بعد أيام من فتح باب الترشح للانتخابات المحلية اصطدمت اللجنة العليا بأن عدد المرشحات محبط جداً، فعقدت اجتماعاً"طارئاً"، أعقبته مسيرة إلى دار الرئاسة والجميع يتحدث عن إعاقة حزبية لمشاركة المرأة كما لو أن هذه الأحزاب كانت بالأمس ترعى المرأة وتدير شئونها، وتهتم بقضاياها حتى تستحق العتاب أو اللوم..!عندما يدور الحديث عن المرأة اليمنية لا أدري لماذا يحصر المعنيون مشكلتها في المشاركة الانتخابية، ولماذا يناقشون هذه المشكلة بلغة حزبية ويعلقون مصيرها ومستقبلها بالقرار الذي يمكن أن يتخذه هذا الحزب أو ذاك رغم علم الجميع أن المرأة لا تحظى بعلاقات تنظيمية جيدة في جميع الأحزاب، وأن وجودها فيها تحصيل ليس إلاً، وإنها قد لا تدعى إلى الاجتماعات الحزبية إلاّ في المواسم الانتخابية، وأن بعض الأحزاب لديها موقف من موضوع مشاركتها الانتخابية.ما حدث في اليمن من تدني عدد المرشحات هو في حقيقته ليس مشكلة انتخابية، أو حزبية، أو تشريعية - كما يعتقد البعض- بل مشكلة ثقافية واجتماعية لم تكن المرأة اليمنية أول ضحاياها بل سبقتها المرأة البحرينية ، والمرأة الكويتية اللواتي فشلن في تحقيق أي مشاركة سياسية.. بل باعتقادي أن المرأة اليمنية هي الأوفر حظاً في الجزيرة العربية لأنها موجودة فعلياً في القطاعات المهنية بمراكز قيادية رفيعة، وموجودة كوزيرة، وأصبحت تقود الاتحاد النسائي العربي، وما أكثر المبدعات اليمنيات في شتى المجالات.لكن بالنسبة للانتخابات سيختلف الأمر قليلاً لأن القضية مرتبطة بخلفيات الثقافة الشرقية السائدة في مجتمعاتنا العربية.. فالذين يتحدثون اليوم عن حقوق المرأة ومشاركتها هم في حقيقة الأمر لا يؤمنون بهذه الحقوق داخل بيوتهم.. والذين نراهم متحمسين جداً لنقد الأحزاب على خذلانها للمرأة سواء كانوا سياسيين أو إعلاميين، أو ناشطين في منظمات الغالبية العظمى منهم يخجلون فتح مثل هذه الموضوعات في جلسات عائلية مع بعض أقربائهم، وقلما تجد بينهم من يؤمن أن من حق زوجته المشاركة حتى في رحلة سياحية إلى (شلالات بني مطر) أو (شبام) أو غيرها.. فهناك أعراف وتقاليد، ومجتمع مترامي الأطراف يفرض ثقافته على الواقع السياسي؛ وطالما نحن نتجاهل هذه الثقافة ، ونريد القفز فوق الواقع الاجتماعي بين يوم وليلة فأننا لا يمكن أن نتوقع مشاركة سياسية فاعلة للمرأة اليمنية.. وحتى لو نجحت هذه المرأة في القفز على الواقع بمساعدة حزبية فإنها ستصطدم بنفس الواقع خلال خدمتها اللاحقة، وستصاب بالإحباط دونما تحقيق القدر المأمول من التقدم والتطور.لو راجعنا حساباتنا بشأن الجهد المبذول من أجل تمكين المرأة للمشاركة الانتخابية نجد أن هناك ما لا حصر له من الندوات، وحلقات النقاش، والحوارات المشتركة بين الأحزاب، وكذلك الدورات التدريبية التي أقامتها منظمات دولية ومحلية ، ناهيكم عن النشرات والبيانات، والدراسات التي أقيمت لهذا الشأن.. فهل يجرؤ أحد اليوم على تقييم جدوى كل ذلك!؟ وهل هناك من يسأل لماذا أفضت كل تلك الجهود إلى النتيجة الهزيلة في عدد المرشحات!؟ هل أن هؤلاء استغلوا اسم وشعارات المرأة لمصالح شخصية تقابلها فعاليات مظهرية، أم أنهم خانتهم مهاراتهم التدريبية، أم أنهم كانوا يعملون بالاتجاه الخطأ والزمن الخطأ!؟لقد كتبت مراراً بهذا الشأن وحذرت من أن العاملين في تمكين المرأة يتمادون في تجاهل الواقع، ويدربون عدداً محدوداً من النساء مقابل تجاهلهم الملايين من اليمنيين الذين بيدهم قرار قبول المرأة أو رفضها.. لكن يبدو أن لا أحد يستمع لأحد .. وان البعض سعداء ببعض العبارات والجمل التي يحفظونها ويكررونها في كل مناسبة، معتقدين أنها نهاية الثقافة، وآخر الرأي، وأنهم لم يعودوا بحاجة إلى مزيد من الرأي والنقاش ووجهات النظر.إذن مشكلتنا ليست في الأحزاب، ولا التشريع القانوني، بل في المعنيين بتهيئة الظروف الثقافية والاجتماعية اللازمة للقبول بالمرأة كشريك سياسي.. وهو ما جعلنا في وادي بينما المجتمع في وادٍ آخر "وكلاً يغني على ليلاه" حتى حان موعد الاستحقاق الانتخابي واكتشفنا حقيقة الخطأ الذي وقعنا فيه.. ومع هذا ما زال الكثير من الناس يتحدث عن أن الأحزاب وحدها المسئولة، وأن الدولة معنية بتبني قرار سياسي يفرض المرأة كمرشحة، متجاهلين أن القرار السياسي لا يستطيع أن يفرض على الناخب اختيار المرأة بأي حال من الأحوال.
مشاركة المرأة الانتخابية ليست هي المشكلة
أخبار متعلقة