قراءة في صفحة من صفحات التراث الشعبي اليمني
محمد زكريا :إذا ما وطئت رجلك يافع ، شعرت بأنك تعود إلى الزمن الموغل في القدم ، وأنك في عالم غير العالم الذي كنت تعيشه ، عالم يمور بالتراث والتاريخ والأصالة اليمنية الضاربة جذورها في أعماق فجر الحضارة الإنسانية ، وقد صبغت بيئتها أهل يافع برباطة الجأش ، الشهامة ، الكرم ، والجرأة، ومن مميزات بيئتها المناظر الخلابة الساحرة المتنوعة الباهرة فانعكس ذلك على أزياء نسائهم ذات الألوان البهية الجميلة التي تتألق تحت ضياء أشعة الشمس فتأخذ العين أخذًا . وفي الصيف تكتسي جبالها الحلة الخضراء من جراء الأمطار الغزيرة التي تهطل عليها ، وتشاهد مدرجات البُن على سفح جبالها فتضفي على الطبيعة جمالا على جمال ، وترى السحب الكثيفة تحوم على قمتها الشامخة أشبه ما تكون بإكليل النصر يغطي هامتها الشامخة . ومن يتأمل طرز عمارتها فإنه يشهد للمهندس اليافعي القديم بعبقريته في تشييد تلك المباني فوق قمم الجبال التي تكاد تلثم وجه السماء ، ومبانيها العتيقة أشبه ما تكون بالقلاع ، والحصون. وكيفما كان الأمر ، فقد ضمت يافع في ثناياها تراثاً عريقاً منه الأمثال الشعبية والتي سنلقي الأضواء عليها بعد قليل لنتعرف على حياة أهلها الاجتماعية أو بالأحرى على تاريخها الاجتماعي من نافذة تلك الأمثال . وهذا ما أكده أحد الضباط السياسيين البريطانيين الذي زار منطقة يافع ومدنها المختلفة سنة 1942 ومكث فيها وقتاً ليس قصيراً، بما معناه : “ إذا أردت معرفة يافع وعاداتها وتقاليدها معرفة عميقة يجب أنّ تطلع على أمثالها الشعبية النابعة من بيئتها الممتدة إلى حضارة حمير الرائعة “ . وكان من الطبيعي أنّ تصدح منطقة يافع المطرزة بالرواء ، والجمال بالأمثال الباهرة التي سنوردها بعد قليل .«الشائع من أمثال يافع»[/c]والذي دفعنا إلى كتابة هذه المقدمة هو كتاب يحمل عنوان (( الشائع من أمثال يافع )) وصفحات الكتاب تحتوي على أكثر من 3000 من الأمثال الشعبية اليمنية المتداولة في يافع , ولقد قام بجمعها وشرحها الباحث الدكتور علي صالح الخلاقي الذي بذل جهودًا جهيدة من أجل تعريف القارئ حلقة في سلسلة التراث اليمني العتيق وهي الأمثال . حقيقة أنّ الكتاب يتكلم عن الأمثال اليافعية الشائعة والمشهورة ولكنه في نفس الوقت ربطها بالأمثال اليمنية وكذلك ربطها بالتراث الإنساني وبعبارة أخرى أوضح لنا الباحث الخلاقي أنّ تلك الأمثال اليافعية واليمنية والإنسانية توجد فيها قواسم تراثية أو ثقافية مشتركة فيما بينها . وبسط لنا القول أنّ الأمثال اليافعية تمتزج بها اللغة العربية والحميرية , وقد شرح تلك المسألة والتي سنبينها بعد قليل . [c1]قواسم مشتركة[/c]ويؤكد الأديب والكاتب الكبير حسين سالم باصديق في كتابه (( في التراث الشعبي اليمني )) باستفاضة الملامح والقواسم المشتركة والمتشابة في الأمثال والحكم الشعبية