كيف نواجه الإرهاب في العالم الإسلامي؟
القاهرة /14اكتوبر/ وكالة الصحافة العربية:أكد كتاب وسياسيون أن الإرهاب والتطرف في العالم هو نتاج الدولة الفاشلة، فهي مسؤولة عن زيادة ظاهرة التطرف، حيث التوزيع غير العادل للثروة وتفاوت المستويات الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء، وكذلك استبداد السلطة واحتكارها، وممارساتها القمعية والتمييزية ، حيث إن نظم الحكم الاستبدادية حريصة على تغذية المشاعر الطائفية والقبلية والعشائرية لأن هذه عندها هي مرتكزات الحكم.وأشاروا إلى أن المذهبية والطائفية والتعدديات العرقية والسياسية ليست مسؤولة عن الإرهاب في حد ذاتها ولكن التطرف في أي منها هو المسؤول عن الظاهرة. فكيف نواجه الإرهاب؟!وهل القوة العسكرية التي لم تستطع القضاء عليه حتى الآن قادرة على مواصلة التصدي للظاهرة ، أم هناك طرق وأساليب بديلة يجب التحول إليها؟يؤكد د· محمود خلف مستشار المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط أن استخدام القوة العسكرية لمواجهة الإرهاب يؤدي إلي زيادة عملياته وليس العكس ·· مؤكداً أنه بالتركيز علي استخدام القوة العسكرية بشكل رئيسي وظهور كلمة «الحرب»، والتي تعني أن هناك مسرح عمليات له حدود جغرافية معينة ـ وأدوات للصراع محددة، وأن هناك معلومات دقيقة أيضاً وأهدافاً محددة سواء كانت «تكتيكية أو استراتيجية»، مشيراً إلي أن هناك إطاراً زمنيا محدداً، وبالتالي توجد توقيتات معروفة ولو بشكل تقريبي، ولفت إلي أنه في حالة الحرب ضد الإرهاب لا يوجد أي من تلك الشروط السابقة·ولفت إلي أنه في حالة عدم الإجابة عن مجموعة من الأسئلة منها أين العدو؟ ومدي حجم العدو؟ ومن أين يأتي؟ فهذا يعني أننا أمام حرب مفتوحة بلا نهاية وما يترتب عليها من الاستنزاف المستمر للقوات العسكرية، موضحاً أن المفاجأة والمبادأة تظل في يد الجماعات الإرهابية كما يظل الرأي العام يسأل باستمرار هل انتصرنا أم انهزمنا أم ماذا؟مجذراً من خطورة التعامل مع الإرهاب بالقوة العسكرية بشكل رئيسي، وقال إن الإرهاب يري القوي العسكرية وهي لا تراه ويعرف مكانها ونقاط قوتها·وأضاف: إنه يصبح قادراً علي التفادي والتأخير والسكون منتظرا الفرصة السانحة ويلعب دائماً علي فكرة الوقت، علي عكس القوة العسكرية ، مطالباً بأهمية التركيز علي صياغة أو الخروج بإطارات محددة لتفسير أكثر دقة لظاهرة الإرهاب الدولي، حيث إنه لا يمكن وضع استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب الدولي إلا من خلال التوافق العالمي ومن خلال إعلان ميثاق عالمي يشبه ميثاق الأمم المتحدة 1945 تحدد فيه التزامات دولية تقود لوضع آليات سياسية دولية جديدة.وشدد علي ضرورة الاتفاق الدولي علي تعريف موحد للإرهاب دون تسييسه لخدمة مصالح معينة وألا يستخدم علي الإطلاق كأداة للصراع العربي في العلاقات الدولية بأي حال، مشيراً إلي أنه من حق أي دولة أن تدير صراعها لتحقيق مصالحها، ولكن لابد أن يتم ذلك في إطار القواعد المشروعة في التنظيم الدولي.[c1]احتكار السلطة[/c]ومن جانبه يري د.محمد السعيد إدريس رئيس تحرير مختارات إيرانية أن صعود الخطاب المذهبي ـ الطائفي وتحوله إلي حالة من التعصب ثم تحول التعصب إلي تطرف واقتران هذه العملية التصعيدية بانتشار ظاهرة الإرهاب أدي إلي خلق حالة من عدم اليقين بين السبب والنتيجة.