبية، وهنا حصل خلاف أو شقاق بين نعمان ودماج، لأن أحدهما طلب نصف المبلغ ورفض الآخر طلبه، بحجة أن المبلغ المتبرع به للحزب وليس للأفراد، وهكذا فرقت الفلوس بين الإخوة، رغم كل المحاولات لجبر الصدع، وعاد بعدها دماج وآخرون إلى تعز واستقبلهم ولي العهد أحمد بالوظائف والمرتبات ولم يؤاخذ أحداً منهم، وهنا اهتزت جوانب الحزب، فطلب الجاوي منهم إخلاء منزله، مما أضطر النعمان والزبيري إلى العمل كأستاذين في مدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية، في حين عاد الشامي والموشكي وغير هما إلى صنعاء في عيد الأضحى.وكانت فتاة الجزيرة قد نشرت برنامج الأحرار، مما جعل الحاكم العام لعدن يهددها بالعقاب ويهدد مطبعتها بالإغلاق،بحجة أنه يحظر على اللاجئين السياسيين الاشتغال بالسياسة بضمانة محرر فتاة الجزيرة.وكان الإمام يحيى قد تسلم البرنامج مع مطالب الأحرار فأبرق إلى أحمد نعمان والزبيري يدعوهما لزيارته في صنعاء ليبحث معها في تلك المطالب.وجاء نعمان على أثر ذلك إلى محمد علي لقمان محرر فتاة الجزيرة ليسأله عن رأيه في طلب الإمام يحيى، فقال: أن كان ولا بد فليذهب أحدكما إلى صنعاء، وليبق الآخر هنا، فضحك النعمان ملء شدقيه وقال في سخريته المرحة: كيف؟ قاضبحتم منا؟ أي هل ضقتكم ذرعاً منا. فقال لقمان: وما السبب، فكان رد نعمان عليه بالقول: إن مصير مذهب إلى صنعاء منا السجن المؤبد في “الرادع” أو “غمدان” أو في سجن حجة الرهيب، فقال لقمان: أنتما أعرف بمكة يا أهل مكة. وانتهى الأمر.وكانت قد تأسست الجمعية اليمنية الكبرى، وصدرت صحيفة “صوت اليمن” وبدأ النعمان ورفاقه ينتقدون الإمام يحيى شخصياً، ويعترضون على أسلوبه في حكم البلاد وينتقدون تصرفات أبنائه الذين احتكروا الوظائف القيادية العليا في معظم المدن الرئيسية، وطالبوا بتأسيس مجلس شورى، مؤلف من أعيان اليمن، وعلمائها ورؤساء العشائر، كما طالبوا بنقل الأمير أحمد من تعز، لسوء إدارته للواء.وعلى أثر ذلك قدم إلى عدن القاضي الحلالي، والتقى بكل من نعمان والزبيري، وحاول إقناعهما بالعودة إلى صنعاء أو تعز بناء على طلب الإمام يحيى شخصياً، وأعرب لهما عن عطفه على مطالبهما السياسية، ولكن محاولته باءت بالفشل، فأعقبه في المحاولة القاضي محمد عبدالله الشامي، وفشل هو الآخر في أقناعهما بالعودة إلى مملكة الإمام يحيى، ثم تعاقب الوسطاء لإقناعهما ولكنهم فشلوا جميعهم، لأن الثقة كانت معدومة بين الأطراف جميعها.وكانت من بين المحاولات محاولة قام بها عامل تعز محمد باشا لإعادة نجله أحمد باشا، بتوجيه من ولي العهد أحمد الذي كان وقتها أمير تعز، وفشلت محاولتهما أيضاً في إقناع النعمان والزبيري للعودة، إلا أن الباشا نجح في إقناع ابنه أحمد بالعودة إلى تعز، بعد أن يئس من النعمان والزبيري.لكن الأمير أحمد لم يهدأ له بال مادام النعمان والزبيري باقيين في عدن يتزعمان حركة الأحرار، فأرسل إليهما رجلاً قريباً في أفكاره من أفكار الأحرار، وهو د. غيلان الشرجبي، لكن النعمان تشكك في نواياه رغم أنه كان لا يخفي تعاطفه مع حركة الأحرار وينتقد الإمام وحكومته علناً.