أقواس
عندما تستمع إلى أغنية «أي هذا الشاكي ومابك داء كيف تشكو إذا غدوت عليلا» أوأغنية «ماوقفتك بين الكتيب والبان» أو «الشوق أعياني» أو «ياسيد أنا لك من الخدام» أو «شدت خيول العوالق ياليتني عولقي» أو «تعيش أنت وتبقى» أو «يا بروحي التي» أو «يا حمامي أمانه مادهاك» أو «ألا ياليت شعري ليت الطير يخبرني» أو «نعم نعم شكري لمولي النعم» أو «بسم الله مولانا ابتدينا ونحمده على نعماه فينا» أو «من يبلغ غزال رامه» كل هذه الأغاني عندما تستمع إليها تعرف بأن الفنان والمطرب المتمكن صالح عبدالله العنتري حاضر فيها ، وكانت هذه الأغاني المذكورة هي المدخل الرئيسي لقراءة البطاقة الفنية لهذا الفنان العظيم فبمجرد ماتستمع إلى أي من هذه الأغاني تتذوق نكهة صالح العنتري فيها وأيضاً بصمته على العود التي تدل على عزفه الخاص به ، ربما تستمع إلى نفس هذه الأغاني من حنجرة إبراهيم الماس أو القعطبي أو المسلمي أو با مخرمه أو الشيخ علي أبوبكر باشراحيل لكن حنجرة صالح العنتري تفردت بأدائها أفضل من غيره في زمنه الجميل الذي كان يحتوي ويحتضن هذه الدعائم الفنية التي أرست قواعد الكلاسيكية اليمنية .بعد مجيء الأسطوانات البلاستيكية الثقيلة برز هؤلاء العمالقة وأيضاً بعض المؤسسين الأصليين لهذه الأغاني التراثية أمثال الفنان الكبير سعد عبدالله الكوكباني وسعد عبدالله الصنعاني والسالمي وقحطة وفضل ماطر وهادي سبيت النوبي والد الشاعر عبدالله هادي سبيت وأحمد قاسم والد الفنان أنورأحمد قاسم وسعد عبدالله والد الفنان محمد سعد عبدالله وعبدالله المسلمي والد الفنان عوض عبدالله المسلمي وعوض سالم الطميري والفنانين الخليجيين القدامى الذين غنوا قبل مجيء الأسطوانات مع (الجراما فون) وهؤلاء قد غنوا معظم الأغاني التراثية اليمنية بالذات اليافعية والحضرمية ووثقوها بالنوتة أو ماتسمى بالسفن أو بأشياء أخرى وبعد ذلك شكلوها على حسب طبيعة الجزيرة العربية . وأخيراً ليس لنا إلا أن نقول يجب أن الالتفات إلى تراث وفكر هذا الفنان والمبدع النادر الذي قدم لنا جميع الألوان الفنية اليمنية وبالذات الصنعاني واليافعي والموشحة اليمنية لذلك نتمنى أن يكرم المرحوم العنتري وأن توثق وتدرس جميع أعماله الفنية.تجدر الإشارة إلى أننا لن نعطي هذا الفنان حقه الطبيعي من الإهتمام والرعاية اللائقة به فقد عاش حزيناً وعبر عن ذلك بنبراته المتهدجة والمبكية كما عاش مهضوماً ومظلوماً من أية حقوق أدبية وحسب علمنا من المقربين منه والمعايشين له أن نهايته كانت مأساوية بسبب إنقضاض مرض عضال عليه حتى لاقى ربه في دكان صغير مهجور لايليق بمكانة هذا العنتري العملاق .رحمة الله على هذا الفنان الذي خدم الفن اليمني الأصيل بكل تفان وتجرد رغم الإحباط الذي سيجه فيه بعض عديمي الضمير الذين لم يمكنوه من الظهور جماهيرياً في بعض القاعات اليمنية وحسبه أنه رغم تلك العراقيل فقد سما بالأغنية التراثية اليمنية والموشحات إلى آفاق رحبة وجعلها نبراساً ومرجعية فنية تستضيء بها الأجيال الفنية المتعاقبة في اليمن والجزيرة العربية.