اصدارات
القاهرة / متابعات : «هل قذفت في يوم بحبل صغير في نهايته شص لبحر كثير العطاء فمنحك أغلى ما عنده من أسماك؟!.. هل شاهدت الفجر من خلال أشجار النخيل وجبل متعدد الألوان وأنت تتحرك على الطريق؟!.. هل جلست في يوم تشاهد الشمس وهي تسقط في البحر وتترك خلفها غلالات صفراء تكسو الأفق؟!.. هل عاشرت بشرا يسهرون طول الليل حولك يحرسونك لأنك تهذي من الحمى حتى تشفى؟!.. هل عطشت حتى الموت ثم اندفع إلى حلقك سرسوب من اللبن الدافيء من ثدي معزة وهبت لك الحياة؟!.. هل شممت رائحة زهور البرتقال تلفك من كل جانب؟!.. هذه هي سيناء.. هل حلمت بالمستقبل وبنيت المدارس والوحدات الصحية والإجتماعية المتناثرة على مسافات لا تقل عن المائة كيلو بين الوحدة والأخرى ثم شاهدت الأطفال والنساء وهم يملؤونها؟!.. هذه هي سيناء بالنسبة لي.»هكذا يقول الكاتب محمد حسين يونس في روايته «خطوات على الأرض المحبوسة» الواقعة في 300 صفحة التي أعادت نشرها دار الشروق مؤخرا تحت سلسلة «نصوص متميزة» التي «تعنى بنشر النادر أو المنسي من الادب المتميز والممتع والذي شكل علامات مهمة في مسيرة الأدب العربي الحديث» كما يقول الغلاف الأخير.المؤلف هو أحد المهندسين المصريين ثم أصبح الأسير رقم 51763 لدى الجيش الإسرائيلي في حرب يونيو 1967 التي استولت فيها اسرائيل على شبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية الفلسطينية، خرج الرائد محمد حسين يونس بعد ثمانية أشهر قضاها في معتقل عتليت الإسرائيلي، وقرر بعد فترة الكتابة عن تجربته قبل أن تواجهه صعوبات في نشر هذا الكتاب لأسباب أمنية، ربما كانت طبيعية في ظل ظروف تلك الفترة، حتى استطاع أخيرا نشره في أبريل عام 1982، بعد خمسة أيام على تحرير سيناء.محمد حسين يونس كان من الضباط الذين شاركوا في حرب اليمن، وفي مايو 1967 ذهب إلى سيناء مع وحدته العسكرية، ونشرت الجرائد صور دخول فرقته «الفرقة الرابعة المدرعة» سيناء، وكان يسأل هل هذه حرب أم مناورات وأسلوب ضغط لتحقيق انتصار سياسي؟ وتعرض لتجربة الأسر المريرة، بعد هزيمة بشعة، كانت الصدمة كما يروي هزت إيمان الجميع وثقتهم بأنفسهم، فقد استخدم العدو مع الأسرى جميع الوسائل التي عرفها العالم في معسكرات الأسر النازية، كان الهدف تدمير العقل بالتشكيك في كل شيء حتى يصبح الأسير بلا مقاومة داخلية.يقول المؤلف عن إسرائيل أنها: لا تملك عمقاً حضارياً يجمع بين الإسرائيليين وهذا يجعل القتل مبررا لجيش لا يوحد بين أفراده إلا السلاح أما الجذور فتتنوع «متنافرة لا أساس يجمعها ولا تكوين» لأن الاسرائيليين ينتمون الى عدة جنسيات وأعراق.في الرواية يسجل المؤلف:» ... كانوا يوجهون نداءً يقول: أيها الجندي المصري نحن لا نريد بك أي أذى.. عندما تشاهد جنود جيش الدفاع الإسرائيلي ألق بسلاحك، وارقد مادًا يديك أمامك.. جنود جيش الدفاع لديهم الأوامر بأن لا يصيبوك بضرر.. وستقضى فصل صيف ممتعًا على ضفاف البحر المتوسط في ضيافتنا».ويصف محمد حسين يونس في روايته التسجيلية مشهد وصوله مع آخرين إلى معسكر الأسر قائلا إن الجنود الإسرائيليين كانوا في حالة هياج لا يكفون عن توجيه السباب والضرب للأسرى الذين سقط المئات منهم منهكين من الإعياء ثم حذرهم الحرس الذين كانوا «يطلقون الرصاص فوق مستوى الرؤوس الراقدة مباشرة وهم يصيحون.. ناموا كلكم» في ساحة تحيطها كشافات ضخمة من كل الجهات.يقول الأديب يوسف القعيد عن الرواية في مقال له بجريدة «الراي» الكويتية: الراوي البطل مهندس وضابط... ولذلك كان هناك حرص من العدو على حياته...وخاصة أنهم كانوا قلقين جداً على مصير الألغام المزروعة في سيناء وكانوا يبحثون عمن يعرف سرها من الضباط الأسرى.ورغم هذا تبقى هذه الشهادة المهمة تؤكد... أنه كانت هناك حالات من القتل الجماعي للأسرى. وأن الذين نجوا كانوا من الضباط الذين كانوا يعملون في تخصصات تهم الإسرائيليين. وأن فكرة حفر القبور للأحياء قبل قتلهم قد جرت.