أسعدني كثيراً خبر خطوبة الزميلة هيفاء المنصور لرجل دبلوماسي أمريكي وذلك في الخبر الذي ساقته صحيفة الشرق الأوسط يوم الأربعاء الماضي، حيث لفت نظري تصريح الخطيب في الخبر بأنه أعجب بجرأة هيفاء وطموحها وقدراتها الإبداعية، وليس رأي الشاب الأمريكي بهيفاء هو الوحيد الذي أثار انتباهي بل عمرها أيضاً، فقد بلغت هذه الهيفاء الرابعة والثلاثين من العمر، وهو عمر كبير بالنسبة لمجتمعاتنا العربية، والتي تنظر بعين الاستفهام والشك وسوء الظن إلى الفتاة التي تجاوزت الخامسة والعشرين دون أن تتزوج، وكأنها اجترحت إثماً يمنعها من الزواج، وأما إذا بلغت الثلاثين فإن فرص الزواج أمامها تتضاءل إلى الدرجة التي تكاد تصبح فقط محط أنظار المتزوجين الذين يرغبون بالتعدد دون أن ينالها من اهتمام العزاب نصيب؛ وكثيراً ما تضطر الفتاة العربية إذا كبرت سنها أن ترضى بمن هو أقل منها من حيث الكفاءة بغية قطع ألسنة الناس التي لا ترحم، وبالطبع فأنا لا أقصد الكفاءة في النسب لأن (من أبطأ به عمله لم يُسرع به نسبه) كما قال الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، بل الكفاءة العقلية والأخلاقية ثم المادية ثم الاجتماعية ووضعي لحرف العطف (ثم) في الجملة السابقة دلالة على التتابع في الكفاءة فالأخلاق والعقل - الذي يتضمن الدين فمن لا دين له لا عقل له - أولاً، والمكانة المادية والاجتماعية ثانياً.ما الفرق بين الرجل الغربي والرجل العربي في هذا الموضوع؟ السؤال لا أطرحه للمفاضلة بينهما، لكن في حالة هيفاء أعتقد أنها ستجد دعماً معنوياً كبيراً من هذا الشاب الأمريكي إذا تم الزواج بينهما - طبعاً بعد إشهاره للإسلام كما بيّن الخبر - لكن لماذا لا يدعم الرجل العربي طموح زوجته كما هو موقف الرجل الغربي؟ حاول التحقيق الذي أجرته صحيفة الوطن يوم السبت الماضي كشف النقاب عن هذا الأمر، ومع تعدّد آراء الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين لكن أحدهم - أو إحداهن- لم يُشر إلى مشكلة المرأة الطموحة مع الزوج الذي يغار من زوجته، مع أنها مشكلة موجودة في الرجل الشرقي عموماً، إذ تشكّل الثقافة الاجتماعية في نفسه منذ الصغر نظرة استعلائية تجاه الجنس الأضعف، لذلك يرفض أن تتفوق عليه المرأة سواء كانت زوجته أو أخته، ويكفي دليلا على ذلك رأي بعضهم الرافض أن تكون مديرته في العمل امرأة، مع العلم بوجود بعض النساء المتميزات بقدراتهن الإدارية، فليس للذكورة والأنوثة في العمل مكان، والفروق الذكورية والأنثوية يجب أن تبقى حبيسة المنزل ضمن العلاقة الكائنة بين الرجل وزوجته، أما في التربية فلا مانع من وجودها - إلى حدٍّ ما - لكن ليس لإعلاء جنس على جنس بل لإعطاء كل منهما صفاته الأساسية التي تمكّنه من القيام بمهمته المستقبلية كأب أو كأم.