وأضاف: ربما تكون ظاهرة اقتران الإرهاب بالتطرف والتعصب الطائفي ـ المذهبي هي السبب في ذلك الالتباس في الفهم، مشيراً إلي أن الإرهاب مفهوم نسبي متطور يختلف من مكان إلي آخر ومن شخص إلي آخر ومن عقيدة أو فكر إلي آخر وحسب الظروف المتغيرة رغم وجود بعض القواسم المشتركة، كما أنه من الصعب القبول بوجود مفهوم واحد للإرهاب أو للجريمة السياسية أو للعنف السياسي وبالتالي ليس هناك تعرف محدد واضح للفكر الإرهابي.وقال: إن المذهبية والطائفية والتعدديات العرقية والسياسية ليست مسئولة في ذاتها عن الإرهاب لكن التطرف في أي منها هو المسئول عن الإرهاب ، أما عن أسباب التطرف فترجع إلي عوامل داخلية ومنها سوء التوزيع العادل للثروة وتفاوت المستويات الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء ومنها الدولة المستبدة والدولة التسلطية وممارساتها القمعية والتمييزية والاحتكارية للثروة والسلطة المقترنة بالفساد السياسي والمالي والأخلاقي ومنها عجز الدولة الفاشلة عن القيام بوظائفها الأساسية في تحقيق الإشباع السياسي والاقتصادي والثقافي للمواطنين وغياب المشروع الوطني الجامع القادر علي خلق الطموح والثقة في المستقبل وزيادة درجة التماسك السياسي والوطني حول الأيديولوجية السياسية للنظام الحاكم ومنها أيضاً هشاشة التكامل الاجتماعي والقومي واعتماده علي الأدوات القمعية دون الأدوات الديمقراطية.وأشار إلي أن العوامل الخارجية تتمثل في الحروب العدوانية التي تمارسها بعض الدول ضد شعوب ودول أخري والسياسات الاستعمارية والتدخل غير المشروع في الشئون الداخلية للدول، معتبراً التطرف بمثابة صلة الوصل بين المذهبية أو الطائفية من ناحية والإرهاب من ناحية أخري لافتاً إلي أن اقتران التطرف بالطائفية يحولها إلي طائفية متطرفة تدفع إلي الإرهاب.وأكد إدريس أن نظم الحكم الاستبدادية وهي حريصة على احتكار السلطة الذي يقود إلى احتكار الثروة تفضل تغذية المشاعر الطائفية والقبلية والعشائرية، مشيراً إلي أن هذه التكوينات مرتكزات للحكم «الدين + القبيلة + السيف» بدلاً من الاعتماد علي مؤسسات حكم عصرية ديمقراطية تفرض تداول السلطة والمشاركة السياسية·والدليل علي ذلك التجربة العراقية التي كشفت عن دور التطرف الطائفي في توليد الإرهاب كما تكشف دور العوامل الخارجية الإقليمية والدولية في دعم هذا التطرف، مشيراً إلي أنها تجربة لم تعد مقصورة علي العراق لأن أسبابها تكاد تكون موجودة في أكثر من بلد من بلدان المنطقة·[c1]علاقة عكسية[/c]أما د· محمد ياسر أبوالفتوح مستشار مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراءالمصري فطرح العديد من التساؤلات أبرزها: هل سيبقي الإرهاب عائقاً أمام التنمية السياحية والتي تستهدف 51 مليون سائح يزورون مصر بحلول عام 2010 لكي يقفز الدخل السياحي إلي 3 مليارات دولار، بعد أن حقق في عام 2004 حوالي 6·6 مليار جنيه؟