بين شعوب العالم ، فيقول : “ كل شعوب العالم ، قديمها وحديثها ، لها نتائج تجاربها وخبرتها في المعتقدات والعادات والتقاليد ، كما لها أيضًا نتاجاتها الفكرية وخلاصات اهتمامات الأفراد الذهنية . فلها أمثالها وحكمها الشعبية ، وقد تختلف هذه من بلد إلى آخر ، ومن شعب إلى شعب ، حسب ظروف معيشة تلك الشعوب المختلفة . ولكن هناك مجالات كثيرة للتقارب والتشابه في الأمثال والحكم من حيث أنّ كل شعب من الشعوب وخاصة القديمة منها مرّ بنفس مراحل الحياة والعمل كالزراعة والرعي والصناعات البدائية وغيرها “ . ويذكر باصديق أنّ شعب اليمن صاحب الحضارة العريقة الضاربة في فجر الإنسانية له تجاربه الغنية والخصبة في الحياة الفكرية والثقافية فمن البديهي أنّ يكون له تراث ضخم في الأمثال والحكم والشعبية ، فيقول : “ واليمن كشعب عريق وله حضارات قديمة سادت وبادت له تجاربه وخبراته السابقة التي ورثناها نحن الأجيال المتعاقبة من معتقدات وعادات وتقاليد ، كما له نتاجاته الفكرية المعبّر عنها بالأمثال والحكم التي جرت مجرى الحياة وما زلنا نتوارثها ونرددها ونفسرها “ . ويفهم من ذلك أنّ تاريخ الأمثال والحكم الشعبية اليمنية يرجع إلى الزمن البعيد وتحديدًا إلى اليمنيين القدامى الذي عبروا عن آرائهم ، وخواطرهم عبر الأمثال اليمنية والحكم الشعبية ، والأمثال اليافعية تعد جزءاً لا يتجزأ من نسيج الأمثال اليمنية أو حلقة في سلسة تراثها الأصيل الطويل المليء بالعبر والدروس والحكم الإنسانية الرائعة . [c1] صوت الشعب [/c]وتقول الباحثة سعاد محبوب في مؤلفها (( الأمثال اليمنية وعلاقتها بالأمثال القديمة )) إنّ الأمثال في الحقيقة ما هى إلا تعبير عن صوت الشعوب أو صوت الشعب ـــ على حد تعبيرها ـــ لكونه يعبر عن قضاياه ، ومشاكله ، وهمومه فمن خلال تلك الأمثال الشعبية نتعرف على ثقافته من عادات وتقاليد ، فإذا كانت الأمثال ( صوت الشعب )) فهي أيضًا نبض الناس العاديين . وفي هذا الصدد ، تقول : “ الأمثال (( صوت الشعب )) كما يقولون ، فمن خلالها نتعرف تقاليده ، ونمط حياته ، وتفكيره ، وصفاته الخلقية ، واللهجة التي تكلم بها والأساليب التي عبر بها عن أفكاره . كما أنها مادة خصبة نستشهد بها في أمور كثيرة تمس حياتنا اليومية بل هى وثائق في التاريخ ، والسياسة ، والاقتصاد نرجع إليها لنلمس من خلال كلماتها كيف تعامل الشعب مع حكامه ، وكيف عالج شوؤن حياته “ . وفي نفس السياق ، يقول الخلاقي : “ ... يستخدم الناس ( أي أهل يافع ) الأمثال كملح طعامهم ، في أحاديثهم ولقاءاتهم ومجالسهم وفي تعاملهم فيما بينهم ، وقلما يخلو حديث لهم من مثل معروف ولذلك يحفظ الناس عن ظهر قلب أمثالهم ، وبالذات الأميين الذين يميلون إليها كثيرًا لسهولتها وسهولة فهم معناها ومغزاها ، وبحكم الحاجة إليها في علاقتهم ببعضهم وفي كل شوؤن حياتهم حتى أضحت الأمثال أشبه