وفشلت محاولات غيلان الشرجبي هي الأخرى في إقناع النعمان والزبيري بالعودة، لكن الأمير بقي مصراً على إبعاد النعمان والزبيري من عدن، لما لوجودهما فيها من تأثير على الناس فأسندت المهمة إلى أحد رجال الأعمال ممن يشتغلون بالتجارة وهو الخادم غالب الوزير الذي فشل هو الأخر في أقناعهما بالعودة ولم يبق أمام الأمير أحمد إلا المجيء إلى عدن بنفسه، فوصلها عام 1946، وبذل محاولات بائسة لإقناع النعمان والزبيري بالعودة معه، ووعد بإصلاح الأوضاع وفقاً لبرنامج الأحرار وأنه سوف يستجيب لمطالبهم جميعها، غير أن محاولته هي أيضاً منيت بالفشل، لأن النعمان والزبيري رفضا مقابلته واختفيا حتى لا يتم القبض عليهما، فضلا شبه سجينين في أحد بيوت كريتر التابعة لأحدى التجار الهنود في سوق البهرة، للتمويه.وعاد الأمير أحمد إلى تعز بعد أن أمضى في عدن ما يزيد على شهر ونصف أي 45 يوماً، لم ينجح خلالها في اللقاء بالنعمان والزبيري وإقناعهما بالعودة معه، وكان الأمير أحمد يسعى وقتها لاجتذاب زعماء حركة الأحرار للوقوف إلى جانبه في الصراع على ولاية العهد.ولم تمض سوى بضعة أشهر على عودة الأمير أحمد إلى تعز، حتى أنضم إلى حركة الأحرار أخوه سيف الإسلام إبراهيم، فور وصوله إلى عدن مباشرة، والتقى برجال المعارضة فيها ومنهم النعمان والزبيري، باعتباره من أفراد الأسرة الحاكمة، وبذلك أحرجوا النظام في صنعاء كون أحد أفرادها قد أنضم إلى حركة المعارضة، وأصبح من قادتها البارزين.وكان انضمام الأمير سيف الإسلام إبراهيم ابن الإمام يحيى إلى حركة الأحرار في عدن قد أحدث هزة عنيفة في العقد الملكي وخارجه مما جعل الإمام يصف ابنه بالهوس والجنون وعقوق الوالدين، وقد استفادت حركة الأحرار من ذلك استفادة كبيرة فلقبته “سيف الحق” باعتباره وقف مع الحق، وتحالفوا معه وأسسوا معاً “الجمعية اليمنية الكبرى، وذلك يوم الجمعة 5 صفر1365هـ الموافق 4 يناير 1946م وتهدف إلى:دعوة اليمنيين إلى الإخاء والتضامن.الإرشاد إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله والعمل بهما.تثقيف اليمانيين في داخل الوطن وخارجه في القضايا المختلفة. الاتصال بالهيئات والمنظمات العربية لطلب دعمهم ومساندتهم.وعقب تأسيس الجمعية الكبرى صدر عنها بيان إلى الشعب اليمني حددت فيه أهدافها ونظام سيرها أسمته “أهداف الجمعية اليمنية الكبرى ونظام السير للمطالب الوطنية، طالبت فيه بعدد من الإصلاحات في مجالات الحياة المختلفة، مع شرح الوسائل الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف وبعد الإعلان عن تأسيس الجمعية اليمنية الكبرى في عدن وصدور بيانها ونشر برنامجها السياسي نزل أعضاؤها إلى صفوف العمال والتجار وسائر العاملين في عدن، والتقوهم في أماكن تواجدهم في النوادي والمجالس الخاصة، والنوادي الكروية، ومبارز القات، وشرحوا للناس أهداف الجمعية، ونشطوا في جمع التبرعات لصالح الجمعية من العمال والتجار من داخل اليمن وخارجها، وبدأ العمل التعبوي يتخذ شكلاً جديداً منضماً، حيث صارت المعارضة تمارس نشاطها بصورة علنية يوم ذاك، فارتفعت الأصوات عالياً لتنادي بالإصلاح والتغيير، وتخليص اليمن من الفساد.