نبض القلم
الثقافة والديمقراطية وجهان لعملة واحدة، وفي مجتمعنا اليمني الذي ينحو نحو الديمقراطية، لا يستقيم أمر الديمقراطية بدون الثقافة، فالثقافة هي التي تتيح فرصة المعارضة البناءة والتوجيه السليم، وهي التي تجعل المرء يحكم على الأشياء بموضوعية،وتمكنه من إبداء الرأي بشأن اية قضية، وما الديمقراطية إلا محصلة ثقافية.ويفترض ان يكون المثقف في المجتمع الديمقراطي أكثر من غيره قدرة على التأثير في الناس، وبالتالي يفترض فيه ان يكون اكثر الناس قدرة في لم شتات المجتمع، وتنظيم الحياة والسيطرة على الواقع، وهو ما يؤهله لتحمل أعباء العملية الديمقراطية، وما يمكنه من الاسهام في تكوين وعي الناس والتأثير في الرأي العام وتعزيز الوحدة الوطنية.فالمثقف بكلامه وتوجيهاته وسلوكه يستطيع ان يعيد للناس الثقة بأنفسهم وبامكانيات تطور بلادهم، او العكس، وهو بأحكامه الموضوعية للأشياء وتقويمه الصائب للأمور ونزاهته في المعاملة وصلته الوثيقة بالناس يستطيع أن يمهد الطريق للمجتمع الديمقراطي المنشود، كما يستطيع تقوية الولاء للوطن والايمان بوحدته الوطنية، غير أن واقع الحال في الوقت الراهن لا يدل على أن المثقف في بلادنا يسهم بقدر أو بآخر في بناء المجتمع الحر الموحد والديمقراطي، ويرجع ذلك إلى أن المثقفين في بلادنا ليسوا على وئام مع الوطن، لانهم يتوزعون إلى ثلاث فئات متباينة:الفئة الأولى: وتضم مثقفين متفرجين على الأحداث الجارية لا تربطهم بها ولا بمقدماتها أو نتائجها أية رابطة، فهؤلاء المثقفون يفقهون الواقع، ولكن لا يعنيهم منه شيء، فهم محجمون عن الفعل، أو مترددون في القيام بأي شيء تستوجبه مسؤوليتهم الوطنية، إما ليأس اصابهم أو لإحباط حصل لهم أو لخوف ألم بهم، فهم لذلك محايدون حيادا سلبيا، أو صامتون صمتاً مراً، فتراهم متجهمين حتى الكآبة والانهيار.الفئة الثانية: وتضم مثقفين يمثلون أبواقا للسلطة أو جزءاً منها، فهم الذين يبتكرون لها الشعارات، وينظمون الأناشيد، ويصيغون الخطابات السياسية، ويدبجون التقارير، فهؤلاء يعيشون مع السلطة، بل هم جزء منها، ومحاطون برعايتها، ولذا تجد جيوبهم منتفخة بهبات السلطة وعطاياها وبالتالي هم لا يعبؤون بهموم الناس ومشكلاتهم.الفئة الثالثة: وتضم مثقفين اتخذوا من المعارضة وسيلة لا غنى لهم عن ملازمتها، فيحتمون بحماها، فيعارضون لأجل المعارضة فيخلقون بؤراً للمعارضة لتأكيد وجودهم، فيلجؤون اليها حينما تضيق بهم ساحة المواجهة مع الواقع المأزوم.وفي واقع كهذا يختفي المثقف الذي يطرح البدائل الافضل سواء أكانت بدائل سياسية باعتباره جزءاً من هموم المثقف، أو بدائل اقتصادية واجتماعية، باعتباره يحمل أفكارا موضوعية تنطلق من قاعدة فهمه للصراعات القائمة بين فئات مجتمع ينخره الفساد، ويسقمه الجوع، ويسوده الاستغلال ومهدد بالتمزق.والمثقفون في بلادنا على اختلاف فئاتهم وتنوع مستوياتهم وتعدد مشاربهم يستطيعون- لو آمنوا بالديمقراطية- ان يعيدوا تشكيل وعي الناس والأخذ بأيديهم الى بناء مجتمع ديمقراطي متطور. والمثقفون الديمقراطيون يفترض فيهم ان يكونوا أكثر الناس وعياً بخطورة التعصب للرأي والتشدد في الموقف والتزمت في الفكر، لذلك هم مطالبون أكثر من غيرهم بالإصغاء الى آراء الآخرين، وهم ملزمون دون سواهم باحترام من يختلفون معهم في الرأي أو المبدأ أو العقيدة لإيمانهم بالديمقراطية حسب زعمهم، وهم ملزمون أكثر من غيرهم بالحفاظ على الوحدة والدفاع عنها والتصدي لدعاة الفرقة ومروجي ثقافة الكراهية في المجتمع.والمثقفون في بلادنا مطالبون في الوقت الراهن بنشر ثقافة المحبة والتسامح والوقوف بصلابة ضد دعاة الردة والانفصال، وعدم تمكينهم من تحقيق مآربهم في شق الصف الوطني واضعاف الوحدة الوطنية.[c1] *خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان[/c]