بقوانين نافذة تعالج مشكلاتهم وتنظم سلوكهم وقواعدهم الأخلاقية “ . [c1]من التاريخ الاجتماعي[/c] وتؤكد سعاد محبوب بأنّ الأمثال الشعبية تغوص في أعماق المجتمع لتلقي الأضواء على أدق تفاصيل الحياة اليومية في المجتمع على تباين مشاربه الاجتماعية ، فتقول : “ ولا تقف الأمثال عند حدود القضايا العامة ، بل تتطرق إلى أدق تفاصيل الحياة اليومية للناس والعلاقات الإنسانية الخاصة بهم . ولا أعتقد ـــ والكلام مازال لها ـــ أنّ فنًا آخر من فنون الأدب قد مس حياة الأفراد الخاصة والعامة كما فعلت الأمثال “ . وهذا يدل بأنّ الأمثال تعد من مراجع التاريخ الاجتماعي والذي نحن في أشد الحاجة إلى دراسته نظرًا لقلة المعطيات وندرتها عن تاريخ اليمن الاجتماعي . وتطرقت الباحثة سعاد إلى كتاب بعنوان (( من الأمثال الشعبية اليمنية بمنطقة يافع )) ، وتذكر أنّ الكتاب يحتوي على 544 مثلاً ، وقد قام بجمع هذه الأمثال محسن بن محسن ديان ، وعوض مثنى قاسم ، وتقول أنه بالرغم من الأخطاء الذي وقع فيها أصحابها المتمثلة بــ “ الأخطاء اللغوية ، وركاكة الأسلوب في شرح الأمثال إلاّ أنه إسهام جيد في المحافظة على أمثال هذه المنطقة التي لم يلتفت إليها أحد من قبل “ . وهذا يوضح لنا أنّ الأمثال اليافعية ، قد تم تناولها قبل هذا الكتاب (( الشائع من أمثال يافع )) الذي نحن بصدد الحديث عنه . [c1] التجارب الإنسانية[/c]وقلنا سابقاً: أنّ الأمثال الشعبية اليافعية الكثير منها من بيئتها الخاصة والبعض الآخر من البيئة اليمنية ، والعربية ، والإنسانية أو بالأحرى أنّ الأمثلة اليافعية الكثيرة منها الذي ذكرت في ثنايا صفحا الكتاب ما هي في الأصل إلا من تجارب الثقافات الأخرى والذي امتزجت وانصهرت الأمثال اليافعية بها ، وفي هذا الصدد ، يقول الخلاقي : “ أنه من المبالغة القول ، أنّ الأمثال الواردة هنا جميعها يافعية ، أو يمنية المصدر ، بل إنّ منها ما هو نتاج يافعي بحت ، مرتبط بالبيئة اليافعية ، وكثير منها يمني وعربي بل وإنساني شامل يتردد لدى الكثير من الشعوب لترابط التجارب الإنسانية التي تعد الأمثال وليدة لها وتمثل ما يشبه القواعد المنظمة للسلوك العملي في حياة الأفراد “ .[c1]منهج الكتاب[/c]ويرسم الخلاقي منهجه في شرح وتفسير الأمثال اليافعية ، فيقول : “ ... وعملت جاهدًا في ترتيب الأمثال حسب الأحرف الأبجدية والوقوف على شرحها وإثرائها بإيراد بعض الشواهد والاستدلالات من الأشعار العربية والشعر الشعبي اليافعي وكذلك الأحاديث النبوية ، والمأثورات العربية التي تؤكد معنى المثل “ . ويضيف ، قائلاً : “ كما حرصت على تتبع آية أمثال لم تشملها مدوناتي الخاصة بهدف تغطية المساحة الشاسعة لإقليم يافع المترامي الأطراف ، بتعدد لهجات مناطقه وأخرى . وقد عالجت هذه المسألة بتثبيت الروايات المتعددة للمثل الواحد ، واكتفيت بشرح إحدى هذه الروايات والإحالة إليها عن تكرار صيغة المثل “ .