الغيرة طبيعة بشرية، وقد وُجدت منذ الأزل وأكبر مثال هو غيرة إبليس من آدم عليه السلام، والدافع وراء غيرته - لعنه الله - هو الغرور الثاوي في كلمته (أنا خير منه)، ففي داخل كل إنسان نفس أمارة بالسوء، وتختلف النفوس في طبع الغيرة، ويمكننا ملاحظة ذلك بين الأطفال فبعضهم ليس لديه شعور بالغيرة من إخوانه أو أخواته، ولكن عندما يتأجّج الموقف بين أخ وأخيه فمن الطبيعي أن يظهر شيء من الغيرة المختفية وراء المحبة الأخوية، مع الإشارة إلى أن التربية الخاطئة التي تعتمد أسلوب التفاضل بين الأطفال تؤدي إلى زيادة توقّد هذه العاطفة الهدّامة المسيئة للنفس والآخرين، وغالباً ما تكون المقارنات التفضيلية بين الإخوة دافعاً لنشوء عقد النقص في نفوس بعضهم، وتنعكس عند الكبر بنقص الثقة بالنفس، والذي قد لا يكون واضحاً إلا للعين الخبيرة بالنفوس وأدوائها.عوداً إلى الموضوع الأساسي، فعند زواج المرأة الطموحة من رجل يقلّ عنها طموحاً، فإنها ستكون أمام أحد رجلين: إما رجل يعلم أن طموحه - أو إمكانياته - أقل ومع ذلك يتقبّل طموح زوجته ويشجّعها، وهذه حالة نادرة جداً في مجتمعاتنا العربية، أو رجل يتصنعّ الطموح ويموّه شخصيته فيبدو واثقاً بنفسه ومشجعاً لزوجته على إثراء طموحها والمثابرة في إبداعها وما إن تمرّ فترة على الزواج حتى يزحف الشعور بالغيرة إلى قلبه فيحاول بكل السبل أن يكبّلها عن الإنجاز ويمنعها من الظهور كأفضل منه، فتعيش الزوجة بين مطرقة طموحها وسندان غيرة زوجها إلى أن تختار بين انزوائها تحت مظلة نقصه وبين رفضها هذا الظلم وحصولها على لقب مطلقة الذي تخشاه الكثيرات.هنا قد يطرح سؤال عن مغزى حسن الاختيار الذي يجب أن يكون مانعاً للطلاق، ولقد كانت مقالة الأستاذ عبدالله الجعيثن في جريدة الرياض يوم السبت الماضي بعنوان (الطلاق يسبق الزواج) جيدة، فقد أشار إلى ضرورة رؤية المخطوبة والتحدث إليها لمعرفة إن كان الخاطب يرتاح لها أم لا، ومع اقتناعي بأهمية الرؤية والتحدث، لكنني أشك في أن ما يحدث في مجتمعاتنا العربية - بشكل عام وليس فقط في المملكة العربية السعودية وهي الأكثر محافظة وقيوداً على موضوع الرؤية فكيف التحدث؟! - يهيئ للاختيار الواعي أن ينمو، ففي المملكة وحسب أحدث الإحصائيات ينتهي ثلث حالات الزواج بالطلاق، وهذا دليل على أن الاختيار لم يكن سليماً، عدا حالات الطلاق العاطفي الذي أشار إليه الكاتب أيضاً والذي يجعل كلا من الزوجين يتمتع بلقب متزوج مع أنه منفصل عن شريكه جزئياً أو كلياً، وأما بالنسبة للمرأة الطموحة التي تريد أن ترضي فطرتها البشرية وكذلك غريزتها الأمومية، فإن فرص إيجاد رفيق حياة مناسب تكون أندر من النادر، غالباً لأنها ستنشغل بتحقيق ذاتها وإنجاز طموحها، ولن تفكر بالزواج قبل التخرج من الجامعة، كي لا يشغلها عائق الزوج والأولاد عن متابعة الدراسة، وإذا كانت ناضجة أكثر فإنها تعلم أن زيادة خبراتها في الحياة تهيِّئها لاختيار أصوب، ولكنها تفاجأ بعد ذلك بتقييمها من خلال المنظار الاجتماعي الضيق والذي لا يهتم لشهاداتها، بقدر ما يهتم للجمال الخارجي، موقعاً إياها في فخّ العنوسة، هذا إذا لم يكن الاهتمام موجهاً لغاية مادية بحتة وكذلك إذا لم تكن ضحية ضغوط أسرية تدفعها إلى الخضوع لرجل واحد يكون زوجها على أن تكون سجينة لآراء الإخوة والأخوال والأعمام وغيرهم من رجال العائلة والقبيلة.