خواطر أدبية
نعمان الحكيم لا أدري كيف يفسر البعض سلوكياتهم الغوغائية، أهي نابعة عن علم وخبرة ودراية بما يكون أثرها السلبي، وتصر على ممارسته، أم هو جهل؟ والجهل نقمة لا يمنحها رب العالمين إلا لمن قلوبهم كالحجارة، وأظل سبيلاً..والحكمة في أن نعود إلى التراث، إلى بطون الكتب، لا الإنترنت سريع الاستهلاك والفائدة التي لا تقوى على منافسة الكتاب.. وقد صدق شوقي عندما صحح البيت الشهير بالقول:(أ) “ ملت للكتب وودعت الصحابالم أجد لي وافياً إلا الكتابا..”وهو الذي كان قد نظم البيت قبلاً كالآتي :(ب) “أنا من بدل بالكتب الصحابالم أجد لي وافياً إلا الكتابا »حيث انتقد على سياق صدر البيت الذي يعكس المعنى.. وهو ما جعله يستدرك بالصدر السابق أعلاه.. فاستقام المعنى..أعود وأقول أن البعض يخاصم ذاته، وعندما أقول البعض فهم قلة، وقد يكون واحداً، المهم أن يفهم أمثال هؤلاء أنه : ( ليس كل ما يلمع ذهباً) إذ أن الذهب هو المعدن الذي لا يصدأ، وما سواه هو الخبث أو (الخرشب) وقد قال عمرو بن كلثوم الثعلبي في معلقته : “ ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا “وهي حكمة لا يرقى إليها إلا شعر أبي العلاء المعري، والفارق بين الاثنين كبير زماناً ومكاناً ومعنى.. فالمعري شاعر الحكمة الذي تتلمذ على المتنبي، استطاع أن يصور كل شيء أفضل من المبصرين في ذلك الزمان أو في زماننا هذا، وهو ما يعيد إلى الأذهان شعر الأعشى ميمون السابق للمعري، أو عبدا لله البردوني المحدث الذي خسرته اليمن وضاع في حين إهمال..يقول الأعشى في معلقته الفائقة الجمال والروعة :“ ودع هريرة أن الراكب مرتحل وهل تطيق وداعاً أيها الرجلغراء فرقاء مصقول عوارضهاتمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل “إلى قوله : “ قالت هريرة لما جئت زائرها ويلي عليك وويلي منك يا رجل وقد غدوت إلى الحانوت يتبعنيشاوٍ مشلٍ شلول شلشل شول “أما شاعرنا البردوني (مبصر اليمن) وحكيمها فليس أدل على براعة تصويره إلا البيتين التاليين.. اللذين عبر بهما عن القطيعة والفرقة في زمن ما قبل الوحدة.. [c1]فيقول:“ يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمن جنوبيون في صنعاء شماليون في عدن “في تصوير مؤلم للتشطير الذي زال والحمد لله، ثم، الشكر للبردوني هذا العلم الأغر الذي كان ولا زال بين ظهرانينا شعره وأدبه ووطنيته الفياضة.. لذلك ونحن نستعرض هؤلاء الأدباء الميامين، إنما لنبين أنه حتى الأعمى البصر، لم تعم بصيرته، ولم ينزلق إلى التشاؤم وكره الناس والحياة.. هكذا هي الحياة الحرة الكريمة لدى العظماء أما السفليون الصغار في كل شيء فهم الجهلة الذين رماهم الله على الأمة منذ الخليقة حتى اليوم، لكنهم منكوبون ويعيشون في الأدنى حتى ولو صعدوا الجبال!لنعد إلى المعري.. حكيم زمانه وزماننا أيضاً ولنقرأ بعضاً من أبيات قالها في ديوانه.. منها ما يصور ما أردنا الوصول إليه :“ وكم من طالب أمدي سيلقى دوين مكاني السبع الشداد..ويطعن في غلاي ورا (شعي) (1) ليانف أن يكون له نجادا..فلا وأبيك ما أخشى انتقاصاً ولا وأبيك ما أرجو ازديادا..تذكرت البداوة في أناس تخال ربيعهم سنة (جمادا)..(2)جهول بالمناسك ليس يدري أغياً بات يفعل أم رشادا؟!(1) الجلد الذي بين أصبعي الرجل في الحذاء(2) لم تمطربل لم يكتف المعري بتعرية هؤلاء وزاد في القول :“ ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل عفاف وإقدام وحزم ونائل..“ تعد ذنوبي عند قوم كثيرةولا ذنب لي إلا العلى والفواضل..“ وقد سار ذكري في البلاد فمن لهم بإخفاء شمس ضوؤها متكامل..“ وإني وإن كنت الأخير زمانهلآتٍ بما لم تستطعه الأوائل..“ ولما رأيت الجهل في الناس فاشياًتجاهلت حتى ظن أني جاهل..“ فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقصووا أسفا كم يظهر النقص فاضل..“ فإن كنت تبغي العز فابغ توسطا فعند التناهي يقصر المتطاول “ثم يمضي المعري في وصفه الجهل والإشادة بالعلم وأهل الحلم الذين يشبههم بالزمان والمكان في سياق زمني وكوني بديع..“ ثلاثة أيام هي الدهر كلهوما هي غير الأمس واليوم والغد..“ وما البدر إلا واحد غير أنهيغيب ويأتي بالضياء المجدد..“ فلا تحسب الأقمار خلقاً كثيرةفجملتها من غير متردد”وهنا نقف لنعطي القارئ الكريم استراحة يتنفس من خلالها.. حتى لا نثقل عليه ونكون سبباً في اكتئابه، لا سمح الله.. بالرغم من أن لذلك عوامل وشخوصاً يملؤون الأزقة (والحوافي) وحتى أماكن العلم والعبادة.. أعاذنا الله منهم.. آمين..وإلى حلقة أخرى قادمة إن شاء الله..