[c1]ذاكرة الأجيال [/c]ويذكر الدكتور الخلاقي أنّ الغاية من جمع وشرح الأمثال اليافعية يعود إلى إيقاع حياة العصر السريعة التي زحفت بقوة لتدفنها في رمال النسيان من ناحية وانقراض الرواة القدامى الذين كانوا يحفظون الأمثال عن ظهر قلب لكونهم كانوا أميين من ناحية ثانية وعندما انتشر التعليم بين أوساط المجتمع لم يعد أحد يهتم بتلك الأمثال الأصيلة من ناحية ثالثة وأخيرة . وفي هذا الصدد ، يقول : “ واليافعيون مثلهم مثل كل اليمنيين افتتنوا بالأمثال التي حفظتها ذاكرتهم وجرت على ألسنتهم تتناقلها أجيالهم جيلاً بعد جيل على مر السنين وتعاقب الأجيال ، فوصلت إلينا بروعتها وعمق معانيها مع ما أضافته إليها ، وأبدعته قريحة الأجيال المتعاقبة “ . ويضيف ، قائلاً : “ ولأنّ ذاكرة الناس كانت أحرص على حفظ هذا التراث النفيس بحكم انتشار الأمية في الماضي وحتى لا تكون هذه القيم عرضة للضياع أو النسيان من ذاكرة الأجيال وبحكم إيقاعات التطور المتسارع في مختلف مناحي الحياة والتي تجرف معها ما تبقى من العادات والتقاليد ، فقد حرصت على تجميع ما أمكن من الأمثال الشعبية اليمنية الشائعة في يافع التي صاغها الآباء والأجداد جيلاً بعد جيل وأودعها عصارة جهدهم وحصيلة تجاربهم وخبراتهم الحياتية حتى لا تفقد الأجيال الجديدة صلتها بماضيها الحضاري أو يضمحل من ذاكراتها “ .[c1]اللهجة اليافعية وخصائصها[/c]ويرى الأستاذ الخلاقي أنه قبل أنّ يورد بعض الأمثال اليافعية ، فإنه من الضرورة بمكان أنّ نفهم خصائص اللهجة اليافعية ليسهل علينا بعد ذلك معرفة تلك الأمثال ، فيقول : “ والكلام اليافعي ، عربي حميري ولا غرابة في ذلك خاصة إذا ما علمنا أنّ يافع هى المنطقة المعروفة تاريخيًا بــ ((سرو حمير )) . ويسترسل في حديثه : “ في معظم مناطق يافع يبدلون تاء المتكلم والمخاطب بالكاف ، كقولهم : “ ما أكلكُة غنِمكه وما كسَبكُه عد مَكُة “ أي ما أكلته غنمته ، وما كسبته عدمته ، وهذا الإبدال شائع في اللغة الحميريه ، كقول شاعرهم :بنوكُ غمدان وأسسكُه [c1] *** [/c] عشرين سقفاً بمهمتي أي بهمتي وقول آخر : إني أنا القـيل أبــو شرح [c1] *** [/c] حصنك غمدان لمبهمات في بعض مناطق يافع ، على سبيل المثال الحد ، وأهل أمشق ، يبدلون لام التعريف بالميم ، كما في الحديث : “ ليس من أم بر أم صيام في أم سفر “ وهو ما يعرف بطمطمانية حمير ، ومثل ذلك شائع في البيضاء وأبين وتهامة “ . في بعض المناطق يبدلون الألف بالياء غالبًا في الفعل الماضي ، كقولهم “ من سير لا صنعاء رجع يشر لبن “ أو كقولهم من تمنى أي تمنى ، أو جيء بمعنى جاء “ . دخول الباء على الفعل المضارع لتوكيد حالة استمرار الفعل ، مثل قولهم : “ بيهزها وهي بالجفير “ . قلب كاف المخاطبة في المؤنث إلى شين ، كقولهم هديتش ياجبره ليش “ .