وفي ظل تلك الأجواء المشحونة بالحماس الجماهيري ظهرت إلى الوجود صحيفة “صوت اليمن” التي كان يحررها كل من الزبيري والنعمان، فكان الأول رئيس تحريرها والثاني مدير تحريرها في حين كانت الأزمة في الحكم على أشدها، وكان لصحيفة “صوت اليمن” عظيم الأثر في الجماهير اليمنية، والتي كانت تنشر كل ما يتصل باليمن من أخبار، بالإضافة إلى أن “صوت اليمن” كانت قد تبنت القضية اليمنية، وعبرت عن هموم الناس ومشكلاتهم ومعاناتهم، ووصل تأثيرها إلى داخل مملكة الإمام يحيى، واستحوذت على اهتمام عدد من المثقفين والطلاب.ونشطت “صوت اليمن” نشاطاً ملحوظاً تمثل في المقالات التي كانت تنشرها لقادة حركة المعارضة وبالذات خطابات النعمان اللاهبة التي كان يلقيها في النوادي الأهلية والتجمعات الجماهيرية وفي المساجد، بالإضافة إلى قصائد الزبيري وغيره.كما نشطت مطبعة النهضة اليمانية بطبع العديد من الكتيبات والنشرات والمنشورات التي يصدرها النعمان ورفاقه، وفي الوقت نفسه كانت هذه المنشورات والنشرات توزع على الناس في كل مكان، وكانت تصل نسخ منها إلى مملكة الإمام يحيى عن طريق المسافرين.ولقد كانت القضية اليمنية هي الشغل الشاغل بالنسبة للنعمان ورفاقه في عدن، فطوال الفترة التي أمضاها النعمان في عدن كانت خطاباته تتردد أصداؤها في عموم اليمن، ذلك أنه كان خطيباً مؤثراً.وفي خضم انشغال النعمان في عدن بالنضال الوطني، وانغماسه في التوعية والتوجيه والتحريض لتغيير الأوضاع،فجع بوفاة زوجته التي تركها في مملكة الإمام يحيى،ولم يستطع المشاركة في تشييع جنازتها،فاهتزت مشاعر الزبيري بذلك،فعزاه بقصيدة مؤثرة،قال فيها (صلاة في الجحيم،ص93).كفكف الدمع واعتصم بالعزاء ليس في الحرب فرصة للبكـاءقد تصديت للجهاد فلا تـــأبه للذي يأتيــك في الهيجــــــــــاءوتعرضت للزمان فلا تجــــزع لإحــــدى أيامــــــه الســــــوداءواحتسب كل ما أصابـــك لـله وواجه قضــــــاءه بالفـــــــــداءوفي القصيدة يذكر الزبيري صديقه النعمان بأنه فارق أسرته الصغيرة من أجل وطنه الكبير فليس بكثير أن يفدي بزوجته هذا الوطن.وفي عدن تمكن النعمان وغيره من حركة المعارضة من التحضير لحركة1948 م.ذلك أنه في عام 1946 م كان قدم إلى صنعاء الفضيل الورتلاني موفداً من قبل الإمام حسن البنا زعيم الحركة (الإخوان المسلمون) في مصر،في محاولة منه لمساعدة اليمنيين في إصلاح أوضاع بلادهم،ولكنه لم يستطع أن يعمل شيئاً بسب عقلية الإمام المتحجرة التي كانت ترفض التعاطي مع كل فكر جديد،وتقاوم أي اتجاه للتغيير.