أضواء
أبرز ما يلفت النظر، ويستوجب التأمل في نقد خطاب التطرف والعنف، أنه قائم على فكرة مغلوطة. ولذا فإن مواجهة مثل هذا الخطاب، ينبغي أن تنطلق من أرضية معاكسة، تهتم بتوجيه المعاني الحقيقية، من خلال نصوص شرعية واضحة؛ لتقضي على النزعات القوية من التطرف والتشدد، وعلى روافده المختلفة. وتعرية مستوى خطابه الفكري والمعرفي، وضحالة بنيته، كـ«تكفيره الأنظمة والمجتمعات، واستباحة الأموال والدماء».وتأسيساً على ما سبق، فقد أورد موقع «العربية نت» - قبل أيام -، مقتطفات من كتاب: «أزمة النهضة العربية وحرب الأفكار: قراءات في الخطاب العربي المعاصر»، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، لمؤلفه: هاني نسيرة - الباحث في شؤون الحركات الإسلامية-.وقد رصد المؤلف، وحلل نشأة وتطور فكر القاعدة، وما وراءه من مرجعيات الخطاب القاعدي، وتحولاته، وتوتراته، وتأثير هذه المرجعيات ، والفروق بين كل منها، وكذلك تحولات الخطاب السياسي والقيادي له. وكان أبرز نقاط الكتاب، ما تناوله الباحث، وأكد عليه من أهمية: لجان المناصحة، وعمليات المراجعات الفكرية، التي تقوم بها حكومات بعض الدول؛ للتغلب على الأفكار المناهضة لها، في بعض التيارات والجماعات الأصولية. وقد أوسع تجربة الإصلاح، والمواجهة الفكرية للتطرف في المملكة العربية السعودية بحثاً؛ وأثنى على تلك التجربة؛ لقيامها على محورين رئيسين، هما: «لجان المناصحة، وحملة السكينة». وقد أثنى عليها - أيضا - العديد من المراقبين المهتمين بشأن حصار الإرهاب، والتصدي له إقليمياً ودولياً؛ لأنها تستمد أهميتها من كون كل منهما: آلية نوعية، ومنظمة في حوار المتطرفين والإرهابيين، الذين يمثلهم في هذه الحالة أعضاء، وعضوات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. صحيح، أن السعودية عانت من التطرف والعنف، وحذرت من خطره، وقاومته بكل حزم على كافة المستويات - المحلية والإقليمية والدولية -. لكن إستراتيجيتها، التي تعتبر حجر الزاوية في قدرتها الشاملة على مكافحة الإرهاب، نجحت نجاحاً باهراً؛ بفضل الضربات الأمنية الاستباقية، وبرامج التوعية والمناصحة. هذه الإستراتيجية سماها - الباحث - كريستوفر بوشيك: «الإستراتيجية السعودية اللينة في مكافحة الإرهاب.. الوقاية وإعادة التأهيل والنقاهة». وأصبحت تلك الإستراتيجية مصدر إلهام لكثير من الدول، التي عانت من آفة الإرهاب. بل إن دولاً عديدة، كـ «مصر، والجزائر، واليمن، وسنغافورة»، استفادت من تلك التجربة. وأيقنت أن الجهود الأمنية وحدها لا تكفي، فتبنت برامج مشابهة، في إطار حرب الأفكار، استندت إلى معطيات ميدانية، من واقع التجربة السعودية في مكافحة الإرهاب. ولأن الفكر لا يعالج إلا بالفكر، والحجة لا تقارع إلا بالحجة، ولا يكون ذلك إلا عن طريق الحوار، وحلحلة قناعات الفكر التكفيري، وتعريته. إذ أن الحوار غرس، وليس محاضرة، أو جلسة. وتلك سياسة لها تأثير فاعل في الجانب العملي؛ للتصدي لظاهرة الإرهاب، ورفض منطق صراع الحضارات. فقد قامت حملة «السكينة»، و«برنامج محمد بن نايف للمناصحة»، بتوجيه من قادة الرأي والفكر، ومختلف النخب والأطراف الفاعلة في الساحة، ومتجاوزة الوسائل التقليدية في الخطاب؛ لمواجهة الخطاب القاعدي، والرد عليه، ومحاربة تبريراته الفكرية والأيديولوجية المتطرفة، والذي يقوم على أفكار منحرفة وعداوات تكفيرية. فأحرزت نجاحاً تلو نجاح، وانتصاراً تلو انتصار.[c1]* كاتب سعودي [/c]