في بعض المناطق تقلب تاء المخاطبة للمؤنث إلى شين ، كقولهم تبخرش وفسيش لا لش ولا عليش “ . وعلى أية لا نريد أنّ ندخل القارئ في متاهات خصائص اللهجة اليافعية المستمدة غالبيتها من اللغة الحميرية أو اللغة اليمنية القديمة . وسنقتطف بعض الأمثال اليافعية الذي أوردها الدكتور علي صالح الخلاقي في صفحات كتابه كالآتي : “ أجبُر الجمل بقولت مينه : أجبر الجمل : أي خذ بخاطره ، ومينه كلمة تقال للمطية تلطفاً بها . والمعنى أنّ لا تبخل بقول الكلمة الطيبة لمن يعمل معك عملا طيبًا . أخرج الصّم من أدنك : الصَم : إفرازات الأذن . يقال بمن تطلب منه شيئًا فيتجاهل ذلك . وفي صنعاء يقولون “ دس في إذنه عطبه “ . يقول الشاعر الشعبي محمد منصر الوردي مضمنًا المثل : مــادام ما نــيفــع كـلام الناصحــين [c1] *** [/c] خيــر الدواء سووا عطايه عالميون والصمـت ابلغ قول عند العارفـــين [c1] *** [/c] حتى يزول الصم ذي وسط الأذون الأدب سيد العرب : وفي معناه قال الشاعر :ليـس الجمال بأثواب تزيننـــــا [c1] *** [/c] إنّ الجمال جمال العلـم والأدب ليس اليتيم الذي قد مات والده [c1] *** [/c] بل اليتيـم يتيم العلـم والحسب بالثميني وقيه وكم عاد البقية : الثميني نوع من المكاييل اليافعية يضرب للشيء الذي لم يتبق منه إلا القليل .بحسبُك مشيام وانك عُصبة : المشيام : كوم كبير من قصب الذرة ، عصبه : حزمة صغيرة ، والمعنى لقد ظننتك كبيرًا وعظيمًا ، ولكن ما أنّ جربتك وعرفتك على حقيقتك حتى خاب ظني فيك فأصبحت أصغر بكثير مما توقعت ، وقال الشاعر : وكنت أخال شيئًا من بعيد يظن من الأسود فبان ثعلب بتصدق عيُونك على أُم عيالك : ولهذا المثل حكاية ويضرب لمن يضلل في يأمر لا يقبل الشك ومثل ذلك قولهم “ صدقت عينك على أم عيالك “ . بتضيع الحِجار وقت المَرجم : يضرب لمن يفقد الشيء وقت الحاجة إليه .البَداع منكوس : والمعنى أنّ من يبدأ بالتحرش بالآخرين أو الإساءة إليهم ينتهي به الأمر إلى الانتكاس ، قال الشاعر : من يزرع الخير يحصد ما يسر به وزارع الشر منكوس على الراسالبَسَم تحِب خانقها : ومثل قولهم : “ العُسن ما تحب إلا خانقها “ . والبسم والعسن : هى الهرة. يضرب للشخص الذي جبل على احتمال المذلة والإهانة ومع ذلك يتودد إلى من يؤذيه ، وفي عدن ، يقولون : “ البس يحب خانقه “ . وفي صنعاء “ الدم يحب خانقه “ ، والدم والبس : هو القط . ومن الفصيح “ أحب أهل الكب إليه خانقه “ . بعد الحُرُوب العوافي يا ويل من رَاح فيها : من أمثال الحميد ابن منصور ، ومعناه أنّ الحروب لا بد أنّ تضع أوزارها ، ويتصالح الناس ، والويل فقط لمن ذهب ضحية في نيران تلك الحروب .بعيد الماء على الظامي : عندما تكون الحاجة بعيدًا عن متناول المحتاج .