وأكد أن العلاقة بين الإرهاب والسياحة علاقة عكسية، فصناعة السياحة تتأثر وبشكل كبير بالاستقرار الداخلي للدولة، فكلما زاد الاستقرار والأمان زادت التنمية السياحية وازدهرت، وكلما زاد الإرهاب تقلصت فرصة الدولة في التنمية السياحية ، مشيراً إلي أنه خلال 6 سنوات، وتحديداً في الفترة من 1993 إلي 1998 انخفض عدد الليالي السياحية في مصر بنحو 21 مليون ليلة، وتحققت خسائر مالية فادحة قدرت بنحو 3·2 مليار دولار، نتيجة لأحداث الإرهاب المتفرقة خلال تلك الفترة·ولفت إلي أنه وفقاً لكتاب «أجندة الإرهاب» لمؤلفه «أبان جليدارد» الصادر في عام 1991، فإن عدد الهجمات الإرهابية في العالم في هذا العام بلغ 1713 حادثة، وكان الشرق الأوسط هو أقل المناطق تعرضاً للإرهاب وخصه منها 216 حادثة، في حين بلغ نصيب أوروبا من تلك الهجمات 449 حادثة، وفي الأمريكتين 419، وفي آسيا 354، وفي أفريقيا 225، في حين كانت مصر أقل الدول تعرضاً للإرهاب، حيث بلغ عدد الحوادث الإرهابية فيها 12 حادثة عام 1991، بينما تعرضت تركيا لنحو 80 حادثة·وأوضح أنه منذ أحداث سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية والسياحة العالمية والمصرية تواجه أكبر وأخطر أزمة في تاريخها، لافتاً إلي أن ذلك أثر بالسلب علي قطاع السياحة في مصر، سواء من ناحية الحجوزات أو العاملين في قطاع السياحة·[c1]المشروع الفكري[/c]وأكد ضياء رشوان خبير الجماعات الاسلامية أن الجماعات تختلف في فهمها لتفاصيل علاقة مشروعها الفكري والسياسي والاجتماعي بقواعد الإسلام وأصوله· وأشار رشوان إلي أنه علي الرغم من أهمية الأساس الفكري لدي كل الحركات السياسية والاجتماعية الأخري فهو ذو مكانة خاصة بالنسبة للحركات الإسلامية، حيث يمثل بالنسبة للبعض نصا دينيا مقدسا يسعي لتطبيقه دون اجتهاد أو تعديل بينما هو بالنسبة للبعض الآخر مرجعية رئيسية لها الأولوية علي أي مرجعيات أخري قد تلجأ إليها، وهذا التأثير الفكري يمتد إلي مختلف جوانب الحركات الإسلامية بدءاً من أسمائها ومرورا بمصطلحاتها ورموزها من الحركات السياسية والاجتماعية في علاقاتها بأسسها الفكرية·وأضاف : هناك فرق بين العنف الديني ـ الإسلامي وبين مفهوم الجهاد الذي توضح النظرة الأولية له أنه يحمل في معانيه التاريخية والنظرية في التراث الإسلامي محددات واضحة يصعب إخراجه من إطارها.وقال: بحسب التفسيرات السائدة له في الفكر الإسلامي ينقسم الجهاد الموجه إلي من هم خارج الأمة بدوره إلي نوعين جهاد دفاعي وجهاد هجومي، مشيرا إلي أن الأول فرض علي المسلمين للدفاع عن عقيدتهم وأرواحهم وأراضيهم وأعراضهم عند وقوع أي هجوم عليها من عدو غير مسلم قادم من خارج دار الإسلام في حين أن الجهاد الهجومي فرض علي الدولة الإسلامية لإدخال شعوب ومناطق جديدة غير مسلمة من دار الحرب إلي دار الإسلام. في حالتي الجهاد الهجومي والدفاعي فإن ضوابط ممارسته تبدو واضحة جلية في تعاليم الإسلام من قرآن وسنة بما يحول بينه وبين أن يتحول إلي إرهاب أو عنف ديني ـ إسلامي يروع المدنيين وغير المقاتلين ويهدد حياتهم وأمنهم وأعراضهم وممتلكاتهم.وحول دوافع وأسباب المراجعات يري رشوان أن العامل المحلي المصري الأول تمثل أساسا في نجاح مراجعات الجماعة الإسلامية بكل ما رافقها من كتابات وخطوات عملية من جانب الجماعة بعدم التورط في أي عمليات للعنف ومن جانب الدولة بالإفراج عن قيادات الجماعة وأعضائها، مشيراً إلي أن ذلك مثل دافعا كبيرا لقيادات جماعة الجهاد للبدء جديا في عملية المراجعات الخاصة بهم علي النحو الذي تجري عليه الآن والمتمثلة في مراجعات الدكتور سيد إمام مؤسس الجهاد وأمير التنظيم السابق.