د. زينب حزام:لقد أتاحت اليمن الفرصة لكل الموهوبين من أبنائها في اقتحام مجال الإبداع الموسيقي خاصة الموسيقى الحديثة والشعبية إيماناً منها بدور الموسيقى في التربية الجمالية للإنسان اليمني ودورها في تطوير الثقافة الشاملة. هناك من يقول إن الموسيقى في اليمن لم تكن موجودة وذلك لأسباب عديدة منها التقاليد اليمنية البالية ، ودور الاستعمار والرجعية وحكم الإمامة بعزل اليمن عن الثقافة العربية والدولية ،وبما أن الموسيقى كموسيقى الآن مستوردة من الغرب فقد استطاع العالم العربي أن يستوعبها وخضعت بشكل مستمر للثقافة التي تهم الدولة كأداة ثقافية تنويرية وتعليمية كما أن هناك من يقول إن الثقافة كانت موجودة في تاريخنا القديم منذ الجاهلية ، فقد عرف قدماء اليمن في جاهليتهم القاص والشاعر الذي كان يجول الصحراء اليمنية وينظم الأشعار ويعزف على الربابة ويسرد الوقائع وقد عرفت اليمن شخصيات أدبية قبل الإسلام ومنهم من اهتم بالإيقاعات الشعبية وقام بتوثيقها ومنهم من يملك الحكمة والمعرفة واللياقة وخفة الروح ولم تكن تلك الشخصيات بعيدة عن مجال عمل القاص والموسيقي بل كانت قريبة وقريبة جداً من شخصية الفنان الشعبي الذي يجمع ملاحظاته من واقع الناس ومن أنماط تعيش بينهم ويصورها مستخدماً ملكات عديدة للوصول إلى إبداع يجعله محط الأنظار ومثار الإعجاب ومقصوداً من الناس ومكرماً . إذا كانت الموسيقى الشعبية موجودة في سياق تكوين الإنسان العربي منذ القدم فلم يكن بالصورة المتعارف عليها هذه الأيام بل اخذ شكل الظاهرة التي تقترب من الموسيقى الحديثة التي نلاحظها هذه الأيام. والموسيقى اليوم هي شكل من أشكال الحضارة الحديثة بل هي أساس من مكونات أي امة ولا يمكن الاستغناء عنها لأنها غذاء الروح مهما كانت الظروف شأنها شأن الفن التشكيلي والسينما والمسرح وغيرها من الفنون الجميلة لأنها تدخل في نسيج الإنسان وفي تكوين نفسيته . فإذا كان الإنسان يتكون من جسد وروح وعقل بما يتفرع من تلك المفردات التكوينية من تفاصيل عديدة فان الموسيقى هي احد تلك التفاصيل التي تندرج تحت مسمى الإبداع الإنساني في شتى الفنون.. سمة يتمتع بها الموهوبون فمن الناس من يبرز في الموسيقى أو المسرح أو الرسم أو التصوير أو السينما أو الأدب كل حسب ميوله واتجاهاته في مجال فني من المجالات المتعددة المختلفة. بمعنى آخر يولد الإنسان باستعدادات تنفجر في زمان محدد وبيئة معينة .. وتنطلق إلى مجال التقيد تحت مؤشرات عديدة تساعد ذلك المبدع على الاستمرار في عطاءاته المتميزة ومن الشعر الغنائي اليمني المعروف أغنية الشاعر الغنائي الراحل جابر رزق التي كتبها في عام 1902م .. واغنيته هذه “ فرج الهم “ يقول فيها. فرج الهم يا كاشف الغم منك فضلاً يفضل المثاني يا الإمام الختام المعظم اشرف الرسل قاصي وداني رب نسألك بالاسم الأعظم اكفنا شرعيب الزمان واغفر الذنب يارب وارحم أنت حسبي وعفوك أماني كل عبد به الله يعلم واحد لا يضاهيه ثاني فضله كيفما شاء يقسم دام في العز