التّالي رزقه حالي : أي أن المتأني ينال الخير الوفير ، والتالي هو الأخير . أنظر كذلك قولهم “ من تحير تخير “ وقولهم “ التير رزقه بالبير “ . تحاك بالصّدق ولا به قطع راسك : تحاك : تكلم ، ولا به ، ولو في ذلك . يضرب في الحث على قول الصدق مهما كانت العواقب . تراني جمل وأصبح طلي : تراني : ترى ، طلي : خروف . يضرب للرجل يحلم بالكثير ويعمل القليل . ومن الفصيح “ أضغاث أحلام “ . وقال الشاعر : ولا تتعــــلل بالأمانــي فأنـهــا مطايا أحاديث النفوس الكواذب توسل من شبيعاتك لجويعاتك : أي أدخر الزايد للحاجة . ويقال في حضرموت “ خل شبيعاتك لجويعاتك “ . ويقابله المثل العربي “ القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود “ . ويقول الإنجليز “ يحتاج المرء المال ليوم النحس “ .تعرف الرامي عند المدود : أي انك تتعرف على الرامي حين يمد بندقيته مصوبًا فوهتها نحو الهدف .الثالث فريع : الفريع : من يفض الاشتباك بين شخصين . والمعنى : أنه عندما ينشب نزاع أو خلاف بين اثنين ، فإن الثالث يلتزم الحياد ويسعى جاهدًا للإصلاح بينهما . ثعل بالضبر ولا نمر بالقبر : ثعل ، الظبر : زاوية الغرفة ، أي أنّ أدعى ثعلبًا وأنجو أفضل من أنّ أدعي نمرًا . ومن الفصيح : “ سؤ الاستمساك خير من حسن الصرعة “ . ويقولون في الشام : “ ألف كلمة جبان ، ولا كلمة الله يرحمه“.جا السيل وشل الغيل : ويروي جي ، أي جاء . الغيل : ينبوع المياه . ويضرب للأمر العظيم يجيء فيطم الصغير والكبير . ومن الفصيح : “ جرى الوادي فطم على القرى “ .جا به الله : أي جاء الله به . يضرب للأمر يتيسر ، فجأة ، أو للرجل تبحث عنه لحاجة فتجده بدون عناء .جراده لا وسط مكريب : مكريب : النار المشتعلة . يضرب لمن يقع في شر أعماله.جرب الأيدمي بابره : الآدمي ومعناه : أنّ تجرب المرء بأصغر الأشياء لتختبره.جلعاب أسفل الدرج : الجلعاب : وعاء يصنع من جلود البقر ويستخدم لأغراض متعددة ، ويترك حين يكون جافًا في درج المنزل لتطأه الأرجل حتى يلين .. يضرب في الحقير لا يحلو له العيش إلا في الحضيض . جَمَل جَمَل تخرج اقطار : أي أنّ الأشياء تتجمع فتشكل شيئًا كبيرًا ، ومن الفصيح : “ من الذود إلى الذود إبل “ .جُوع البطون ولا حلق الدقون : يضرب في تفضيل الجوع وضنك العيش على الذهاب بما الوجه. جياع ولا ضياع : والمعنى أنّ يعود الراعي بالغنم جائعة هو أفضل من فقدانها . يضرب للحث على الاحتفاظ بالشيء بعيوبه على التفريط به .حاجة البيت مال ورُبع : يضرب في أهمية اقتناء الأشياء الضرورية للأسرة .الحاذق على لخجف أمين : الحاذق : الذكي . لخجف : الغبي . يضرب للحث على التعامل مع البلهاء والأغبياء بأمانة . ومثل ذلك قولهم “ لخجف مع الحاذق أمانة “ .