[c1]تفتيت التنظيم[/c]ويعرض د. محمد مجاهد الزيات، نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط لحجم وقوة تنظيم القاعدة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 إلي ضربات موجعة أثرت بصورة كبيرة علي حجم تماسك التنظيم وهيكلته وقدراته التنظيمية واللوجيستية، مشيراً إلي أن التنظيم لم يعد بالقوة نفسها التي كان بها في نهاية التسعينيات عندما أعلن بن لادن تأسيس الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين ، ويؤكد ذلك دراسة لوزارة الدفاع الأمريكية كشفت عن وجود 30 جماعة إرهابية جديدة تربط نفسها بالقاعدة منذ 11 سبتمبر حتي الآن، لافتاً إلي أنه بالرغم مما يتردد حول تفتيت التنظيم، فإن تأثيره لايزال مستمراً بصورة غير مباشرة.وأكد أن هناك عدداً من الحقائق التي تؤكد أن هيكلة التنظيم اختلت بدرجة كبيرة إلي درجة أن البعض يشير إلي أنها لم يعد لها وجود، ومن أبرز تلك العوامل: أن هزيمة طالبان قد ألحقت الكثير من الأذي بتنظيم القاعدة وقدراته، وأن هجمات 11 سبتمبر عام 2001 كانت آخر الأنشطة التنظيمية لقيادة تنظيم القاعدة، فضلاً عن أن القبض علي بعض القيادات العسكرية للتنظيم، وتلك التي كانت تتولي مسئوليات تمويلية ولوجيستية قد أضعف الهيكل القيادي الأعلي للتنظيم، وساهم في ذلك اختباء باقي القيادات، وعلي رأسها بن لادن والظواهري في المناطق الجبلية علي الحدود الباكستانية الأفغانية وتفرقهم لأسباب أمنية وتحاشيهم جميعاً عقد اجتماعات أو إجراء اتصالات مباشرة فيما بينهم.وأشار الزيات إلي أن قيادة القاعدة في ظل الظروف التي تواجهها خاصة الحصار والضربات المتوالية، فقدت القدرة علي متابعة نشاط العناصر ذات الصلة بها، لافتاً إلي أن بيئة العمليات والنشاط الإرهابي والعنف المسلح تجعل من المستحيل علي التنظيم الأم عقاب العناصر غير الملتزمة أو غير المنضبطة أو التي تخرج عن إطار العمل المحدد، وهو ما يعني افتقاد قيادة التنظيم لعناصر السيطرة والتحكم ويسحب كثيراً من قدراتها القيادية.وأوضح الزيات أن نسبة كبيرة من العناصر المنتمية إلي تنظيم القاعدة في العراق والمغرب العربي والجزيرة العربية وبعض المجموعات الأوروبية لا ترتبط تنظيمياً بالقاعدة أو قيادتها القديمة، لكنها تستلهم أفكارها ولا تعتمد علي مركزية القرار أو المرجعية الفقهية، مشيراً إلي أن معظمهم غير مرصود أمنياً وليس لهم أنشطة سابقة ويعتمدون علي التدريب الذاتي وعلي درجة عالية من التعليم، ومقتنعون إلي درجة كبيرة بالتضحية والاستشهاد ويعملون في شبكات منفصلة تحمل سمات مختلفة.وكشف الزيات أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي تتمركز خلاياه في منطقة القبائل الجزائرية (الأمازيغ) الذين لهم مطالب بالحكم الذاتي وعلي خلاف مع الحكومة ورغم أنهم يتحصنون في مناطق جبلية فإن نشاطهم الأساسي مؤخراً كان داخل المدن الرئيسية والعاصمة.وانتهي إلى أنه وبالرغم من تفكك تنظيم القاعدة فإن ذلك لا يعني تراجع العمل الإرهابي، محذراً من أن تفتيت التنظيم والتحول من السلفية الساكنة إلي الجهادية العنيفة الذي تزايد في الفترة الأخيرة ينذر بالكثير من المخاطر الإرهابية في كثير من مناطق العالم.