فما كان من الفضيل الورتلاني إلا الاتجاه إلى تعز للقاء بولي العهد الأمير أحمد،لعله يجد فيه بادرة للتغيير وفي تعز التقى الورتلاني ببعض الشخصيات اليمنية واجتمع ببعض المثقفين الذين كان يترددون على مجلس ولي العهد،وكان الورتلاني يناقشهم ويحاورهم في كثير من قضايا الهم اليمني والعربي،وبأسلوبه المتميز،استطاع الورتلاني أن يغير أفكار كثير من الذين التفاهم،فتأثر به ناس وتحمسوا لمبادئه وأفكاره وبلغ الحماس ذروته في صفوف بعض الضباط والشباب،مما اضطر السلطات إلى إيقاف نشاطه ومنعه من اللقاء بالناس والحديث معه،وتعمدوا إيذاءه لإجباره على الخروج من تعز.فاضطر الورتلاني الذهاب إلى عدن وفيها التقى النعمان والزبيري،وغيرهما من قادة حركة المعارضة اليمنية في وقت كان الحماس نحو التغيير قد وصل إلى ذروته غير أن حركة المعارضة وقتها كانت غير منظمة ولما انضم إليها الورتلاني رسم لها الطريق وعمل على تنظيمها وتوحيدها ووجهها إلى ما ينبغي فعله وارتبط بالنعمان والزبيري وغيرهما من حركة المعارضة. فوجدوا فيه بغيتهم حيث تمكن من تجميع قوى المعارضة وسوى الخلافات التي كانت بين قيادة المعارضة وخطط معهم لقيام حكم رشيد يستند إلى الدستور ويرتكز على الشورى،ويستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية،ويعطي المواطنين حقوقهم ويمنحهم كرامتهم.وكانت حركة المعارضة في عدن قد نجحت وقتها في صياغة الميثاق الوطني المقدس،والتحضير للانقلاب على النظام في صنعاء ومهدوا لحركة 1948م والتي كان النعمان أحد المخططين لها وهو ما أوقعه في الأسر بعد فشل الحركة،وتم اقتياده مكبلاً بالقيود من ذمار إلى صنعاء.وهنا تنتهي المرحلة الأولى من وجود النعمان في عدن والتي غلب عليها النضال السياسي،أما المرحلة الثانية فتبدأ بعودته إلى عدن من القاهرة على أثر فشل حركة 1955م الانقلابية التي ذهب ضحيتها عدد من قادة الحركة الوطنية،وزج بعضهم في السجون، وهو ماولد لدى النعمان قناعة بعدم جدوى النضال السياسي ما دام غالبية السكان يرزحون تحت نير الجهل والأمية،فقرر العمل بالجبهة التعليمية والنضال لتحرير المجتمع اليمني من الجهل والأمية فقام بالدعوة للعناية بالتعليم والاهتمام بناء المدارس في المدينة والريف،وشرع لإقناع التجار في داخل اليمن وخارجها بضرورة التبرع لبناء المدارس وحثهم على تعليم أولادهم وابتعاث الناجحين منهم إلى الخارج لمواصلة دراستهم وعمل على حث الآباء لإدخال أولادهم المدارس،ودعا الناس للتعاون في سبيل دعم التلاميذ الملتحقين في المدارس كل بحسب قدرته.ولما نجح في ذلك،شرع في إنشاء هيئة التربية والتعليم اليمنية والتي انبثقت عنها كلية بلقيس في الشيخ عثمان.ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية بذل جهداً مشكوراً ومساعي حثيثة لإقناع الناس في عدن وفي المهاجر للتفاعل مع مشروعه الهادف بناء كلية بلقيس كنواة لغيرها من المدارس في عموم اليمن والمهاجر (انظر بشأنها كتابنا كلية بلقيس تجربة).