منشي المغاني المربي لمن ليس يفهم كالذي باع باقي بفاني لو وزنا فصيحاً بأعجم كذبتنا شهود المعاني خذ المعنى من المغني وقابل بأن الفرق بين الناس حاصل وان لا يستوي جاهل وعاقل ويقول الموسيقار اليمني عبدالقادر قائد الذي قام بتوثيق الأغنية اليمنية في كتابة المعروف قراءة موسيقية كتاب ( من الغناء اليمني) وهو من إصدارات وزارة الثقافة والسياحة بصنعاء ، والموسيقار اليمني محمد عبدالقادر قائد محاضر في مادة النظريات الموسيقية العامة في معهد جميل غانم للفنون الجميلة يقول في كتابه هذا : “ كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن أهمية البحث عن تراثنا الفني نغماً وايقاعاً بألوانه المختلفة وجمعه وتحليله والعمل على توثيقه بالنوته الموسيقية ، ولأنني واحد من الذين نالوا قدراً من التعليم الموسيقي المبني على أسس علمية فقد وجب علي العمل في هذا المجال والبدء بجمع الكثير من أغانينا اليمنية بأصوات كثير من أساطير الطرب في بلادنا والإعتماد على الأصالة في تنفيذ هذه المهمة وهي مسؤولية كبيرة تقتضي توخي الحرص والدقة في ترجمة الألحان الغنائية بإيقاعاتها المختلفة بالنوتة الموسيقية وتوصيلها إلى يد القارئ بكل أمانة. ويقول الموسيقار اليمني عبدالقادر قائد: “ أن الشروع في عمل كهذا ونجاحه سوف يخدم الحركة الفنية في اليمن ويعطينا حافزاً ودفعاً قوياً لتوثيق المزيد من تراثنا الفني المتناثر بكل الوسائل المتاحة والممكنة وما قمنا به من تدوين للقليل من الألحان اليمنية التقليدية والشعبية التجديدية ومن تلك التي اشتهرت في الخمسينات والستينات ولاقت رواجاً منقطع النظير على مستوى الوطن والمنطقة العربية المجاورة ليس إلا محاولة مني لحمايتها من كل من يحاول أن ينسب لنفسه بعضاً منها لحناً كان أم شعراً والتعريف بأصالة هذا الفن العريق الذي أصبح معرضاً لمحو هويته وانتمائه”. ومن الأغاني اليمنية المشهورة التي يتغنى بها الناس حتى وقتنا الحاضر ، أغنية (يقولوا لي نسي حبك) وهي من كلمات الشاعر الغنائي صالح مهدي بن علي بن احمد، لحن محسن بن احمد مهدي نظمت هذه الأغنية عام 1957م . يقول فيها الشاعر: يقولوا لي نسي حبك وليه تجري ورآه تناسى الحب من قلبك ودور لك سواه وكيف أنساه وأنا ريده وقلبي ملك في أيده أنا مدمن على حبه وقلبي دي يباه عرفته والهوى جاهل ربينا في حماه سقاني دمعه السايل ونا دمعي سقاه أنا لاشي من دونه ملكني سحر في عيونه بغمزه قد اسر قلبي وقلبي ما نساه هوانا في الدماء يجري ودمي من دماه أنا عمره وهوه عمري وزد روحي معاه حبيبي كيف باسيبه وغيره ليه با جيبه ونا بعته هوى قلبي وهو مني اشتراه وفي ضوء ما تقدم نجد الأغنية اليمنية قد عملت على نشر الوعي والثقافة الوطنية في المجتمع اليمني. ولعبت دوراً مهماً في نشر القصيدة الغنائية ولا تزال تلعب دوراً في انتشار العديد من القصائد الغنائية ، والدليل ما حققته من شهرة وانتشار بفضل السيد يهات والشاشة الفضية وغيرها من الوسائل الإعلامية.
أخبار متعلقة