حجر سقطة ببير : يضرب لانقطاع الأخبار عن شخص أو شيء ما ، وكذا يضرب في أنّ السر محفوظ ، أو يقول المصريون : “ السر في بير “ . الخالة مَخل : الخالة : زوجة الأب . مخل : آلة مستطيلة وحادة من الحديد تستخدم لثقب الأشياء . يضرب في زوجة الأب السيئة التي لا تعطف على أبناء الرجل من زوجته الأولى ، بل وتعاملهم بقسوة . وفي صنعاء يقولون : “ الخالة خلى “ . قال الشاعر يحيى عمر في هذا المعنى : يقـول يحيـى عمــر مـن ماتـه أمـه تقنـع [c1] *** [/c] بايطعم الماء صبر والقوت ما عاد ينفعيا أح من خـالــتي خلت فـؤادي موجــع [c1] *** [/c] يا ربنا نسألك تنزل بها موت أفجــــــــعيومي وليلي وطرف العين ما عاد يهجع [c1] *** [/c] لمـا الصميـل المعقـد طـول ظهـري بيقرعبا ودعـك يا حلالي غصـب والعين تدمـع [c1] *** [/c] ما دام شـفت البقـاء لي فيـك ما عـاد ينفـعسرحـت والكبـد حسيتـه وقلبـي تقطــــع [c1] *** [/c] والخوف بي زاد خوفي من أبي حين يتبعخُذ من صاحبك مَرة ومن سلبك جَرة : سلبك : سلاحك ، جرة : مرة واحدة . أي أنّ تجرب صديقك ، وكذا سلاحك ، لكي تثق بهما وتعتمد عليهما عند الحاجة . خذ من هجاجيج النساء تدّي هجاجيج الرجال : الهجاجيج : طول القامة : والمعنى أنّ تختار امرأة طويلة القامة ليكو لك منها أولادًا طوال القامة .الخط نص المقابلة : الخط : الرسالة . يضرب لأهمية التواصل بين الأهل والأصدقاء ولو بواسطة الرسائل إذا عز اللقاء ، على اعتبار أنّ الرسالة تعادل نصف اللقاء . قال الشاعر : سلامي عليكم والديار بعيـــدة [c1] *** [/c] واني عـن المسعى اليكم لعاجزوهذا كتابــي نائب عن زيارتـي [c1] *** [/c] وفي عــدم المـاء التيمـم جــائــزخفه الدّبيه : خفه : خفت ، الدبيه : وعاء من الفرعيات يستعمل بعد تجفيفه لخض اللبن وخفظه . والمعنى : أنّ الرجل خف عقله .الدنيا قلبه بقلبه : يضرب لتغير أحوال الدنيا ، لأن دوام الحال من الدوام . قال الشاعر :إنمـــا الدنيــا هبــــــات [c1] *** [/c] وعــــوار مستـــــــــرده شــــدة بعــــد رخـــــــاء [c1] *** [/c] ورخاء بعد شــــــــــدهويقول الشاعر الشعبي أحمد حسين بن عسكر : ذي كـــان مشـيــام بالتالـي رجــع عصبــه [c1] *** [/c] والعصــبة اتخلست من حبلها المعصوبطــبع الزمـــن هكــــذا قــلبــــه قفــــا قلبـــه [c1] *** [/c] قلبهن يقلبه وحـــد غالـب وحــد مغلــــوبالديك ما يعرف أنه ديك إلا لما يقطعوا رأسه : ويروى ( يرى ) يطنطن برأسه “ يضرب لمن يتباهى بنفسه ولا يعرف حقيقته إلاّ بعد فوات الأوان . ويقول الإيطاليون : “ الحمار الذي يعتبر نفسه غزالاً لا ينتبه إلى ذلك إلا بعد فوات الأوان ، اثر قفزة فوق الحفرة “ .دَيمه قلبنا بابها : الديمه : المطبخ ، يضرب للأمر يتغير شكله مع بقاء جوهره.[c1]ذراع بالبير قامه بالمجلاب :[/c]القامه : الباع وهو قدر مد اليدين . المجلاب : المكان الذي تسير فيه الثيران أو الجمل عند امتياح الماء من البئر . وهو من الأمثال الزراعية بمعنى لا بد أنّ يكون (( المجلات )) أكبر لتسهل حركة الحيوانات التي تجر الدلو . ذي ما يصبر على صاحبه بعيبه ، فاته الدهر بلا صاحب :يضرب للحث على احترام علاقات الصداقة مهما كانت عيوبها .