قد تعود غيرة الرجل من الزوجة إلى مفهوم القوامة الخاطئ الذي يعشّش في عقول كثير من الرجال فالرجل الشرقي يعتقد أن القوامة تسمح له بالتحكم بزوجته كما يريد، مع أن من حق المرأة أن يكون لها كيانها الخاص وآراؤها المستقلة وشخصيتها المتفردة كإنسان، ومن الملاحظ أن الرجل الشرقي كثيراً ما يعيد تحقق طموحات المرأة إليه شخصيا، أما الحالة العكسية بأن يرجع الرجل نجاحاته لمساعدة زوجته إياه فهو شيء معيب في شرقنا العربي، وهذا الوضع لا ينجو منه مثقف ولا غيره، ولم أقرأ إلى الآن كتاباً واحداً يوقّع فيه الكاتب إهداءه لزوجته إلا إذا كان قد عاش في الغرب، وكأن الرجل الشرقي يخشى من الاعتراف بفضل زوجته عليه، لذلك تكاد تنعدم لدينا جملة (وراء كل رجل عظيم امرأة) أما السائد فهو العكس بأن وراء كل امرأة عظيمة رجلاً!كثيرات من الفتيات المتفوقات يخشين عواقب الزواج، مع أنهن يتشوفّن لذلك اليوم الذي يسعدن فيه بالارتباط برجل، وليست مقدمتي عن هيفاء المنصور تشجيعاً للبنات العربيات - عامة والسعوديات خاصة - على الارتباط برجال غربيين، بل هي دعوة للرجال العرب والمسلمين أن يقتدوا بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي كان يذكر فضل خديجة عليه إلى الحدّ الذي أثار غيرة عائشة رغم صغرها وحبّ الرسول عليه الصلاة والسلام لها؛ ففي الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: استأذَنَتْ هالةُ بنتُ خُوَيلد ـ أُختُ خديجة ـ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فعرَفَ استِئذانَ خدِيجةَ، فارتاعَ لذلك فقال: اللهم هالةَ. قالت: فغِرتُ فقلت: ما تذكرُ من عجوزٍ من عجائزِ قريش حمراءِ الشدقَين هلَكَت في الدهر، قد أبدَلَكَ اللَّهُ خيراً منها، فقال عليه الصلاة والسلام: (ما أبدلني الله خيرا منها، آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس).ربّ قائل يقول: وأين نساؤنا من خديجة؟ والسؤال ذو مصداقية حقيقية لأن مقارنة أي امرأة مع خير النساء خديجة لا يوافق عليها الحسّ السليم وذلك لمواصفات خديجة المتفوقة رضي الله عنها وأرضاها، وإذا كان من واجب نسائنا أن يقتدين بها فإن إشكالية مجتمعاتنا تجاه قضايا المرأة تبقى غير مفهومة، على سبيل المثال هذه الإيجابية التي اتصفّت بها خديجة عندما أرسلت تطلب الرسول عليه الصلاة والسلام للزواج لا تبيحها عادات المجتمع العربي إطلاقاً، ومع اقتناعي الشخصي بأن فطرة المرأة تستدعي أن تكون مطلوبة لا طالبة إلا في حالات استثنائية، لكن ذلك ليس متناقضاً مع اتصاف فتياتنا بالطموح بل هو مطلوب عبر أساليب التربية التي تعطي الأنثى قيمتها الذاتية وتمنحها الحق بأن يكون لها صوت في الأسرة على أن تعاضد المدرسة هذا التوجه عبر المنهج التعليمي والقدوات التربوية، أما الإعلام فهو يكرّس النماذج الأنثوية الاستعراضية وبالنسبة للإعلام الذي يسمى إسلامياً فهو غالباً إما مغيّب للمرأة صوتا وصورة، أو مسطّح لعقل المرأة، أو مقدّم لنماذج أغلبها ممثلات تائبات وبرغم الترحيب بتوبتهن لكن لا أعتقد أنهن النموذج الأمثل لفتاة طموحة متفوقة.[c1]* نقلا عن/ صحيفة "الوطن" السعودية[/c]
المرأة الطموحة بين فخّ العنوسة وخيار الطلاق
أخبار متعلقة