ذي ما يقع حدأ ، وقع حذاء : ذي ما يقع حدأ ، راح سُدى : حدأ : الحدأة ، طائر من الجوارح . يضرب للحث على التفوق وحب المعالي ، وذم المهانة .[c1]راحت مدينه بذنب غسنه :[/c]غسنه : وقد يقال بَسَمه وهى الهرة ، وأصل المثل من حكاية تقول : أنّ كلبًا اعتدى على هرة فأكلها ، فجاء صاحب الهرة غاضبًا فقتل الكلب ، وعلم صاحب الكلب بذلك فجاء وقتل الرجل ، وبلغ الخبر أهل القتيل فأخذوا بثأره ، ودخل الجانبان في نزاع وقتال حتى فنيوا ( فنيو ) عن آخرهم ، فقيل فيهم المثل . يضرب حين يتسبب أمر تافه أو شخص واحد في إشعال فتنة كبيرة لا تبقي ولا تذر ، وقد يضرب حين تعاقب جماعة بسبب تصرفات شخص لا ذنب لها فيه سوى أنّ هذا الشخص ينتمي إليها .رأس حنش بغرَارة جرذان :ويروى “ بغرارة سحَل “ . حنش : ثعبان . يضرب لهيبة الشجاع ورهبته في نفوس الجبناء وأنّ كثروا .رَاعِد ثجَر : ثجر : من المواسم الزراعية ، يكثر فيه الرعد الذي لا مطر له ، ومنه جاء قولهم “ مثل راعد ثجر ، بيدعدع الحيد والحجر ولا قطرة مطر “ . يضرب للكذب بعد ولا يفي وقول فلا يفعل ، ومن الفصيح “ كبرق الخلب “ . ويقول الشاعر الشعبي محسن عبد الله عزان الفردي : لا تفزعنك حنة رواعد ثجر راعــــد بلاجــب بلا أمطـــــار العاشق الكداب يفرح بالتهم :يضرب للرجل ، يفرح أنّ تنسب إليه نجاحات لم يحققها . ويقولون في إب “ العاشق الخيبه يفرح بالتهم “ .الغربة كُربة : يستشهد به فير :ما من غريب وإنّ أبدى تجلده [c1] *** [/c] إلا تذكر عنـد الغربـة الوطنــا وقال آخر : إن الغريب ولو يكون بـبــلـــــدة [c1] *** [/c] يجبــى إليه خــراجهــا لغريـــب وأقل ما يلقى الغريب من الأذى [c1] *** [/c] أنّ يستــذل وقــولــه مكـــــــذوبيلصي نار بقرن حمار :معروف أنّ الحمار ليس له قرن . يضرب لمن يشعل نار الفتنة بين الناس على استحالتها . ومن أمثال العرب “ جاء بقرني حمار “ .يبيع بدرعه وكسب بالجرار : درعه والجرار : واديان في بني بكر ــــ كبرى مدن يافع ــــ الأول خصب الأرض والآخر تربته غير جيدة . يضرب في الخائب يبيع الأجود ويشتري الأسواء من أجل كسب المؤقت .[c1]الهوامش : [/c]د . علي صالح الخلاقي ؛ الشائع من أمثال يافع ، دار جامعة عدن للطباعة والنشر 2002 . الجمهورية اليمنية ــــ عدن ــــ .حسين سالم باصديق ؛ في التراث الشعبي اليمني ، الطبعة الأولى 1414 هـ ـــ 1993م ، مركز الدراسات والبحوث اليمني ـــ صنعاء ــــ .سعاد محمد صالح محبوب ؛ الأمثال اليمنية وعلاقتها بالأمثال القديمة ، الطبعة الأولى 2002 ، جامعة عدن ، دار الثقافة العربية .ولمزيد من الإطلاع على مدن يافع ، أقرأ معجم البلدان والقبائل اليمنية ـــ الجزء الثاني ـــ للمحقق والباحث الكبير الأستاذ : إبراهيم أحمد المقحفي . دار الكلمة للطباعة والنشر والتوزيع ـــ صنعاء ـــ الجمهورية اليمنية ـــ . سنة الطبعة 1422 ـــ 2002م